Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناSunday 19/05/2013 Issue 14843 14843 الأحد 09 رجب 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

محليــات

يا لها من كلمة! لا توجد الكثير من الكلمات التي تُحدِث في النفس من الإيجابية والسكينة كما تفعل هذه الكلمة. السعادة منتهى آمال البشرية كلها، منذ آدم عليه السلام إلى آخر إنسان تقوم عليه القيامة في نهاية الزمن، كل إنسان عاش فإنه قد جعل السعادة هدفه الأول والأخير، وحتى البعض الذين يؤذون أنفسهم ويقتلون أنفسهم عمداً فقد لا يبدو أنهم تسري عليهم هذه القاعدة، لكن هذا غير صحيح، فحتى الذي يؤذي أو يقتل نفسه يفعل ذلك باحثاً عن السعادة، وإن كان هذا بشكلٍ شاذ!

لكن كما أن البشر يتفاوتون في طباعهم ونفسياتهم وشخصياتهم فكذلك تتفاوت تعريفات السعادة عند الناس، وأقصد السعادة الشعورية، وقد رأينا هذا سابقاً في مقالة سابقة باسم «ما هي السعادة؟»، وكيف أن تعريف كلمة السعادة هو أمر شخصي (متفاوت) وليس موضوعياً (ثابت)، فالذي يُسعِد فلاناً قد لا يصنع لعلان شيئاً من سعادة، وكل إنسان له ميوله ومزاجه والكثير من العوامل التي تجعل تعريف الكلمة مستحيلاً من ناحية موضوعية موحدة، وهذا ليس غريباً بل قد يستقرؤه كل من تأمل البشر وعقولهم وأهدافهم وطموحاتهم، فهناك من لا يسعَد إلا بالمتع الحسية، وهناك من يحتاج أن ينهك نفسه في العمل ليرضى، وهكذا، فهذه أشياء نراها ولن نتفاجأ إذا عرفنا تفاوت مفهوم السعادة من إنسان لآخر.

لكن من غرائب هذه السعادة الشعورية أنها تختلف ليس فقط من شخص لآخر، بل من شخص إلى... نفس الشخص! إذا سألْنا غلاماً عن رأيه في - مثلاً - فطيرة تفاح فربما يجيب قائلاً إنها أكلته المفضلة، وأنه إذا تناولها فإنه يشعر بالسعادة. لو أننا وضعنا للسعادة مقياساً يبدأ من 1 إلى 10 (قمة السعادة) فربما هذا الصبي البريء الآتي من الريف يقول لنا إن أكل فطيرة التفاح تجربة مُسعِدة درجتها 10 من 10 على مقياس السعادة. ماذا سنقول لو سمعنا هذه الإجابة؟ سنستنكرها ونضحك على سذاجته، وسنقول إن سبب هذا التقييم هو أن الفتى لا يعرف السعادة فعلاً.

أحدنا قد يقيّم تجربة أكل فطيرة التفاح بالدرجة 5، ويرى أن هناك تجارب ألذ وأسعد من هذه بكثير. لكن الحقيقة أن التجارب تظل تتغير على مر الزمن حتى للشخص الواحد. لو أن نفس الصبي لاحقاً ذاق – مثلاً – فطيرة تفاح مع مشروب الكاكاو الساخن لصارت هذه التجربة على درجة 10، ولأضحت تجربة أكل فطيرة التفاح وحدها تجربة أقل وتنزل إلى الدرجة 9. ولكن هذا الشاب لم يخطئ عندما قيَّم التجربة في الماضي على درجة 10، أما الآن فلو سألناه: «هل بالغتَ عندما قيّمتَ فطيرة التفاح وحدها أنها 10؟» ، فقد يقول «نعم»، لكنه سيكون خاطئاً! حتى الانسان نفسه يخطئ لو حاول تقييم مشاعره السابقة، لأن تجاربه الجديدة تصير هي المعيار فلا ينظر لتجاربه القديمة إلا من هذا المنظور الجديد.

إن تعريف كلمة السعادة من الناحية الشعورية مستحيل لأنه يختلف حتى لنفس الإنسان على مر الزمن وتنوّع التجارب. نعم، إنها من غرائب العقل البشري والطبيعة الإنسانية.

Twitter: @i_alammar

الحديقة
مقاييس السعادة... خدّاعة !
إبراهيم عبد الله العمار

إبراهيم عبد الله العمار

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة