Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناSunday 28/04/2013 Issue 14822 14822 الأحد 18 جمادى الآخرة 1434 العدد

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

مدارات شعبية

القهوة سيدة المجالس.. فن الصناعة وطقوس التقديم (1-2)

القهوة سيدة المجالس.. فن الصناعة وطقوس التقديم (1-2)

رجوع

كتب - صالح بن عبد الكريم المرزوقي:

لم تكن القهوة معروفة في معظم مناطق الجزيرة العربية إلا في القرن العاشر الهجري تقريباً؛ إذ نُقلت من (اليمن) إلى مكة المكرمة، ومنها انتقلت إلى المدينة المنورة، ومن خلال وجودها بالأماكن المقدسة تم نقلها مع الحجاج؛ فانتشرت على نطاق ضيق في أماكن مختلفة مثل القاهرة ودمشق وإسطنبول.

وقد مرت القهوة منذ أن تم نقلها من اليمن بمراحل متعددة ومتلاحقة من المنع والتحريم والاستنكار؛ إذ تعرضت للمنع فترة من الفترات في مكة. أما في إسطنبول فقد ظلت تباع في الخفاء، وإن لم تدم تلك الفترة طويلاً. وفي مصر تم اتخاذ بعض الإجراءات للحد من انتشارها بحجة ضررها على الصحة.

عموماً، بعد انتقال القهوة إلى مناطق مختلفة من الجزيرة العربية بدا الاهتمام بها تدريجياً، وذلك من خلال مجالس شيوخ وزعماء القبيلة حتى انتشرت بين الجميع، وأصبح الكثير يعتنون بها، سواء بالصناعة أو التقديم، وأصبحت رمزاً للكرم وحسن الضيافة، وأصبحوا يتفننون في صناعتها وفي طريقة تقديمها من خلال سيناريو رَسَمَ ملامحه كوكبة من شعراء ذلك الزمن ممن استهوتهم تلك المعشوقة الوافدة، وقد عبروا عن ذلك العشق والهيام من خلال قصائدهم المتعاقبة التي رسمت فن الصناعة وطقوس التقديم، وذلك من خلال استحضار الأدوات المستخدمة بتسلسل فني مترابط، يرسم ملامح عملية التجهيز مثل النجر والمحماس، وكذلك الدلة التي تباروا في وصفها وإظهار حسن شكلها وجمال مظهرها.

أما طريقة التجهيز فلها مواصفات معينة، تحتاج إلى خبير لكي تظهر بالصورة المطلوبة لصاحب (الكيف)، ولا بد من سرد مراحل تجهيزها مثل قولهم «أحمس - دقة - لقم - زلة»، وهكذا، ليأتي بعد ذلك طريقة تقديمها ولمن تكون، وهذا خاضع لطقوس مبنية على عرف قبلي؛ إذ يكون الفنجال الأول للأمير أو شيخ القبيلة، ثم الفارس الشجاع الذي يذود عن حياض القبيلة ويصون أعراضها وممتلكاتها، ويأتي بعده الكريم الذي ينفق ماله في استقبال الضيوف وإكرامهم، وذلك من خلال قولهم «صبه -واثنه- وعده» وتكرار ذلك لمن يستحقها.

ولما للقهوة من حظوة ومكانة آنذاك كان لا بد من تخليد اسم بلد المنشأ الذي جُلبت منه القهوة. يقول خضير الصعيليك:

ودنيت محماس وبالكف له ميل

بريّة من سوق صنعا مقره

ويقول أيضاً مادحاً أحد كرماء القهوة:

ماراخص من حب صنعا بضاعة

وابن لحيدان على جاهد القاع

أما تركي بن حميد من شيوخ عتيبة وفرسانها فيقول:

بريّة من سوق صنعا ونجران

يعبا لها بالهيل والزعفراني

أمّا عن طريقة وصف القهوة وتجهيزها فأعتقد أن الشاعر محمد العبد الله القاضي له القدح المعلّى في هذا الجانب؛ إذ أبدع في وصفها، وتجلى في ذلك من خلال الصور الجميلة التي رسمها من خلال قصيدته المعروفة التي مطلعها:

يا مل قلب كل ما التم الاشفاق

من عام الاول به دواكيك وخفوق

فقد برع في رسم صور جميلة بتسلسل فني رائع بمجمل القصيدة، ومن ذلك قوله:

فنجال صين زاهي عند الارماق

يغضي بكرسيه كما اغضاي غرنوق

الا انطلق من ثعبته تقل شبراق

اودم جوف لا انمزع منه معلوق

ولا يضاهيه في هذا سوى الشاعر زيد الخشيم حينما قال:

كنه ليامنه غشاها الرعافي

نثر الذهب من فوق لوح المشانيف

فنجالها لاشف بين الاشافي

لكن يجذب من شفا شاربه شيف

وكذلك قول هايس بن مجلاد:

إلى انطلق من ثعبته كنه خضاب

ورس صبغ بكفوف بيض الرعابيب

ولكن القاضي توقف عند فن الصناعة، ولم يتجاوز ذلك إلى طريقة التقديم، بعكس الشعراء الآخرين الذين كان لهم حضور في وصف وتجهيز القهوة، إضافة إلى رسم سيناريو التقديم والأولوية في ذلك أمثال (ذعار بن ربيعان ومدوخ بن ضمنة وهايس بن مجلاد)، وغيرهم من الشعراء الذين تباهوا وتباروا في عملية تصنيف الشخصيات التي يجب أن تقدم لهم بالترتيب.

والقهوة كما هو معروف ليس لها وقت محدد للتقديم، وكثيراً ما تكون جاهزة في كل الأوقات، وخصوصاً لدى البعض من أبناء (البادية) حتى وإن تفاوتت الرغبة في ذلك، ويتضح هذا من خلال بعض قصائدهم، يقول الشاعر الأسمر الجويعان:

ياماحلا فنجال بيض بغاديد

قبل صلاة الصبح والوقت مافات

ويقول الشاعر فجحان الفراوي:

ودلال يشدن الغرانيق قعاد

حزت طلوع الشمس عند ارتفاعه

ويقول أيضاً خلف أبو زويد:

ياحلو فنجال الضحى في محله

قبل الغدا والبيت حدره فياياه

في ربعه اللي مجلسه مانمله

البيت شامخ والركايب تنصاه

وهناك من يرى أن العصر هو الوقت المفضل لتناول القهوة، وفي ذلك يقول حمد بن ناحي المطيري:

يازين شبة نارها العصر ياخليف

لامالت الفية وزان البراد

كسرت فنجال على غاية الكيف

لا عج ريحه مثل ريح الزباد

ويستكمل عضيب بن شلاح الحربي الوقت المحبب لتناول القهوة؛ إذ يقول:

ياماحلا عقب العشا شبة النار

عقب الهجوع إلى رقد كل كوبة

والحقيقة أن القهوة مع تقادم الزمن أصبح حضورها من الأشياء الضرورية، بل إن وجودها تجاوز مرحلة (المذاق) و(الكيف) إلى ما هو أعمق من ذلك؛ إذ أصبحت طاردة للهموم وجاذبة للارتياح، وهنا يتبين مدى تأثيرها النفسي بعد أن فرضت حضورها ووجودها.. يقول الشاعر سليمان ابن شريم:

لادك في قلبي من الهم هوجاس

حطيت فوق النار زين المحاميس

وحمست مايجلي من الهم وعماس

بن من النيبار يجلي الحواسيس

ويقول جروان الطيار:

لولا العماس وضيقة الصدر ماجيت

أيضاً ولا لي حاجة بالتعاليل

ويقول ابن ونيان:

لاضاق صدري جبت نجر ودلة

وسويت مايبرد لهيب بجاشي

في الحلقة القادمة نستكمل الموضوع.

رجوع

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة