Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناSunday 12/05/2013 Issue 14836 14836 الأحد 02 رجب 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

مدارات شعبية

القهوة سيدة المجالس
فن الصناعة وطقوس التقديم (2-2)

فن الصناعة وطقوس التقديم (2-2)

رجوع

كتب - صالح بن عبد الكريم المرزوقي:

مما سبق تبين لنا أن القهوة تجاوزت مرحلة (الترف والكيف) إلى ما هو أشمل من ذلك. ومن المعروف أن أخبار القهوة ومشاهيرها وأشعارها ظلت محفوظة في صدور الرواة يتناقلونها في مجالس السمر وذلك لما للقهوة من حظوه لدى الكثير من أبناء الجزيرة العربية سواء من الحاضرة أو البادية ولكن منذ فترة ليست بالبعيدة بدأت عملية استحضار تلك المشاهد واسترجاع ما قيل في تلك الفترة من قصص وأشعار لأولئك المشاهير وذلك من خلال بعض البرامج الشعبية والتي كان يقدمها نخبة من المهتمين بالأدب الشعبي بالإضافة إلى ما تم تدوينه من خلال بعض المطبوعات التي جمعت ذلك التراث حتى جاء أخيرا دور بعض المؤسسات الفنية التي اجتذبت البعض من الرواة ممن لديهم القدرة على تقديم تلك المادة إلى المتلقي بصورة سريعة وسلسة من أمثال الراوي المعروف (رضا بن طارف الشمري) الذي تناول تلك المواضيع بأسلوبه البسيط والمقبول الذي يميل إلى الرواية التقليدية البعيدة عن التكلف فهو يروي على سجيّته بالطريقة الكلاسيكية المتبعة التي تعتمد على السرد. أعقبه بعض الرواة ممن حرصوا على إكمال تلك المسيرة كل على طريقته ولعل آخر تلك الإصدارات إصدار (النقوة من أشعار القهوة) والذي لم يحمل جديدا خلاف ما أورده من سبق من الرواة لأن الكل يدور في فلك واحد فالقصص والقصائد والشخصيات مكررة بحيث تبدأ بالقاضي وقصيدته المشهورة بالقهوة مرورا بدغيم الظلماوي وقصيدته (يا كليب) وقصته مع الأمير محمد بن رشيد ومن ثم التعريج على قصائد من تناولوا القهوة من تلك السلسلة المتتابعة ممن اهتموا بالقهوة وجعلوا لها رونقا خاصا ما زال صداه يتردد حتى الآن وهذا طبعا لا يقلل من الجهد المبذول في هذا الإصدار لأن الفضاء واسع ويتسع للجميع ولكن هناك بعض الملاحظات التي لابد من التوقف عندها. ولكن قبل ذلك يجب أن ندرك أن النقد لا يعني التقليل أو الانتقاص من العمل بقدر ما هو تعبير عن وجهة نظر الهدف منه إلقاء الضوء وتحريك المياه الراكدة في أدبنا الشعبي الذي يحتاج لمثل هذا الحراك لكسر الجمود وسبر غور هذا الموروث من خلال إخضاعه للتحقيق والتدقيق. فالرواية الشفهية التي لم تخضع للتدوين لابد أنها قد تعرضت للتحريف والإضافة والخلط والاختلاق أيضا. فليس كل ما وصلنا من روايات وقصص يكون دقيقا فقد تكون بعض تلك القصص قد تعرضت للتحريف وبعضها قد يكون من نسج الخيال فهناك من لديه القدرة والموهبة على نسج وفبركة بعض الحكاات بطريقة احترافية توحي بحقيقتها ولا يمكن للمستمع سوى تصديقها لجودة الحبك والإبداع في الإخراج وهذا واقع لا يمكن تجاوزه وهذا أمر طبيعي في ظل توارث تلك الحكايات من جيل إلى آخر وعدم تدوينها كما أن هناك روايات قد تكون بعيدة عن الواقع ومع هذا نجد لها رواجا لدى البعض ومثال ذلك مقولة (لو أنت مسويّه قبل تسويّه) بكسر الواو المشددة والتي وردت بالإصدار المذكور حيث نسبت إلى احد مشاهير صانعي القهوة ومتذوقيها وهي مقولة لا يصدقها العقل ولا يقبلها المنطق وهي من المبالغات التي لا علاقة لها بتذوق القهوة بقدر ما تكون اقرب الى المعجزات الغيبية. نعود إلى الإصدار المذكور لنقف عند بعض الهفوات التي لا يمكن تجاوزها مثل (الكسر) في بعض الأبيات الشعرية وهذا يعتبر غير مقبول في عرف الشعراء يقول الشاعر (علي الماجد) رحمه الله في مقدمة ديوانه:

يا مطالع الديوان من غير تكليف

احرص ترى النطق الموفق سعادة

والله لو يركى على حلقي السيف

انه فلا يظهر ولاهيب عادة

فهو يستجدي القارئ بأن يحرص على النطق الصحيح خوفا من الكسر ويبدو أن (أبو ماجد) قد استشرف المستقبل فاستبق ذلك بتلك المقدمة ولكن بما أن الإصدار كان عن (القهوة) فيبدو أن كسر الفنجال على طريقة السديري (اكسر لنا يابجاد مايقعد الراس) أو على رأي حمد بن ناحي (كسرت فنجال على غاية الكيف) كان له تأثير بكسر بعض الأبيات التي وردت بالإصدار.

الملاحظة الثانية تتعلق بتحريف بعض الكلمات مما يغير من معناها المقصود يقول من ضمن قصيدة دغيم الظلماوي الاعتذارية التي مدح فيها الأمير محمد بن رشيد:

يالمسك (يالنقريز) يالعطر يالطيب

يا عنبر من جربه مايمله

حيث أبدل كلمة (الناريز) كما قال الشاعر بكلمة مغايرة لها وهي (النقريز) وفي ذلك إخلال بالمعنى المقصود فهناك فرق بين معنى الكلمتين ولتوضيح ذلك نورد بيتين لشاعرين مختلفين ليتبين فارق المعنى يقول الشاعر غريّب الشلاقي مادحا دهام الجربا:

يالجوهر (الناريز) من غاية الماس

مهدّي الصعوب اللي ترثّع بالاوبار

أما عبدالله بن دويرج فيقول في مدح بندقيته:

درت مسلوبة من فوق متني كنها شوكة السيالي

ملحها قاحل (النقريز) ماتخطي الضريبة وهي مامونة

وأظن في هذا ما يكفي لاستشعار الفارق بين معنى الكلمتين بالإضافة إلى ذلك ورد في الإصدار المذكور بيتين من الشعر هما:

والله يالولا مزتي للسبيلي

وفنجال بن حايفه مثل جردان

اني لجي بين الخلايق هبيلي

واصير يافرق الوغى تقل سكران

حيث ذكر ان هناك من ينسبها للشاعر (محمد العبد الله القاضي) وهو وان لم يجزم بذلك إلا أن سياق القصة يوحي بأن المعنيّ هو القاضي وملخص القصة كما يقول صاحب الإصدار أن الشخص الذي ورد اسمه في آخر الشطر الثاني قد ذهب إلى (عنيزة) باحثا عن القاضي حيث وصل بعد العشاء فسأل بعض من قابلهم عنه فقيل له: أنه ربما يكون نائما في مثل هذا الوقت فانتظره حتى صلاة الفجر حيث التقاه إلى آخر القصة. والحقيقة أن هذه ليست القصة الوحيدة التي تلصق بالقاضي فهي امتداد لقصص أخرى مثل قصة الرهان المزعوم في قصيدة القهوة والتي سبق أن كتبت عنها في هذه الصفحة قبل سنوات وكذلك قصته مع الشاعر (عبد الله بن جابر) التي تم حبكها بعناية وملخصها أنه قيل للقاضي أن هناك شاعرا نابغا يدعى ابن جابر وأن القاضي أراد اختباره وحينما رآه رمى عليه هذا البيت حيث قال:

هنوف ما تنوصف بوصوف

وان وقضت الراس وش كنه

وإن ابن جابر أجابه على الفور:

كنه مهاةٍ تقود خشوف

ولا فحورية الجنة

وإن القاضي حكم بشاعريته الفذة علما بأن كلا البيتين للشاعر ابن جابر من قصيدته التي مطلعها:

نح يالقميري على مرصوف

غينٍ عن الشمس مكتنة

لذلك أعتقد أن البيتين المنسوبة للقاضي في القصة السابقة لا علاقة له بهما فلم يذكر عن القاضي أنه استعمل (السبيل) ولم يرد شيئا من هذا في شعره كما أن اسم (جردان) المذكور في البيتين ليس معروفا لدى القريبين من القاضي أو من المهتمين بشخصيته وشعره بالإضافة إلى أن القاضي اشتهر بالسهر فهو لا ينام من الليل إلا قليلا بعكس ما ورد في سياق القصة فهو الذي يقول:

لواتمنى قلت ابي راس حمّوم

بالليل ولا بالنهار ابي راسي

وحمّوم لقب لشخص من عائلة (الخريجي) اشتهر بكثرة نومه وللقاضي معه قصة معروفة بهذا الخصوص.

رجوع

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة