Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناSunday 28/04/2013 Issue 14822 14822 الأحد 18 جمادى الآخرة 1434 العدد

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

بعد آخر قمة عربية، احتضنتها العاصمة القطرية (الدوحة) في شهر مارس الماضي.. كانت تتدافع إلى ذاكرتي قصيدة شاعر العروبة الأول (نزار قباني) المدوِّية (متى يعلنون وفاة العرب)..؟! التي كتبها ونشرها قبل عشرين عاماً تقريباً..

أو في شهر نوفمبر من عام 1994م على وجه التحديد.. والتي قال فيها:

(أنا منذ خمسين عاماً

أحاول رسم بلاد

تُسمى - مجازاً - بلاد العرب

رسمت بلون الشرايين حيناً

وحيناً رسمت بلون الغضب.

وحين انتهى الرسم، ساءلت نفسي:

إذا أعلنوا ذات يوم وفاة العرب

ففي أي مقبرة يُدفنون..؟

ومن سوف يبكي عليهم؟

وليس لديهم بنات..

وليس لديهم بنون..

وليس هنالك حزن..

وليس هنالك من يحزنون!!)

.. فثار عليه وعليها العرب جميعاً، وفي مقدمتهم (مصر) آنذاك على وجه الخصوص.. بل وكتب أحد كبار محرري صحيفتها القومية الأولى (الأهرام).. قائلاً: (أمسك.. شاعر مارق، وعربي مرتد)!! وهو يستثير أبناء العروبة.. ويستفز أشاوستها.. لـ(الانتقام) من هذا الشاعر (الخسيس) الذي يجرؤ على مثل هذا القول، بينما نظر إلى القصيدة بعض مثقفي مصر.. من زاوية محاولات الشاعر تأكيد أسبقيته، وحريته، وجرأته في قول ما لا يقوى أحد على قوله.. وقد كان صاحب ريادة في ذلك تُحمد له ولا تجارى بين كل مجاييليه من الشعراء، وكثيرون ممن سبقوه.. دون شك، بينما أنصفه قلة من المثقفين العرب من المصريين وغيرهم، وقد رأوا في القصيدة.. أخطر إنذار يوجهه (شاعر) لأمته!؟ بعد قصيدته في الاحتفال بذكرى مرور خمسين عاماً على إنشاء (الجامعة العربية): (أنا يا صديقتي متعب بعروبتي)، وبعد مقاله الساخر والحزين (نحن السيريلانكيين الموقعين أدناه)..! الذي طالب فيه بحق العرب أسوة بالسيريلانكيين في مسح الأرض، وتنظيف الصحون، وتربية الأطفال في أعقاب انتهاء الحرب الباردة بين (قطبي) الرأسمالية والاشتراكية.. وسقوط الاتحاد السوفييتي، وبعد انتهاء حرب الخليج الثانية وقيام (منظمة التجارة العالمية).. الذي قال في ختامه:

(النظام العالمي الجديد كُتب بلغة إنجليزية فصحى.

ولم يكتب باللغة الهندية، أو الصينية، أو الفيتنامية، أو الكورية، أو الفارسية أو الأفريقية.. أو بأية لغة من لغات العالم الثالث.

وبكل تأكيد.. هو لم يكتب باللغة العربية.. لأن العرب أصبحوا خارج اللغة..)

.. كخطوة أولى كما ظن (نزار) آنذاك.. ويلوح اليوم وكأنه اليقين على طريق خروجهم من (الجغرافيا)، وبقائهم في (التاريخ) كـ(القرامطة) من قبل، و(الهنود الحمر) من بعد!!

* * *

لم يمت (سؤال) نزار.. المشحون بـ(الفجيعة) والحسرة والأسى - وإن مات (صاحبه) مأسوفاً عليه.. في مثل هذا الشهر من عام 1998م -، فأحداث الشرق الأوسط المتسارعة، والتي كانت تتراكض بها أحلام (إمبراطورية - بوش الأب فالابن - الأمريكية) على امتداد الكون: استيلاء على إرادته، واستحواذاً على قراره، وتملكاً لنفطه.. مستغلة ما أسمته بـ(اللحظة التاريخية) بسقوط الاتحاد السوفييتي، لجمع.. أقصى ما يمكنها جمعه من النفوذ والسيطرة والاستيلاء على ثروات العالم.. قبل أن يسترد الاتحاد السوفييتي أنفاسه ثانية.. كانت تمهد لهذا الموت العربي، وقرب الإعلان عن يوم وفاته، الذي تساءل (نزار) عن موعده.. واستنكره العرب إجمالاً، إلى أن سقطت (بغداد) في يد الاحتلال الأمريكي البريطاني.. تحت رايات الحرية والديمقراطية و(حقوق الإنسان) الأمريكية الزائفة، والخوف البريطاني من تدمير العراق لـ(بريطانيا) في (خمس وأربعين دقيقة)!! كما قال (توني بلير) في مجلس العموم البريطاني - آنذاك - وتحصَّل بموجبه - بالتأكيد - على أحقية الدخول في (موسوعة جينيس) للأرقام القياسية.. باعتباره أكبر كاذب سياسي في التاريخ كله..!!

لقد تم احتلال العراق - على أية حال - بين غضبة القلة وشماتة الكثرة وصمت عرب الجامعة العربية.. حتى عن الاستنكار أو التنديد فضلاً عن مقاطعة مرتكبي جريمته.. الذين كان يُرحب بهم وبـ(جنرالاتهم) في معظم العواصم العربية، ليتوه العراقيون الكبار بتاريخهم، والمتقدمون بثقافتهم، والأغنياء بثرواتهم - بعد الاحتلال أو التحرير.. كما سموه - بين المنافي، وليكتب مجدداً الشاعر العراقي الصديق الأستاذ (يحيى السماوي) المحترق بكاءً على فرات العراق ودجلته ونخيله وإنسانه.. آخر دواوينه: (قليلكِ لا كثيرهن).. والذي لم أعد أدري أين استقرت به (المنافي).. إن كان في أستراليا أو كوريا أو كندا.. والذي يقول في إحدى قصائده التي كانت وكأنها (المشهد الثاني) في ملحمة (وفاة العرب).. عندما قال:

(مسكين وطني

منطفئ الضحكة

مفجوع الإنسان

لو كان له مثلي

قدم وجواز ولسان

لمضى يبحث في المعمورة

عن ملجأ أوطان)..؟!

* * *

بعد سنة من آهات (السماوي)، وثلاثة عشرة عاماً من سؤال (نزار).. كان شاعر الفصحى المصرية القومي النبيل الأستاذ (فاروق جويدة): وريث البارودي وحافظ والشناوي وأباظة.. والباكي على حال أمته يسأل الشعر والشعراء في العراق:

(بغداد.. هل لم يزل للشعر أحباب؟

شعب يموت وما للموت أسبابُ

نشتاق عمراً على عينيك جَمَّعَنَا

الدَّهرُ يشدو.. وهمس الشعر (سيَّابُ)

يا واحة الشعر.. حزني صار يسبقُني

هذا زمن الأسى.. فالكل أغرابُ

يا دار ليلي زمانُ الغدر عَلَّمنا

بالخوف نحيا.. وفي الأحباب نرتابُ)

ليكتب بعدها (مرثية.. ما قبل الغروب) عن (أمته العربية).. وليس عن يوم دفنها، فقد أصبح موتها وكأنه حقيقة لديه.. وهو يقول في رثائها:

(في أي شيء أمام الله قد عَدَلوا؟

تاريخنا القتلُ والإرهابُ.. والدَّجَلُ

من ألف عام أرى الجلاد يتبعنا

في موكب القهر ضاع الحُلمُ.. والأجلُ

نبكي على أمة ماتت عزائمها

وفوق أشلائها.. تَسَاقطُ العِللُ

هل ينفع الدمع بعد اليوم في وطنٍ

من حرقة الدمع ما عادت له مُقَلُ؟!

في جرحنا الملحْ هل يشفي لنا بدنٌ

وكيف بالملح جرحُ المرءِ يندملُ

أرض توارت.. وأمجاد لنا اندثرت

وأنجم عن سماء العمر ترتحلُ)

.. ليعلن بعدها عبر قصيدته - التي حملت (عنوان) ديوانه الجديد (كانت لنا أوطان) قائلاً:

(يا عاشق الصبح وجه الشمس ينشطرُ

وأنجمُ العُمرِ خلف الأفق تنتحرُ

نهفو إلى الحلم يحبو في جوانحنا

حتى إذا شبَّ يكبُو.. ثم يندثرُ

ينساب في العين ضوءاً.. ثم نلمحُهُ

نهراً من النار في الأعماق يستعرُ

عمرٌ من الحزن قد ضاعت ملامحهُ

وشردته المنى واليأسُ.. والضجرُ

ما زلت أمضي وسرب العمر يتبعُني

وكلما اشتد حلمٌ.. عاد ينكسِرُ

في الحلم موتى.. مع الجلاد مقصَلتي

وبين موتي وحلمي.. يَنزفُ العُمُرُ

أن يحكم الجهل أرضاً كيف ينقذها

خيطٌ من النور وسَطَ الليل ينحسرُ؟

لن يطلع الفجر يوماً من حناجرنا

ولن يصون الحمى من بالحمى غَدَروا

لن يكسر القيد من لانت عزائِمُهُ

ولن ينال العلا.. من شلَّه الحذَرُ)..!!

.. إلى أن يقول:

(أكاد ألمح خلف الغيب كارثةً

ويحر دَم على الأشلاء ينهمرُ

يوماً سَيُحكى هنا عن أمةٍ هَلَكتْ

لم يبق من أرضها زرعٌ.. ولا ثمرُ

حقت عليهم من الرحمن لعنتُهُ

فعندما زادهم من فضله.. فجروا

يا فارس الشعر قل للشعر معذرةً

لن يَسْمَع الشعر من بالوحي قد كفروا

وأكتب على القبر: هذي أمةٌ رَحَلَتْ

لم يبق من أهلها ذِكرٌ.. ولا أثرُ)!

* * *

لست أهذي بين الشعر والسياسة.. أو بين الشاعري والسياسي.. في هذا (المقال)، ولكنها دلالات (المقارنات) وموجباتها.. وهذا الحضور (الشعري) الحاد والشفاف أو (الزرقاوي اليمامي) في نظرته، الذي نراه ولا نخطئه.. والذي تقابله غيبوبة (السياسي) وتبعيته وانجرافه نحو مصالحه القطرية والفئوية والمذهبية الضيّقة.. التي أسقطت من يديه أجندته الوطنية، ومن ذاكرته مواقفه القومية.. التي عرفه واحترمه بها العالم تلك الأيام.. كمواقف (الأمة) في عام 56م رداً على العدوان الثلاثي على مصر، وفي عام 64م.. رداً على الموقف الأمريكي من تحويل مجرى نهر الأردن، وفي عام 65م.. رداً على التسليح الألماني لإسرائيل، وفي عام 67م.. رداً على نتائج النكسة، وفي عام 73م.. رداً على الإنقاذ الأمريكي لـ (إسرائيل) من أول هزيمة تتلقاها..

ولكن يبدو أن تلك (الأمة) قد ماتت.. ولم يتنبأ بموتها أو يلحظه غير (الشعراء) والعالم الخارجي من حولنا، أما (السياسيون) ورجال جامعتنا العربية فقد ظلوا في غيبوبتهم وتبعيتهم منذ عام 79م وإلى يومنا هذا.. وإن لم يتخلّوا عن دسائسهم، وهو ما أفقدنا في النهاية اهتمام العالم بنا، وبما يصدر عنا.. حتى أصبحت مبادراتنا العربية لا تُسمع، وبيانات جامعتنا العربية لا تُقرأ.. بل تنتقل ببرود شديد إلى أرشيف وزارات الخارجية..!!

dar.almarsaa@hotmail.com
جدة

العودة إلى (نزار) وسؤاله.. «متى يعلنون وفاة العرب»..؟!
د.عبدالله مناع

د.عبدالله مناع

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة