Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناWednesday 24/04/2013 Issue 14818 14818 الاربعاء 14 جمادى الآخرة 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

استمع لمقاطع يوتيوب للأستاذ عدنان إبراهيم، ولو لم أكن أعرف الناس بتاريخ بني أمية لحسبتهم شياطين، والهجوم على بني أمية لا يحتمل أكثر من هدفين:

أحدهما: طائفي، وهذا مما ابتليت به الأمة التي يجب أن تحقق مبادئ التعايش بين طوائفها،

والشتم والإساءة للرموز يفسد كل جهود الشرفاء الذين يرقبون مشهدا أصبح فيه صوت الفوضى يعلو صوت العقل. والآخر: عدائي، إذ ليس القصد هو تصحيح التاريخ لأن التاريخ مضى ولا يمكن تغيير مساره، وإنما الهدف هو نزع الشرعية من أنظمة تحكم بطريقة بني أمية هذا اليوم، والأولى أن يقف المخلصون على جهودهم المبذولة لخدمة الإسلام، وأن يتخذوا من التاريخ الدروس دون إساءة وتقييم لشخصياته التي لا نعلم سر اختيارها تلك التفاصيل...

صدقا تعجبني طريقة الدكتور عدنان إبراهيم، وأسلوبه الشائق، وتفتيشه المصادر، وسبر أغوار النصوص، وليته سلم من العاطفة الانتقائية التي أفسدت اجتهاداته الرائعة، ولاشك أن غيرته وتحمسه يحمد له في هذا المجال إلا أنني ألحظ تحاملا على بيت بني أمية، وبخاصة سيدنا معاوية رضي الله عنه، وأحيانا يتجاوز العَرْضُ إلى الشتم والاستهزاء والطعن، وهذا لا يليق بمؤرخ كبير من أمثال الدكتور عدنان إبراهيم، الذي يعلم أن تلك الحقبة لم تدون تفاصيلها إلا بعد عقود وسنين طويلة مما أفقدها الموضوعية في الحكم على رجال عظماء بحجم ساداتنا (علي ومعاوية رضي الله عنهما)، فعبثت الأيدي وما تحمله النفوس الخبيثة بتاريخ أمة كاملة، فالحكم ناقص وهو فرع عن التصور والتصور أيضا لم يكتمل ولن يكتمل، ويبقى الفيصل في هذا قوله تعالى {وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ }، فالمصادر المتأخرة عن فترتهما متناقضة، وحبذا لو ركز على المنهج التاريخي دون بذاءة، وبخاصة أنه يغوص في فترة فتنة امتدت أحداثها وتسلسلت من 23 هـ إلى 41 هـ وهو عام الجماعة الذي تصالح فيه ساداتنا الحسن بن علي رضي الله عنه ومعاوية بن أبي سفيان، وكل فطن أريب يعرف أن تلك المصادر لم تتفق في سرد تلك الأحداث، فزاد بعضها وأنقص بعضها الآخر، مما يجعلها دليلا غير موضوعي في الحكم على خلافة بني أمية ورجال بني أمية، علما أنني لا أدعي كمالهم فهم بشر يخطئون ويصيبون ويجتهدون، فلابد من التحقيق والمقارنة بين المصادر وتحليل الأخبار وربطها بظروفها الموضوعية والوقوف على خلفياتها ورحمها التاريخي الذي قيلت فيه ليكون الحكم صحيحا أو على الأقل مقبولا في عرف المؤرخين الذين يتميزون بمنهج علمي عقلاني، ينعم النظر ويمعن الفكر دون أن يكون معلبا، وذلك التعليب هو الذي أغرى بعض طوائف الإسلام بالمنهج الخطأ نسأل الله لهم الهداية، فهناك فرق بين قبول الأحداث كحقائق يبنى عليها وهي تختلف في تفاصيلها وربما تتناقض تماما وبخاصة في ظل تاريخنا الإنساني وما فيه من تزييف وتزوير...

بنو أمية بيت من بيوت الإسلام العريقة، وهامة من هامات كنانة وسادة من سادات مضر نصف العدنانية، ولم يظلم بيت من بيوتات العرب مثلما ظلم هذا البيت على ما قدمه للإسلام والمسلمين، وربما كان ذلك نتيجة الأحداث التي جرت في القرن الأول الهجري، وتاريخنا هو تاريخ إنساني لا يمكن تجريده من النهج البشري، ولو قبلنا به بهذه الطريقة لكان عاملا من عوامل وحدة الأمة التي فرقها استدلالها بنصوص التاريخ الإسلامي وشخصياته التي ربما كانت وهمية، وأحداثه التي ربما لم تكن تقع، فتلقفها المهيجون وبنوا عليها حقائق لا تقبل النقاش، وتجاهلوا في مقابل ذلك نصوص الكتاب والسنة الصحيحة التي تسمى نصوص الإسلام، فكان يجب علينا أن ننظر إلى الجانب المشرق لتاريخ سيدنا علي بن أبي طالب الخليفة الراشد وسيدنا معاوية رضي الله عنهما وما توافر فيه من الخيرية التي تجعلهما أفضل بكثير ممن يقيمونهما من الخلف، وإن كان هناك خطأ في تلك الفترة فهو دليل على أنهم بشر وليسوا ملائكة، ولكن الخطأ الذي لا يغفر هو أن تبقى هذه القضية تتوارثها الأجيال للتفريق والمزايدة والتشويه وتقسيم الأمة إلى فرق وشيع، وقد كان علي رضي الله عنه أولى بمعاوية رضي الله عنه، ومعاوية رضي الله عنه أولى بعلي بن أبي طالب رضي الله عنه...

ظلم كبير حينما تفرغ فترة حكم بني أمية من مضامينها الإسلامية، والأظلم أن بعض الناس نسي كل عداوات قريش للرَّسول صلى الله عليه وسلم، ولم يذكر عن بني أمية إلا أنهم الشياطين والطلقاء، وكأنهم وحدهم الذين وقفوا هذا الموقف، كما أن هؤلاء المدَّعين لتأصيل العداوة بين البيتين (بني هاشم وبني أمية) قديماً، نَسُوا أن بعض بني أمية، كانوا من السابقين إليه من بني هاشم، فقد كان عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية، من السابقين إلى الإسلام، الخليفة الراشد، وكذلك كان أبناء سعيد بن العاص: خالد بن سعيد، وعمرو بن سعيد، من السابقين إلى الإسلام، فقد أسلم خالد بن سعيد بن العاص وكان خامساً في الإسلام وهاجر إلى أرض الحبشة، وأقام بها عشر سنين، وكذلك أسلمَ أخوه عَمْرو بن سعيد بن العاص، وهاجر الهجرتين، ثم لحق بهما أخوهما، أبان بن سعيد، وكذلك خالد وأبان ابنا سعيد بن العاص، من كُتَّابِ الوحي للرسول صلى الله عليه وسلم، فصوروهم بأبشع صورة تؤكد على أنهم مغامرون وهمجيون ومزورون مما لا يقبل أن يطلق وصفه على من هم دون هذا رجال هذا البيت الذي كان من سادات العرب في الجاهلية والإسلام، فبنو أمية يدخلون في جملة مسلمة الفتح، الذين وعدهم الله بالحسنى في قوله تعالى: {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}، ويكفي أن سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه من كبرائهم ومن عظماء بني أمية، وربما الدرس التاريخي المهم الذي يغفل عنه المؤرخون وقراء الأدب وبعض المتأخرين الموتورين أن حكم بني أمية كان ضرورة في تلك الحقب التاريخية المملوءة بالفتنة، فالإسلام بعد سيدنا علي رضي الله عنه مر بمرحلة مضطربة ضعيفة تماما فالناس لم يجمعوا على الخليفة الراشد علي بن أبي طالب، ولن يجمعوا على مخلوق إذ لا أفضل منه في تلك الفترة، وستفترق الأمة وتحصل النزاعات والخلافات ولن يبلغ الإسلام الذي كان محتاجا لحاكم قوي يضبط الناس ويسوس الشعوب وكان بحاجة إلى رجال يبلغونه أقاصي الدنيا ولم يكن أفضل من بيت بني أمية ليتولوا هذه المهمة السامية، فأصبحت ديار الإسلام بفضل من بني أمية من “كاشغر” على حدود الصين في الشرق، إلى الأندلس وجنوب فرنساً في الغرب. ومِن بحرِ قزوين في الشَّمَال، إلى الحيط الهندي في الجنوب. ولا يمكن قبول التشويه الذي ملأ كتب التاريخ والأمالي والأحاديث لأنها كتبت في غير عصورهم، وكانت الأيدي حريصة على تلطيخ تاريخهم المشرف حتى وإن كانت هناك أخطاء لا تعدو أن تكون مقبولة في سياقات التاريخ الإنساني. يقول الإمام ابن القيِّم (ت: 751هـ) في “المنار المنيف”: “وكلُّ حديث في ذمِّ بني أُميَّةَ فهو كذِبٌ، وكلُّ حديث في مَدْحِ المنصور والسفَّاح فهو كذِبٌ”. ويشهد لِفضلِهم إجمالا دخولهم في أفضلية - قوله صلى الله عليه وسلم: “خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم”. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة: “وقد استعملهم أبو بكر رضي الله عنه وعمر رضي الله عنه”. وقال أيضا: “وبنو أمية كان الإسلام وشرائعه في زمنهم أظهر وأوسع مما كان بعدهم”. وفي الصحيحين عن جابر بن سمرة أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يزالُ الأمرُ عزيزاً إلى اثني عشر خليفة كلهم من قريش)، ولفظ البخاري: {اثني عشر أميراً}.

نعم الناس لم يجمعوا على علي بن أبي طالب وتفرقوا عنه، فقيض الله لبني الإسلام معاوية رضي الله عنه ليكمل مسيرة الدعوة ونشر الإسلام، ولو رجعت شورى لن يجتمع الناس أيضا فسيحصل بينهم كما حصل في السقيفة وما تلاها، وستكون الأمة مشغولة بالحاكمية عن الدعوة والتمكين، ولم يكن ذلك خطأ الإسلام وإنما خطأ المسلمين ولذلك يجب علينا أن نفرق بين الدين الإسلام والتاريخ الإسلامي كما قلت، ثم إن الناس قد امتلأت نفوسهم بحب الدنيا واستساغوا الخلاف وبخاصة بعد موت واستشهاد أكابر الصحابة رضوان الله عليهم، ولذلك كان الله جل وعلا أعلم حيث يجعل حكم المسلمين في هذه الطريقة ولهذا البيت لأن الله جل وعلا قال: “وإنا له لحافظون”، ومن حفظه أن يتولى قيادة الأمة القوي الأمين.. ولا أدَل على ذلِك ولا أَظْهر، من كثرة فُتوحاتِهِم، وما خصَّهم اللهُ عز وجل ويَسَّرَهُ على أيديهم من نشرِ الإسلام وتمكينِه في الأرض، حتى أصبح المسلِم عزيزاً، ولا تجرؤُ أُمَّةٌ -وإن عظُمت- على انتقَاص قدره، أو هضم حَقه، وأصبحت حال المسلمين في بعض عهود بني أُمَيةَ مستقرة آمنة مطمئنة حتى أنهم لم يجدوا محتاجاً يأخُذُ الزكاة. فلماذا يتناسى الناس هذه المزايا والتمكين للإسلام الذي لو استمرت الأمة في شقاقها على من يتولى قيادتها ومن يحكمها لما انتشر ولما بلغ ما بلغ، وبخاصة بعد التطاول على سيدي عثمان رضي الله عنه وخذلان سيدي علي رضي الله عنه، وجرأة السفهاء على قتلهما وقبل ذلك قتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وسيتطاولون على كل حاكم بعده، فكانت الضرورة تقتضي أن يتولى زمام المبادرة رجال أقوياء يحفظون الإسلام ولم يكن أقوى من بني أمية في تلك الفترات وأعانهم على ذلك ما منحهم الله من سياسة في حكم الناس ثم جاء بعدهم بيت بني هاشم ليقودوا الأمة حتى سقطت الخلافة العباسية في القرن السابع الهجري، فلله الأمر من قبل ومن بعد...

والله من وراء القصد..

abnthani@hotmail.com
عميد الموهبة والإبداع والتميز البحثي بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

يا عَدْنَان إبراهيم: لِهَذا السَّبَبِ مَكَّنَ اللهُ لِبَنِي أُمَيَّةَ وَوَعَدَهُمُ الحُسْنَى!!!
د. عبدالله بن ثاني

د. عبدالله بن ثاني

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة