Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناMonday 29/04/2013 Issue 14823 14823 الأثنين 19 جمادى الآخرة 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

تزخـر سـاحـة الحرف المكتوب والمسموع بملاحم من الجدل والجدل المضاد حول موقف ما قد يرى صاحبه أن لا عيب فيه ولا عوجاً، فيتصدى له طرف آخر معترضاً، ثم يتوالى الجدل تأييداً أو معارضة على نحو قد يُخرجُ الموضوع عن سياقه، ولو التزم المعترِضُ أو المعترَضُ عليه بأخلاقيات الجدل القويم بلا تسفيهٍ للطرف الآخر ولا تشويه لفكره أو إنسانيته لهان الأمر، وحسُن الجدل، واستفاد من مخرجاته المعنيون به، واكتسبت الثقافة إضافة تثري مواردها!

وموضوع كهذا من القضايا التي تشد الأنظار، وتستقطب الاهتمام، خاصة حين يخرج الحوار بشأنها عن السياق الأدبي والأخلاقي والإنساني، وكنت يوماً ممن أدلى بدلوه في هذا الصوب، فكتبت نصاً قصيراً (انتقد) فيه النهجَ غيرَ السوي الذي نشهده بين الحين والآخر، عبر أعمدة الصحف أو من خلال بعض وسائط التواصل الالكتروني.

ومما جاء في مداخلتي حول هذه الخصومات ما يلي:

تبدأ الخصومة في الغالب (بنقطة نظام) يثيرها كاتب ما، إما اعتراضاً على طرح كاتب آخر، أو تصحيحاً له، أو إضافة إليه، وقد يرد الطرف الأول على ناقده رداً جميلاً، وإذا عتب عليه كان في عتابه أدبُ القول وعفةُ المعنى، وهذا نهج حميد ومحمود.

لكن قد يخرج أحد طرفي الموضوع عن النص الأدبي والأخلاقي، فيردَّ على معارضه رداً غليظ القول، قاسي اللفظ، مشبوه الغرض بحجة تصويب ما رأى فيه عوجاً، وقد يصف منتقده وصفا شخصيا بما يكره، وقد يستدرجه إلى (منازلة) لا أدب فيها ولا فكراً، ثم يتحول مداد الأسطر إلى جداول من (دم) الكبرياء المراق على حوض الجهل بأدب الاختلاف وأدبيات الحوار، وقد يستمر التراشق بالألفاظ بين الطرفين زمناً حتى يكلَّ أحدهما أو كلاهما أو يتدخل ذو سلطة لإيقاف (منازلة) الهزل بينهما!

هنا، ينسى أحد الطرفين أو كلاهما، أنه لا يملك سراج الحكمة ولا يستأثر بسِرْج العقل.. كي ينكرهما على الآخرين!

ينسى أحد الطرفين أو كلاهما.. أن الاختلاف في المسائل الاجتهادية، نعمة لا نقمة، وضرورة لا ترف، وفضيلة لا عبث، به تُنقّح المواقف، وتصحح الآراء.. وتُثرى المعرفة، وبدونه.. تتحول روافد المعرفة إلى قوالب جامدة.. لا لون لها ولا طعم ولا نفع!

ينسى أحد الطرفين أو كلاهما الفرق بين (النقد) و(الانتقاد) الأول يُعنى بالفكرة بعيداً عن حِمَى الكرامة الشخصية لصاحبها، والثاني يخلط بين الفكرة وكرامة صاحبها، فيتحول (الاختلاف) السويّ إلى (خُلْفٍ) مريض يدمي الوجدان، فلا يعود المرء يعرف من الناقد، ومن المنقود، أو يفرق بينهما!

أعود للسؤال من جديد، ما الحل لفكّ الاشتباك بين أدعياء الجدل الفكري غير المؤهلين.. حين يمارسون (إسقاطاتهم) عبر منابر الصحف، أو ما في حكمها؟!

أزعم أن أمراً كهذا جدُّ عسير لأنه امتداد لإعاقة عتيدة في تركيبتنا الثقافية بدءاً بمقاعد الدراسة، مستصحبةً معها عِوَج التربية في البيت.. فكثيرون منا لم يتعلموا أدب الحوار، لا في المدارس ولا في البيوت، بل اعتادوا التلقين والتعامل مع المعرفة.. عبر مسار أحاديّ يستنكر الاختلاف ويسفّه صاحبه! أما تربية المنزل فتخضع في كثير من الأحوال لمعادلة القمع أو الرفض أو التسفيه، ومن ثم كيف لنا أن نحسن التعامل مع الرأي الآخر، إذا كنا في الأصل لا نملك القدرة ولا القدوة ولا التدريب لفعل ذلك!

كيف نطالب أفراد جيلنا (بأنْسنَةِ) الحوار وأخلاقياته، في غياب الممارسة العقلانية له في المدرسة والبيت والمكتب وحتى الشارع!

الحل ليس (وصفة) جاهزة تباع وتشترى.. لكنه ممارسة تربوية وأخلاقية وإنسانية معقدة يشترك في صياغتها وتأصيلها البيت والمدرسة ومنابر الرأي : مسموعاً أو مكتوباً !

وبعد،

فأتمنى أن تختفي من أدبنا وأدبياتنا إلى الأبد نعرة الكبرياء الملوثة بالسخط والهوى الشخصي بسبب اختلاف فكري أفرزه الاجتهاد، يحتمل أن يكون أحد طرفيه محقاً والآخر مخطئاً، وليس في هذا الموقف ضرار ولا ضرر، مادام أن الاهتداء إلى الحقيقة هو ضالة الباحثين عنها، أما أن تُختطفَ بقوة اللسان أو سلطة الحرف هُوية الحوار وكرامة المحاور باسم الجدل فتلك نقيصة إنسانية لا تغتفر!!

الرئة الثالثة
أدب الاختلاف.. نعمة أم نقمة؟!
عبد الرحمن بن محمد السدحان

عبد الرحمن بن محمد السدحان

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة