Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناSunday 28/04/2013 Issue 14822 14822 الأحد 18 جمادى الآخرة 1434 العدد

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

يقال إن النسوة في مصر في زمن مضى كن يذهبن للحمامات النسائية كي ينظفن أجسامهن في تلك الحمامات، وإنهن كن يتعرين أثناء الاستحمام، وترى كل واحدة منهن الأخريات عاريات دون أن يشعرن بالخجل أو الحياء من بعض، في إحدى المرات وهن على تلك الحال، شب حريق في الحمام، وحصل عندئذ هرج ومرج، كل واحدة تبحث عن مخرج للنجاة، فهي بين إقدام وإحجام، إقدام مدفوع بحب الحياة وكراهية الموت، وإحجام مدفوع بالحياء من الخروج أمام الآخرين وهي بهذه الحالة من التعري، وعندما ضاقت الخيارات، ولم يعد هناك سوى خيارين، إما النجاة بالهروب من الحمام ولو كانت بحالة التعري، أو الموت بالبقاء فيه على اعتبار أن هذا أهون عليها من الخروج أمام الناس عارية، اللي حصل أن اللاتي لم يستحن من كونهن عاريات أخذن قرارهن بالهروب ولو كن عاريات، وبهذا نجين من الموت، أما اللواتي استحين من الخروج وهن عاريات، بقين في الحمام وفضلن الموت على أن يراهن أحد وهن بهذه الحالة من التعري، لهذا قيل: اللي استحوا ماتوا.

تداعت قصة ( اللي اختشوا..) بعد أن قرأت رسالة تلقيتها على الواتساب تضمنت مقتطفا مما كتبه أحد الجنود الفرنسيين في مذكراته أثناء الثورة الجزائرية، يقول: (.. عندما كنا نقوم بعمليات التمشيط ومداهمة القرى للبحث عن المجاهدين يشعرني بالخجل ردة فعل النساء حيث كن يهرولن ويهربن نحو إسطبلات الحيوانات عند رؤيتنا ويقمن بتلطيخ أجسادهن بالروث وفضلات الحيوانات لكي نشمئز منهن عند محاولة اغتصابهن ولا نقربهن بسبب الرائحة الكريهة التي تنبعث منهن بفعل الروث، حقا صورة لن تغادر ذهني ما حييت وتجعلني أكن احتراما لهؤلاء اللاتي قمن بتقذير أنفسهن في الروث لأجل شرفهن).

القاسم المشترك بين مضمون قصة «اللي استحوا ماتوا» وبين ما أورده الجندي الفرنسي، هو خلق الحياء، الحياء الذي يعد سياج الأمن الاجتماعي، وحامي الفضيلة والأخلاق، ومعزز ثبات القيم المجتمعية والمحافظة عليها، أولئك النسوة فضلن الموت حرقا ولا يخرجن عاريات، وفي الجزائر تحملن الروث ورائحته الكريهة من أجل المحافظة على أعراضهن وشرفهن، صور من الحياء والعفة رائعة، ونماذج من الثبات فريدة، مازالت ولله الحمد متواترة في جل المكونات المجتمعية، على اختلاف الزمان والمكان في العالمين العربي والإسلامي.

بطبيعة الحال لا تخفى التحولات الكبيرة والمتسارعة التي حصلت ومازالت تحصل في منظومة القيم البشرية عامة والعربية على وجه الخصوص، حيث لعبت أقنية المعلومات والتواصل الاجتماعي الدور الفاعل والرئيس في هذه التحولات، فالمقارن لن يجد صعوبة البتة في تبين الاختلاف الحاد وملاحظته في طبائع الناس، ومدى الفجوة الكبيرة في سلوكاتهم، ليس بين جيل الأجداد والأحفاد، أو بين الآباء والأبناء فحسب، بل بين أبناء الجيل الواحد أنفسهم، وصاحب هذه التحولات صور من التخلي عن الموروث الذي سمته الوقار والحشمة إلى التحلي بصور من التفسخ مجلوبة، حسنها مصطنع باهت فج، تأباها النفوس الكريمة، ومع ذلك سرت سريان النار في الهشيم، فأفسدت العقول، ووترت النفوس، وزعزعت الأمن الاجتماعي حتى غدا الكل في قلق مما هو آت.

إن مما ساعد على التغلب على جبروت الاستعمار وقوته الغاشمة الخشنة، الإيمان بالثوابت الدينية والمجتمعية، والثبات على قيم المخزون الأخلاقي والثقافي الأصيل، إنها القوة الناعمة التي تغلبت على قوة المستعمر رغم خشونتها، هذه هي التي ولدت مشاعر التقدير والاحترام في نفوس المستعمرين، وهي التي جعلتهم ينظرون لأنفسهم بازدراء، وهي التي دحرتهم وتغلبت على شهوة البقاء والاستحواذ على المقدرات، وسلخ الناس من محيطهم الاجتماعي والثقافي، وبعد تلك الحقبة الكريمة من النضال ضد الاستعمار العسكري والثقافي، حصلت تحولات حادة ومتسارعة أبعدت الإنسان العربي عن مصادر قوته الناعمة مما قد يؤول به إلى فقدان هويته وأصالته.

abalmoaili@gmail

أما بعد
التعري الأخلاقي 1-2
د. عبد الله المعيلي

د. عبد الله المعيلي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة