Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناSunday 19/05/2013 Issue 14843 14843 الأحد 09 رجب 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

مضى على ربيع الحرية.. المصري، الذي انطلق بـ(أفكار) شباب الخامس والعشرين من يناير من عام 2011م، وأحلامهم، وطموحاتهم، ورفضهم لـ (القمع) وسجون العادلي، و(النهب) والتوريث لرئاسة مبارك.. ثمانية وعشرون شهراً، ولما تستقر (مصر):

المعلمة والرائدة والقدوة لعالمها العربي ولدول عدم الانحياز قاطبة.. في بقية إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، والتي يزخر مجتمعها بكل الكفاءات السياسية والدستورية، والقضائية والقانونية، والعلمية والإدارية، والفكرية والثقافية، والفنية والنقابية.. وإلى الحد الذي كان يقول معه الرئيس السادات في غضباته المتلاحقة - وما أكثرها - على وزرائه من (الناصريين) والقوميين واليساريين.. بأنه إذا فتح نافذة مكتبه في (قصر القبة).. ومد يده إلى الشارع فإنه سيجد في متناوله عشرات الوزراء الأصلح من هؤلاء (الأفندية) - استهزاءً بهم - الذين يتربعون في مناصبهم.. فـ(الأمن) وبعد كل هذه الشهور على طولها لم يتحقق، و(الاقتصاد) المنهوب من قِبَل (نظيف) ووزرائه من مرشحي (لجنة السياسات) المباركة في الحزب الوطني المنحل.. ومن سبقهم، لم يتنفس.. بل ولم ير المواطنون جدية في ملاحقة لصوصه وناهبيه، بقدر ما سمع ويسمع عن تسويات مالية - خارج قاعات المحاكم - لإلغاء أحكام قضائية نافذة، ليطير اللصوص بنصف أو ثلاثة أرباع ما نهبوه، أما (السياحة) في زمن الرئيس مرسي.. والتي تمثل عصب حياة المصريين اليومي ومقتلهم، فلم تدر عجلتها بعد، وقد لا تدور.. ما لم يتغير الحال، لتسوء نتيجة لذلك.. حال المواطن المصري البسيط يوماً بعد يوم، وكما هو الواقع الفعلي: المشاهد والمسموع.. والذي أيدته وتؤيده جماعة الشبان المسلمين (وليس المسيحيين) على لسان رئيس حزبها السياسي (السلام): الدكتور أحمد الفضالي.. وإلى الحد الذي اعتبر معه بأن خوض الانتخابات البرلمانية القادمة المتكتم على موعدها - والذي لن يكون قياساً على نوايا (الإخوان) الحسنة إلا في آخر شهر يوليه أو منتصف شهر أغسطس - والمتربص بنتائجها من قِبَل مرسي (الاتحادية) وبديع (المقطم).. خيانة لمصر والمصريين في ظل حكم (الإخوان)!! لتأخذ جماهير الشعب والثورة - من غير الإخوان - في التجمع ثانية، لتملأ الشوارع والميادين والساحات وهي تطالب بـ(تغيير) التغيير الذي أشعلت فتيله (الثورة) وخطفته (الجماعة)، وقد تأكد لها بأن التحام (الجماعة) مع شباب الثورة بعد خمسة أيام من نزولهم إلى ميدان التحرير في (القاهرة)، والأربعين في (السويس)، والسلطان إبراهيم في (الإسكندرية).. وانخراطهم في إقامة (صلاة الجمعة) في ميدان التحرير، فمشاركتهم في إقامة (قداس الأحد).. مع (إخوتنا) الأقباط - كما كانوا يقولون!! - وكأنهم جزء من الثوروالثوار.. لم يكن بأكثر من لعبة (سياسية) دينية وطنية أو وطنية دينية اعتادتها وأتقنتها (الجماعة)، يؤكدون بها سماحة إسلامهم وخالص وطنيتهم التي لا تفرق بين (مسلم) و(قبطي): فالدين لله والوطن للجميع (؟!) ما دام ذلك، يساعد على الوصول.. إلى (الرئاسة) وكرسيها في (العروبة) أو (الاتحادية). ليس أكثر.. وليس غير ذلك!!

***

لا أريد أن أسترجع وقائع ما جرى خلال تلك الثمانية والعشرين شهراً.. فكل ما جرى فيها محفور في ذاكرة المصريين وقلوبهم، بل وفي ذاكرة وقلوب العرب جميعاً.. ممن يقاسمونهم حب مصر والخوف عليها والأمل فيها، كما أنني لا أريد أن أتوقف عند براءة الثوار ونقائهم، أو دهاء (الإخوان) والعبانيتهم - في المقابل - بـ(خلط) الأوراق بين الديني والسياسي، وبين الديني والاجتماعي، ولكنني لابد أن أتوقف عند (غفلة) المجلس العسكري الأعلى.. إن أحسنا الظن، أو (تواطؤه).. إن أسأنا الظن، فتلك (الغفلة) أو (التواطؤ) أو ربما (الانتقام) من الثورة والثوار تأكيداً لتحذير رئيسهم المتنحي: (إما أنا.. أو الطوفان)..!! هي التي أوصلت مصر: العظيمة والكبيرة، مصر الحضارة والتاريخ.. مصر الدساتير والقضاء.. مصر الثقافة والريادة.. مصر الأزهر بـ (وسطيته) وسماحته في تدريس المذاهب الإسلامية المتعددة (من المالكي إلى الحنبلي.. إلى الشافعي والحنفي إلى الإثنى عشرية الشيعي).. ومصر الفن والإبداع موسيقياً ومسرحياً وسينمائياً.. إلى هذه المشاهد (المقلوبة) التي تملأ شارعها السياسي طولاً وعرضاً ولا تعبر بحال عن حاضرها أو ماضيها، فبدلاً من أن يكون أول قرارات (المجلس العسكري): تشكيل لجنة لـ (تعديل) بعض مواد الدستور وتحديد موعد للاستفتاء عليها من الشعب، كان عليه أن يستشير فقهاء الدساتير المصريين - وما أكثرهم وأعظمهم - ليقولوا له إن أول قرار عليه أن يتخذه هو إيقاف العمل بدستور 71، وتشكيل لجنة أو انتخاب جمعية تأسيسية لكتابة: دستور (الجمهورية الثانية)، ولكنه لم يفعل ذلك، بل أخذ المصريين إلى استفتاء - 19 مارس - حول تلك التعديلات.. التي امتدت لاثنين وستين مادة، وكأنها تقدم دستوراً جديداً.. لم يلتزم به المجلس العسكري الأعلى نفسه، ليُدخل (مصر) بعد ذلك.. في دوامة من (الإعلانات الدستورية) المتلاحقة تعديلاً على التعديل، وتعديلاً فوق التعديل.. وأخيراً إلى الإعلان الدستور المكمل في السابع عشر من شهر يونيه من عام 2012م، لتجرى الانتخابات الرئاسية في أواخر شهر يوليه وأوائل أغسطس - أسوأ الشهور حرارة وقيظاً.. وليس في غيرهما - من شهور عام 2012م.. وفق تعديلات (إعلان 30 مارس 2012م الدستوري) الذي سمح (لكل حزب من الأحزاب السياسية التي حصل أعضاؤها على مقعد على الأقل بطريق الانتخاب في أي من مجلسي الشعب والشورى في آخر انتخابات.. أن يرشح أحد أعضائه لرئاسة الجمهوري).. هكذا!! وكأن الترشح لرئاسة (مصر) بقضها وقضيضها وقدرها وجلالها.. لا يختلف عن ترشيح عمدة من عمدها أو مأمور من مأموريها لـ(كفر) من كفورها أو نجع من نجوعها أو قرية من قراها النائية، ليصل إلى رئاسة مصر أول الحالمين بها، لا من تحلم مصر برئاسته: الدكتور محمد مرسي.. ليكون وصوله أحد ثاني أعجب مشاهد (الصور المقلوبة) في الشارع السياسي المصري، والتي أخذت تترى بعد ذلك.. الواحدة بعد الأخرى، ليكون أولها بعد اثني عشر يوماً: إلغاء إعلان الثلاثين من مارس الدستوري.. الذي أوصله إلى قصر الاتحادية، وكان ثانيها (تشكيل جمعية تأسيسية) جديدة لإعداد مشروع الدستور الجديد من أعضاء حزبي (الحرية والعدالة) الإخواني، و(النور) السلفي.. ومَن أمكن إغواءهم أو إغراءهم من غيرهما.. لكتابة دستور، هو (دستور الإخوان) الأول في حكم مصر حقيقة.. وليس لكتابة دستور جمهورية مصر (الثانية)، التي صنعها ثوار ميادين القاهرة والإسكندرية والسويس وبورسعيد ودمياط والمحلة وأسوان.. وخطفها منهم (الإخوان)..!!

***

لقد تتابعت بعد ذلك.. وعلى نحو مضحك مبك.. مسلٍ كئيب (مشاهد) تلك (الصور المقلوبة) في الشارع السياسي المصري: من (رئاسة).. تهمش قضاءها وقضاتها، وتحاصر محكمتها الدستورية العليا..؟! إلى (رئاسة).. ذات طابع ديني.. تحارب (أزهرها) الشريف، وتستخف برئاسته الوسطية المستنيرة الراشدة التي تجمع ولا تفرق (بين أحد من رسله)..!! إلى مباريات في كرة القدم.. دون مشاهدين!! إلى وزارة (إخوانية) تفهم في العبادات بأكثر مما تفهم في (المعاملات).. كان من أبرز إنجازاتها.. توجيه النصح لنساء (سوهاج) بكيفية رضاع أطفالهن، مع الحرص على غطاء صدورهن عند رضاعتهم فلا يراها غير المحارم، وكأنهن يفعلن ذلك.. على قارعة الطريق، ومع ذلك يصر الرئيس على استمرارها وبقائها... لا إيماناً بقدراتها على مواجهة مشاكل مصر اليومية التي تفاقمت على يديها، ولكن ضماناً لـ(مخرجات) نتائج الانتخابات القادمة التي ستتولاها..!! إلى (مجلس للشورى) ينفرد عن مجالس الشورى في العالم ليتولى مهام (البرلمان) أو مجلس الشعب في التشريع وسن القوانين ومراقبة الأداء الحكومي..!!

***

لقد بز (الإخوان) بهذه الصور السياسية الفريدة (المقلوبة) والمتعددة.. إبداعات الكاتب الساخر المصري الجميل الأستاذ أحمد رجب صاحب (نص كلمة) اليومي في صحيفة (الأخبار)، وأجمل مسلسل إذاعي عرفته الستينات (شنبو في المصيدة)، والذي أسعد ملايين المصريين فيما بعد طوال سنوات وزارة الدكتور عاطف صدقي في (أخبار اليوم).. بحكاياته عن عمدة (كفر الهنادوة)، ومشاغباته مع (معالي الباشا) والتي كان يختمها بمحبة - مكبوتة بالغيظ - وهو يقول (ويجعله عامر.. يا باشا)!؟ والذي كتب فيما بعد أجمل (صور مقلوبة) في حياة مصر والمصريين في السبعينات.. عن (الفهلوة) و(النصابين) و(الانتهازيين) من أدعياء الاستقامة والصلاح والنزاهة من أصحاب العمارات، الذين إذا تحدث إليهم (المستأجر) الجديد عن مبلغ (الخلو) المطلوب منه؟ بسملوا وحوقلوا واستغفروا الله عن أن تمتد أيديهم إلى (مال حرام).. كهذا، وهم يتسلمون أول إيجار كـ(عربون)، فإذا ذهب المستأجر في اليوم التالي.. إلى العمارة وجدها ما تزال هيكلاً أسمنتياً يحتاج إلى عام أو أكثر، حتى يتحول إلى عمارة سكنية! وهو يتناول بذات اللغة والسخرية أدعياء الثقافة والفنون والتشكيل والسينما الذين كانوا يعتقدون - جهلاً - بأن الروائي البريطاني الأشهر (ديكنز) صاحب (قصة مدينتين) و(أوليفر تويست) هو مبتكر رقصة الـ(تويست)!! وأن المنتج السينمائي (جا - موسى - بيه) أقنع المخرج (خا - ميس - فجلة) بإخراج رواية (الحرب والسلام) لتولستوي، فقبل.. إلا أنه طلب عربوناً لإيصاله لـ(تولستوي)، بينما طلب المنتج (جا - موسى - بيه) أن يلتقي بالكاتب الكبير الذي يسمع عنه، فجاءه في اليوم التالي ليقدم له الكاتب الكبير (عبده تولستوي)، فتم الاتفاق.. إلا أن المنتج أجرى بعض التعديلات على الرواية.. التي كان من بينها تعديل اسم الرواية ليصبح (السلام والكلام)، لأن المنتج (جا - موسى - بيه) يرى لأن (السلام) يسبق (الكلام).. فلا معنى (للحرب والسلام)، لأن الذي يحارب شخصاً (لا يمكن أن يقول له سلامو عليكو)!!

أو (صورة) عنبر المستشفى الحكومي.. الذي يشبه سوق الغورية، والذي يرى المريض فيه كل شيء: (كشري.. بليلة.. كبدة.. لحمة رأس).. أو حتى (قرقوز).. كل شيء إلا العلاج!! أو صورة (الفصيح) المتحذلق لغوياً.. والذي يريد أن يعرِّب حتى أسماء السيارات (فولكس واجن) و(مرسيدس)، فانتهى إلى أن أفضل اسم للأولى هو (خندافة)، وأن أفضل اسم للثانية.. هو (مكاكية).. أي التي (تكاكي)، لكن فصيحاً آخر هو الأستاذ (سالم السلاموني).. اعترض على التسمية واقترح أن (يتكاكى) معاً أي يركبان معاً الـ(مكاكية).. ليعرفا ما إذا كانت المركبة (تُخندف) أم (تكاكي)، وقد أركبا معهما (حكماً) أفتى بعد أن انتهى المشوار.. بأن المركبة لا (تخندف) ولا (تكاكي) وأن الاسم الصحيح لها هو (اهنوشة)..!!

لقد أمتع الأستاذ رجب بصوره المقلوبة.. آنذاك ملايين المصريين والعرب، ولكن صور اليوم المقلوبة في الشارع السياسي المصري.. لن تجد شيئاً غير السخط من جانب والدعاء من الجانب الآخر بأن يعين مصر على رعاع القوم فيها!!

dar.almarsaa@hotmail.com
جدة

(مصر).. الصورة المقلوبة..؟!
د.عبدالله مناع

د.عبدالله مناع

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة