Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناTuesday 23/04/2013 Issue 14817 14817 الثلاثاء 13 جمادى الآخرة 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

استكمالاً لموضوع الأسبوع السابق الذي تضمن خواطر وانطباعات حول اللقاء السادس للحوار الوطني “الحراك الثقافي في مواقع التواصل الاجتماعي”، الذي نظمه مركز الملك عبدالله للحوار الوطني، وذكرت فيه من واقع مشاهدات أولية أن الجو كان جو حوار مفتوح حقيقي بسقف عالي من الشفافية والحرية.

وأن الذين شاركوا فيه مجموعة ممثلة لقطاع عريض من المجتمع السعودي من حيث الثقافة، والمستوى التعليمي، والاتجاهات الفكرية، والفئات العمرية. كانت تلك انطباعات عن اللقاء الذي تم في أجواء أخوية أظهر فيها المتحاورون الكثير من الود والاحترام لبعضهم البعض الآخر.

كما ذكرت أن المنظمين للحوار عبروا علنا عن رغبة حقيقية لتطويره وإحداث نقلة نوعية فيه، وهي رغبة وافقها عليهم كثير من الحاضرين مما رسخ كذلك القناعة بأن هذا الحوار وجد ليبقى وينمو وأنه ليس مجرد ظاهرة عابرة، أو نشاط مؤقت. وهذا أمر مبشر بالخير. المنظمون بالطبع لديهم خبرة متراكمة من الحوارات السابقة غير أنهم يرغبون في أفكار تطويرية جديدة ولا يهم من أي جهة قدمت، وقد طلبوا مقترحات الجميع داخل اللقاء وخارجه صراحة، فالحوار وطني، والمعني به الوطن بمجمله.

ومقارنة باتساع الوطن وتوزعه على رقعة جغرافية كبيرة تختلف قليلاً في بعض جوانبها الاجتماعية مثلها مثل سائر المجتمعات، تجمعها أواصر الدين والمواطنة، وأخذا بعين الاعتبار تنوع الأطياف الفكرية نتيجة للانفتاح الفكري والإعلامي على الخارج فإنه يصعب جمع الجميع في ساحة حوار مغلقة، وعليه بدا لقاء الحوار الوطني رغم تنوع أطيافه وكأنه تجربة صغيرة داخل مختبر صغير. ومعروف أن معظم التجارب المختبرية في مجال العلم، بما لها من تأثير كبير على حياتنا فيما بعد، تتم في حيز محدود وفي بيئة، وعوامل، ومتغيرات من السهل التحكم بها وبمتغيراتها، وهي تقدم نتائج أولية مبهرة ومشجعة للباحثين، غير أنه عندما تتم محاولة الخروج بها للفضاء الخارجي، وتطبيق نتائجها في البيئة الطبيعية الأوسع، حيث يستحيل التحكم في مثل هذه المتغيرات، تكون النتائج مختلفة تماما وتحتاج وقتا طويلا من المراجعة وإعادة الحسابات لتنضج. كما أن نتائج تطبيقها على عينات متغيراتها غير مستقرة قد لا تكون بالضرورة قابلة للسبر والقياس بسهولة التجارب المختبرية، وآثارها قد تكون أقل. ومع ذلك لم يكتشف العلم حتى اليوم، ومع تقدم العوالم الافتراضية، والقدرات الحاسوبية أي وسيلة أو منهج لتجاوز هذا الإشكالية، مما يعني أنه على منظمي الحوار ألا يصابوا بالإحباط أو يتخلوا عن حماستهم لتعميم روح الحوار لأن الطريق أمامهم طويلة لتنضج تجربتهم وتظهر آثارها على المجتمع.

الأمر الآخر الملاحظ هو أن الحوار ما زال ينصب إلى حد كبير على الجوانب السلوكية التي تُعني بالتزام التهذيب والأريحية عند تبادل الكلام في السياقات الجدلية، كما تحاول تعزيز روح الاحترام للآخر وتقبل وجهة نظرة، وهذا شيء جميل. فنحن نطلق على السياقات الجدلية حسب شكلها ونجاحها مهمتها أوصافا مختلفة: فعندما يشتد الأخذ والرد في الكلام نسمى ذلك نقاشاً، وعندما يحتدم نطلق عليه شجاراً، وإذا تصاعد أطلقنا عليه صراعا، ولكنه عندما يكون مؤدبا وسلمياً نسميه حوارا. والنزاع أو الشجار إذا كان بين أطراف تربطها أواصر محبة، وأخوة، ومصالح مشتركة استحال حوارًا، والعكس صحيح. ورسالة اللقاء كانت رسالة موجهة للمجتمع بأن الجميع يجب أن يستفيد من مكتسبات الوطن الذين يتشاركون فيه، وأن يعلوا من قيم الدين والمواطنة والأخوة التي تربطهم ليكون كل جدلهم حواراً لا شجارا، لأن الحوار ينتهي بالود بعد الاختلاف، والشجار يفسد قضية الود ولا يفضي لحل لموضوع الجدل.

والخبراء يرون أن السلوك الإنساني الخارجي تكون دوافعه عقلية، ونفسية، داخلية تحكمها قناعات وبنى فكرية متأصلة في عقل الأفراد والجماعات، والحوار أحد هذا السلوكيات التي تحكمها الأوضاع العقلية للأفراد والجماعات. وهذه ليست قضية جديدة للدراسة بل قضية أشبعت درسا سواء في علوم النفس والتربية، أو علوم الدراسات السلوكية. فالسلوك الخارجي بما في ذلك الحوار العابر الوقتي هو نتاج تلك البنى المستقرة القابعة في عقل الفرد التي تجذّرت عبر سنين حياته وما تعرض له خلالها من مواقف تربوية وممارسات عرضية. ولذلك فيمكن أن يكون من أهم سبل تطوير الحوار هو النظر في وسائل وإمكانيات التأثير على هذه البني العقلية للأجيال الشابة لجعلها أكثر انفتاحا ومرونة، وترسيخ ذهنية تقبل الاختلاف بدلاً من الاقتصار على رصد الظواهر الخارجية للسلوك الحواري. وهنا تكون التربية والتعليم مربط الفرس، فما لم تستفيد التربية والتعليم من ذلك بإحداث تغيير جذري في بعض الأساليب التربوية سنستمر في تخريج أجيال أحادية التفكير تلتزم بحدة بذهنية أحادية الرأي، وستكون محاولة تدريبها فيما بعد على أسس الحوار غير مجدية.

ومن المعروف من الدراسات النفسية-الاجتماعية، التي تعني بالجوانب النفسية للمجتمعات، وتعنى بعلاقات الأفراد مع بعضهم البعض الآخر، وعلاقتهم بالجماعات المحيطة بهم، وعلاقات الجماعات ضمن مجتمع واحد، أن الحوار، بمفهومه الواسع هو الأساس والعامل الرئيس في تماسك الجماعات والمجتمعات أو تفرقها. وإذا تعثر الحوار الودي تتأزم الأمور وتتحول لا سمح الله إلى أنواع أخرى من الحوار أقوى وأعنف. وعليه فجميع المجتمعات المتحضرة تسعى لإبقاء الحوار في حدوده الودية والمتحضرة حتى ولو كانت الاختلافات كبيرة وعميقة.

ولذلك ومن أجل تطوير الحوار الوطني أيضا وإخراجه للطبيعة المجتمعية الواسعة التي أنشئ من أجلها، وعدم الاكتفاء بالنتائج المختبرية التي تتم في اللقاءات وتقتصر على عدد محدود من الأفراد، وقد يحتاج المنظمون لتحقيق ذلك الكثير من الأفكار الإبداعية التي تأتي، كما يقال، من خارج الصندوق. فمثلاً في اللقاء الذي تم، كان إدخال شاشة التويتر في الاجتماعات أمر رائع وملفت، فلماذا لا نفكر في العكس، وهو إدخال الحوار داخل التوتير، وذلك بطرح قضايا معينة يعلن عنها مسبقا، في أوقات محددة على مواقع التواصل الاجتماعي ليشارك فيها الجميع، بصرف النظر عما قد ينطوي عليه ذلك من مواقف سلبية من البعض، فالهدف هو تعويد المجتمع على الانتقال من الحالة الشجارية للحالة الحوارية.

كما يمكن توسيع نشاطات وصلاحيات المركز ليعني بالحوارات الأهم والأكبر داخل المجتمع، والمقصود هنا ليس الحوارات الفكرية فقط بل حوارات التواجد المشترك، والمصالح العليا، حوارات تهذب المصالح المتضاربة و تبصر أصحابها بأهمية المصير المشترك. فمشكلة الإسكان، مثلاً، مشكلة متجذرة في المجتمع، وتطال شريحة كبيرة من المواطنين الذين لا يتفهمون بقاءهم بدون مساكن في مجتمع يمر بمرحلة وفرة وطفرة، وهناك إجماع على أن مصالح شريحة عريضة من المجتمع مرتهنة لدى شريحة أخرى. ولذا يمكن أن يكون هناك حوار صريح حول هذا القضية التي لا يزال بعض أطرافها يفكر من منطلق مصالحه الآنية الضيقة فقط متجاهلاً ما تسببه لأشقائه المواطنين من عناء وشقاء، وغير عابئ بما يمكن أن تجره للبلاد مستقبلا من الأمور التي قد تتسبب، لا سمح الله، بأذى للجميع وعلى رأسهم هذه الفئة نفسها التي ترفض المشاركة في حلها وتتجاهلها وكأنها لم تكن. فأطراف أزمة السكن فعلا ليست الدولة والمواطنين فقط ولكن أطراف أخرى لا بد وأن تتحمل مسئوليتها. فأطراف هذه الأزمة تتحاور بشكل خفي ومستمر بلغة الاقتصاد والمصالح المادية والإنسانية، وهي تدفع المجتمع في اتجاهات متباينة. وما يفاقم هذه الأزمة وغيرها هو تمسك بعض الفئات بمصالحها الضيقة فقط ونبذ مصالح الفئات الأخرى، أي أنها تتبني لغة أحادية المصالح، أنا وبعدي الطوفان، وهي لغة لا تحترم الآخر وتسلبه حقه في حياة كريمة. ولو اجتمعت هذه الأطراف في لقاءات مثل تلك التي تتم فيها الحوارات الوطنية، وتبادل الناس الأفكار علنا وبشفافية وباحترام لبعضهم البعض الآخر، ونقلت تلك الحوارات للمجتمع ككل لربما وضعنا أقدامنا في الطريق الصحيح لحلها. ختاما، نتمنى للإخوة في الحوار الوطني كل التوفيق، وأعانهم الله على مسئولياتهم.

latifmohammed@hotmail.com
Twitter @drmalabdullatif- أستاذ في جامعة الملك سعود

خواطر وأفكار حول ملتقى الحوار (2-2)
د. محمد بن عبدالله آل عبد اللطيف

د. محمد بن عبدالله آل عبد اللطيف

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة