Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناTuesday 23/04/2013 Issue 14817 14817 الثلاثاء 13 جمادى الآخرة 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

محليــات

تَفتّق ذهن تشارلز باربييه في عام 1822م عن فكرة عبقرية لا زال البشر يستخدمونها إلى اليوم، وكما يقال الحاجة أمّ الاختراع، والحاجة هي التي حرّكت ذهنه نحو هذه الفكرة التي نفعت الكثير من الناس. قبل أن نعرف الفكرة لنبدأ أولاً بتشارلز.

تشارلز باربييه ضابط في الجيش الفرنسي كان مسؤولاً عن سلاح المدفعية في جيش نابليون ومكانه في مقدمة الجيش وهو أخطر الأماكن وأقربها للعدو. من أنظمة الجيش الفرنسي وقتها أن الجيوش إذا عسكرت ليلاً فإنه يُمنَع أن يشعل أي منهم قنديلاً، لأن هذا يكشف مكانهم ويجعلهم هدفاً واضحاً للعدو، فماذا كان يفعل القادة والجنود إذا أتتهم رسائل ليلاً لم يستطيعوا قراءتها، فتَحَتّم عليهم الانتظار إلى النهار. المشكلة أن هذا –كما هو واضح- يعطل الأمور، خاصة فيما لو طرأ شيء مهم، لهذا أمر نابليون ضباطه بحلِّ هذه المشكلة، وعكفوا على دراستها وحاولوا صنع الحلول ولكن لم يتشكل منها شيء، حتى فكّر تشارلز بفكرة ذكية: نوع من الكتابة لا يحتاج نوراً ليُقرَأ. أو بشكلٍ أوضح، نوع من الكتابة يُقرأ باللمس.

أخذ تشارلز قلماً حاد الطرف وأخذ يغرزه في الورقة فبَرَزَت نتوءات صغيرة ملموسة، وبعد فترة من دراسة الفكرة وتحسينها توصل أخيراً إلى فكرته وهي ما سماها «الكتابة الليلية»، واستقرت الفكرة في النهاية على 12 نقطة بارزة في الورقة كل منها له معنى صوتي، وهي موزعة على مربع من 6 خانات عمودية في 6 أفقية، وطريقة توزيعها على الخانات هي التي تصنع الأصوات المرغوبة فيفهم اللامس ما أريد بها.

جربها نابليون ونجحت الفكرة واستمر يستخدمها في حملاته. بعد فترة أتى رفاق تشارلز واقترحوا عليه أن يقدم هذا الاختراع للعميان لأنه سيفيدهم، وهذا ما فعله تشارلز عام 1821م عندما جمع بعض الصبيان فاقدي البصر وعرض عليهم الاختراع فجربوه واستحسنوه، وتقدم غلام في الثالثة عشرة من عمره وأبدا إعجابه بالاختراع إلا أنه اقترح على تشارلز بعض الأفكار التي تُحسّن الفكرة، غير أن تشارلز المتغطرس رفض الفكرة رفضاً قاطعاً، بل غضب من تجرّؤ صبي صغير على انتقاد فكرته وتحسينها، ولما حاول الغلام أن يشرح وجهة نظره اندفع تشارلز خارج المبنى رافضاً حتى السماع، وأما الغلام فلم يُثنِ هذا من عزيمته فأخذ يُحسِّن فكرة الكتابة الليلية وجلس سنتين يطوّرها لتكون أقل تعقيداً. جلس ساعات كل يوم يفكر ويجرب ويغرز القلم المدبب في الورق، وهو قلم شبيه بالآلة التي أفقدته بصره -وهي آلة كتابة حادة كالقلم، ضَرب بها عينه وهو في الثالثة من عمره فذهبت، وأصيبت العين بالعدوى والتي انتقلت للأخرى فذهبت أيضاً وعمي صغيراً-.

استقر في النهاية على أمر، فقلل عدد النقاط بمقدار النصف وجعلها ترمز لحروف اللغة الفرنسية بدلاً من الأصوات، ولما انتهى قدّم اختراعه للعالَم وهو غلام لم يتجاوز خمسة عشر عاماً، واسم الغلام قد تكونون عرفتموه الآن وهو لويس بريل، وسُمي أسلوب الكتابة للعميان نظام بريل على اسمه، وهو الذي يستخدمه الناس اليوم، وأما تشارلز المتكبر فقد نسيه التاريخ، إلا أن بريل ظل وفياً صادقاً، فكان دائماً يعزوا الفضل في الاختراع إلى تشارلز ولم ينسب الاختراع لنفسه.

Twitter: @i_alammar

الحديقة
بين أعمى البصر وأعمى البصيرة
إبراهيم عبد الله العمار

إبراهيم عبد الله العمار

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة