Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناWednesday 01/05/2013 Issue 14825 14825 الاربعاء 21 جمادى الآخرة 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

عندما لا تلقى القوى الاجتماعية ومنها القوى الشابة تحديدا،وقوى مدنية أخرى، أو ما اصطلح على تسميته سياسيا بـ”القوى الناعمة” التي تجنح للسلم في مطالبها وتنحو إلى العقلانية في طرحها، إلا المعاملة الخشنة أو الإستخفاف القاسي،

فقد تجد نفسها في موقف يفقدها نعومتها وسلميتها. وقد يؤدي ذلك إلى فقد المجتمع لفرصة التحولات المتزنة الهادئة لينزلق في مهب الانقلابات العاصفة أو الجمود المميت. هذا الشجن تثيره تلك الفجوة المتنامية بين المجتمع وبين القوى الشبابية الناعمة التي بادرت واستفتحت وانخرطت بكل عنفوانها وعفويتها واستقلاليتها وآمالها في الربيع العربي، قبل أن ينقض عليه الوالغون في السياسة بشهوتهم المزمنة في السلطة ويبدأون بيمينهم ويسارهم على حد سواء بالعمل على اختطاف مااستطاعوا إليه سبيلا من الزخم الثوري المستقل الذي أشعله الشباب ويجيرونه لصالح أجندات أيدولوجية جاهزة.

ومن هذا المنطلق أردت أن أقوم بمحاولة أقدم فيها على تجريب اجتراح قراءة سيسيولوجيا الشباب قراءة اجتماعية سياسية من وجهة نظر علم الاجتماع السياسي على ماقد يعتري هذه المحاولة من تبسيط. وتأتي هذه القراءة لتتناول الشباب على وجه العموم وإن تركزت محاولتي على مقاربتها بمجتمعنا وبـ”الوطن العربي”، نظرا للحاجة الملحة في رأيي، خاصة في خضم دورهم المستقل الرائد في الربيع العربي، إلى فهم الشباب وإعادة الاعتبار طوعا لأهمية وجودهم في المجتمع إذ إن المجتمع أي مجتمع لايستطيع أن يجدد نفسه بدماء جديدة مالم يعطي الشباب حق تشكيل رؤاهم وتوجهاتهم وجعلهم شريكا عضودا في الحياة العامة. وهنا هذا المحاولة على أن تتبع بمقالات أخرى تواصل البحث في سؤال الشباب والمجتمع.

سيسيولوجيا الشباب ليسوا فئة اجتماعية مثلهم مثل المطلقات في النساء أو الأرامل في الرجال أو المبدعين في العاديين أو المرضى في الأصحاء ولا من يقرأ ويكتب في الأميين ولا ذوي الحاجات الخاصة في القادرين.

وسيسيولوجيا أيضا الشباب ليسوا طبقة اجتماعية مثلهم مثل من يملكون ومن لايملكون، ولا أصحاب رأس المال في الأُجراء والشريطية ولا ملاك العقار في المستأجرين أومن في العراء، ولايعبر عنهم علاقة المنتج بالمستهلك والعكس. وهم ليسوا طبقة كالتجار أو النواخذة أو المزارعين والصناع ولا العكس.

كما أن الشباب سيسيولوجيا ليسو القلة المتنفذة فيمن ليس لهم من الأمر شيء، ولا العلماء في العوام، ولا المدراء في الموظفين الصغار، ولا المثقفين في العامة ولا العكس.

وفيما يعني ذلك أن الشباب ليسوا جيلا متجانسا في الأفكار والإرادات والشهوات والطموح لمرحلة عمرية مشتركة، فإن ذلك بالمقابل لا ينفي أنه تشكيل بشري تجمعه المساواة في القدرات والفتوة وفي الاستعداد للتجريب ورغبة المغامرات، مما يجعل المساواة في فورة بالحياة بعروقه قاسمه المشترك الأعظم. وهذا يضع الشباب في موقع رحب للتنفس ويعطيهم مساحات شاسعة للحركة بما ينطبق فيه عليهم قول “إن ليس لديهم الكثير مما يخسرونه” أو قول ابن العربي “الحرية ألاتملك فلا تُملك”.

وبهذا الاستبعاد السيميائي والمقاربة في محاولة قراءة سيسيولوجيا الشباب يمكن أن نقول، إن الشباب قوة اجتماعية تحمل مكونات الفئة والطبقة والجيل والموقع بمعنى أنها ذلك المزيج الفذ من مجموع مكونات التمايز وأضدادها في المجتمع وهذا يعني أن الشباب هم عينة معبرة عن نوع النسيج الاجتماعي الذي نحن عليه ولكنهم في نفس الوقت عينة تتسم بالحرية النسبية في علاقتها بهذه المكونات. فالشباب بهذا المعنى سواء انتموا إلى طبقة يولد أبناؤها وفي فمهم ملعقة من ذهب أو ملعقة من خشب فإنهم ليسوا طبقة بالمعنى الذي يحاصرهم بحسابات المغنم والمغرم في قوتهم اليومي وبالتالي في قراراتهم الحياتية القريبة على الأقل. فهم أكثر أبناء الطبقات قدرة في الخروج على محدادتهم أو بالأحرى هوياتهم الطبقية. وهذا ينطبق على شتى المكونات الأخرى للنسيج الاجتماعي الذي يشكلون عينة منه/ فئوية، إقليمية، مذهبية، فكرية، قبلية الخ. فالشباب يحمل تلك السمات ولكنه بحكم “مرحلته العمرية” وجدة تلك المرحلة بما لم يخضعها بعد لهيبة الخيبات، عز الاحتواء أو أثمان الاكتواء، فإنه يجترح حرية وشجاعة أن يحمل روحه على كفه. وهذا كفيل بأن يؤهل الشباب لأن يحمل بذرة الوقوف موقفا نقديا من تلك “التكوينات الجاهزة” بل ومن نسقها السياسي والاجتماعي برمته ومايتمخض عنها من أوضاع غير مواتية. وقد يتراوح هذا الموقف النقدي الشبابي من النقد العقلاني السلمي إلى التصادم أو إلى المخالعة، كما قد يحمل جرأة و قدرة على التمرد ببعديه الذاتي والعام، من التمرد السلبي الانسحابي أوالتمرد العصياني إلى التمرد الإيجابي الذي يأخذ أحيانًا شكل المشاركة بالمطالبة أو بالمضاربة في السياسة والاجتماع على طريقة الشريك المضارب في المعاملات التجارية. وكما قد تأخذ مواقف الشباب النقدية مواقف عصابية متشنجة فقد يأخذ العقلاني منها مواقف وإن لم تخلُ من الحدة والجذرية فإنها تنزع إلى الحوار والجدل وتملك نفسًا تفاوضيًّا في معادلة العلاقة بين الشباب كقوى اجتماعية مستقلة ومتعالقة في نفس الوقت مع الواقع الاجتماعي الذي فتحت عينها عليه وبين المجتمع وقواه المستنفذة والمستأثرة.

وكما قد يختلف مفهوم الشباب والمواقف منه بحسب اختلاف الوعاء الحضاري للمجتمع أو باختلاف الوعاء الايدولوجي للمعرفة وباختلاف المرحلة التاريخية وظرفها السياسي والاجتماعي في جغرافيا معطاة، فإن هناك إختلافات وتقلب لايتوقف في أسئلة واهتمامات الشباب وتوجهاتهم من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار بمعناها التعصبي أو التحرري في تجاذب وشد مع تلك المعطيات. وكما هناك ميل مجتمعي عام وخاصة في المجتمعات المحافظة للتعامل مع الشباب بأبوية تتراوح بين التشجيع وبين التشكيك وبين الترغيب والترهيب، فإن استجابات الشباب نحو تلك الأبوية بطيبتها أو بقسوتها لا تولد معهم بقدر ماتربى فيهم ويجري تدريبهم عليها. غير أن فرص النجاح والإخفاق في تحويل مواقف الشباب إلى طاعة عمياء أو انفلاتها إلى حالة انشقاق تتفاوت بقدر قبول الشباب باللعبة الاجتماعية في تقاسم الأدوار أو رفضهم لأن يكونوا طرفا فيها. فالشباب بقدرته ليس فقط على استيعاب المتغيرات بل على المبادرة إليها يجعل من مرحلة الشباب مرحلة إشكالية للمجتمعات التي تجد في نفسها غضاضة أو لاتجد في نظامها متسعًا لإعطاء الشباب كقوى اجتماعية استحقاقتها في الاستقلال وفي المشاركة.

ولله الأمر من قبل ومن بعد.

Fowziyaat@hotmail.com
Twitter: F@abukhalid

قوى ناعمة واقع خشن
د.فوزية عبدالله أبو خالد

د.فوزية عبدالله أبو خالد

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة