Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناTuesday 16/04/2013 Issue 14810 14810 الثلاثاء 06 جمادى الآخرة 1434 العدد

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

أعتذر أولاً على العنوان وخلفياته التاريخية، ولكن بصدق العملية - في نظري – عملية متماثلة بل ومترابطة، والجامع بين الماضي والمضارع والمستقبل، والقاسم المشترك في “ما كان، وما هو كائن، وما سيكون” هو الإهمال وعدم الاكتراث، سواء سميتها بهذا الاسم أو ذاك، إذ لا مشاحة في الاصطلاح كما يقال.

لقد كان البدوي حين يرحل من مكان إلى آخر بحثاً عن الكلأ والماء يحمل معه ما يحتاج وتبقى معالم وبقايا ما ترك شاهدة على مروره وبقائه زمناً ما طال أو قصر في هذا الجزء من أرض الله الواسعة، وعندما استقر به المقام في الحضر، وسكن القرية أو المدينة صار يرمي - أعزكم الله - ما زاد عن حاجته في تلك الصناديق المخصصة لرمي النفايات أو قريب منها، حتى صرت ترى وتسمع عن أطنان الأرز واللحم الصالح للأكل الآدمي يحرق مع الزبالة وفي المجتمع الفقير والمحتاج وذي العوز، والورق بل وحتى المصاحف -للأسف الشديد- قد تجمع في كيس واحد مع شتات القاذورات أجلكم الله، ومصيرها المحرقة، مع أن في العالم كله مصانع مختصة بالاستفادة من هذا الرجيع!.

وحين يخرج أي منا لنزهة برية أو حتى بحرية للاستمتاع بالطبيعة تلازمه ثقافته في التعامل مع “الرجيع”!!.

هذه ليست إشكالية بقدر ما هي مشكلة من السهل حلها والتوعية المجتمعية إزاؤها في نظري، ولكن الإشكالية الحقيقية أن هذه الثقافة في التعامل مع ما زاد عن الحاجة والذي سميته “الرجيع “ انتقل من الممتلكات المادية البسيطة إلى عالم الإنسان.

لقد تولد الإرهاب وترعرع التطرف وكبر الغلو في بلادنا وللأسف الشديد لأسباب عدة ولعل من بينها أن الشباب الذين عادوا من أفغانستان تعامل معهم المجتمع على أنهم “رجيع” ولذا لم يجدوا الرعاية الفكرية والاقتصادية والاجتماعية التي كانوا ينتظرونها مما ولد لديهم الشعور بالغربة، وجاء من يعزز هذا الشعور ويغذيه وينفخ فيه سواء من الداخل أو الخارج حتى استطاع عزلهم في خلايا إرهابية صارت بؤر فساد وإفساد في المجتمع!، وخريجو السجون، ومتعاطو المخدرات بعد أن يتماثلوا للشفاء، والمطلقات، والأيتام، ومما ابتلاهم الله بالأمراض المستعصية، ومن يتسربون من الجامعة نتيجة عدم حصولهم على معدل تراكمي يمنحهم الحق في الاستمرار والحصول على درجة البكالوريوس.

كل هذه الفئات وما ماثلها قد يُتعامل معها بصورة أو بأخرى تختلف قوة وضعفا بأنها “رجيع” فيكون على أيدينا تهميشهم وعدم إشعارهم بالأهمية وإعطائهم ما كانوا ينتظرون من التقدير والاهتمام أو على الأقل الاحتضان العاطفي المجتمعي قبل الرسمي.

أخشى ما أخشاه أن يصل هذا الشعور لخريجي الجامعات أصحاب الاختصاصات التي لا يحتاجها سوق العمل، وأشد من ذلك أن تتولد هذه القناعة ويتغلغل هذا الشعور لدى شريحة من المبتعثين الذين رأيتهم يتنقلون بين أجنحة ومقار الشركات والجامعات والمؤسسات الحكومي منها وشبه الحكومي والخاص في يوم المهنة بـ”لندن” بعد أن حصلوا على شهاداتهم التي يفتخرون ويفاخرون بها، وإذ بهم وبعد كل هذا الوقت والجهد يقال لهم بكل بساطة ومن الجميع “أنتم لا نحتاجكم” سواء بسبب التخصص، أو ضعف التأهيل في نظر ممثلي هذه المؤسسات طبعاً، أو لوجود ملاحظات على الجامعة التي تخرج منها هذا الشاب أو تلك الفتاة، مع أنه معترف بها من قبل وزارة التعليم العالي في المملكة والدراسة على مرأى ومسمع من الملحقية الثقافية، أو نتيجة عدم امتداد التخصص!، أو لأنهم ممن يحملون درجة البكالوريوس والاستقطاب فقط لمن نال الدكتوراه أو...

إنني أتمنى ألا يكون هناك “رجيع” ونتعامل معه كما تعودنا من قبل، فقد يكون الثمن باهظاً خاصة في هذا الزمن الصعب، وفي ظل ثورة عالم التواصل والاتصالات والانفتاح العالمي الرهيب وغير المسبوق..

لقد رأيت مشاهد هؤلاء الطلبة المغتربين وهم يستقبلون بكلمات الرفض وفي عيونهم ألف حكاية وحكاية، ووراء غربتهم قصص وتفاصيل موجعة ومؤلمة وهم بحاجة إلى احتواء وتشجيع وأخذ باليد حتى لا تكون ردة الفعل منهم الهجرة الفكرية وربما الجسدية عن وطنهم الذي اشتاقوا إليه، أو حتى العودة إلى الدار وهم يحملون بين الحنايا مرارة القهر وفكرة اليأس، ويلتحفون بثياب الهروب من نظرة الفشل التي تلاحقهم في مجتمعهم الصغير.

إن ثقافة التعامل مع ما زاد عن الحاجة يجب أن تتخلص في سلوكنا الحياتي عن جذورها السلبية، كما أنه لابد - في نظري - من وجود منافذ ومسارات مساندة ووظائف وسطى حتى لا يكون التهميش وعدم الاكتراث، وحين يقع الفأس بالرأس لا ينفع الندم، ولن تجدي حقن العلاج لا سمح الله.

دمت عزيزاً يا وطني ودمتم أنتم ومن تحبون بخير، وإلى لقاء والسلام.

الحبر الأخضر
(الرجيع) وإشكالية التعامل معه (في العقلية السعودية)!!
د.عثمان بن صالح العامر

د.عثمان بن صالح  العامر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة