Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناWednesday 22/05/2013 Issue 14846 14846 الاربعاء 12 رجب 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الثقافية

بحضور الأمير تركي الفيصل وعدد من المثقفين والمفكرين
منتدى با محسون يختتم موسمه السنوي بتكريم الدكتور عبدالله العثيمين

منتدى با محسون يختتم موسمه السنوي بتكريم الدكتور عبدالله العثيمين

Previous

Next

رجوع

تغطية - فيصل العواضي:

اختتم منتدى الدكتور عمر بامحسون الثقافي موسمه السنوي بحفل أُقيم في قاعة مكارم بفندق ماريوت الرياض، حضره صاحب السمو الملكي الأمير تركي الفيصل بن عبد العزيز، وتم فيه تكريم الدكتور عبد الله الصالح العثيمين باختياره رجل العام لتعدد أوجه عطائه الفكري والثقافي، وإثرائه المكتبة العربية بعدد من المؤلفات والترجمات والدواوين الشعرية، ولدوره العلمي والعملي في مختلف المجالات.

وفي بداية الاحتفال، الذي افتُتح بآي من الذكر الحكيم، ألقى الدكتور عمر عبد الله بامحسون صاحب المنتدى كلمةً، رحَّب في مستهلها براعي الحفل صاحب السمو الملكي الأمير تركي الفيصل والحضور شاكراً لهم كريم المشاركة، ثم استعرض حيثيات اختيار المنتدى للدكتور عبدالله الصالح العثيمين ليكون رجل العام بالنسبة لهذا المنتدى، الذي أصبح تقليداً لديه اختيار شخصية وطنية، يتم تكريمها كل عام. ويخضع الاختيار لمعايير أن تكون الشخصية المكرَّمة ممن أعطوا للوطن وللأمة عطاءات متميزة في أي مجال من مجالات الحياة.

وأشار إلى أن المحتفى به يُعتبر من الرجال الاستثنائيين؛ فهو مؤرخ وباحث، أثرى المكتبة بعدد من مؤلفاته التي أجابت عن أسئلة مطروحة أو مثارة حول وقائع وأشخاص ودول. وقال إن أوراق العمل التي أُعدت عن المحتفى به من قِبل عدد من معاصريه ستقف عند محطات مهمة من حياته وإبداعه، وقد لا تكفيه بما أعطى أمسيات وأمسيات.

ثم تطرق الدكتور بامحسون إلى رسالة المنتدى التي شملت خلال العام المنصرم والأعوام الماضية كثيراً من الجوانب، سواء في مجال الأدب والاقتصاد، أو البيئة والمجال الديني. وأشار إلى الشخصيات التي شاركت في إحياء فعاليات المنتدى وإثراء برامجه، الذين تم تكريمهم في فترات سابقة، وهم من جميع أنحاء الوطن العربي ومن المفكرين الإسلاميين والعالميين.

وتوجه بالشكر إلى خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - وولي عهده الأمين وسمو النائب الثاني على دعمهم للعلم والمعرفة وإشاعة الأجواء المشجعة على ذلك في ربوع المملكة الحبيبة، كما شكر الحضور ورواد المنتدى على استجابتهم للدعوة.

ثم ألقى الشيخ عبد الله سالم باحمدان باحمدان راعي المنتدى كلمة، جاء فيها: إنه لمن دواعي سروري أن نقف معاً لنكرم علماً من أعلام الفكر والثقافة في المملكة، أثرى المكتبة بمؤلفاته التي كتب في كثير منها عن تاريخ المملكة، وترجماته لعدد من أهم كتب المستشرقين، ومقالاته المتنوعة والشاملة.. ومن يطلع على سيرته الذاتية يجد الطموح والمثابرة وقوة العزيمة؛ فقد كان يجمع بين الدراسة والعمل مع والده في التجارة أو بعض الوظائف، حتى بعد حصوله على الدكتوراه من جامعة أدنبرة كان مساره بعد ذلك مليئاً بالعطاء؛ فهو عضو هيئة التدريس بالجامعة في قسم التاريخ، وباحث لا يستغنى عنه في كثير من المجالات، إلى جانب عمله أميناً عاماً لجائزة الملك فيصل العالمية، التي غدت بجهوده جائزة عالمية يُشار إليها بالبنان، ونتشرف في منتدى بامحسون أن نكرم أستاذنا وشيخنا عبد الله العثيمين اعترافاً بالفضل لأهله.

واختتم كلمته بشكر صاحب السمو الملكي الأمير تركي الفيصل على رعايته هذا الحفل مستعرضاً بعض ما تعنيه جائزة الملك فيصل العالمية، ودورها في خدمة الإنسانية.

وكان من فرسان الأمسية المتحدثين عن المحتفى به الدكتور عبد العزيز الهلابي، وكانت مداخلته عن العثيمين مؤرخاً، قال فيها: لقد شرفني الصديق العزيز الدكتور عمر عبدالله بامحسون أن ألقي بعض الضوء على جانب من إنجازات عالِم عَلم من أعلام المملكة العربية السعودية، هو الزميل الأستاذ الدكتور عبدالله بن صالح العثيمين، الذي يحتفي منتدى بامحسون هذه الليلة بتكريمه بصفته شخصية العام.

الدكتور عبدالله العثيمين شخص متعدد الجوانب العلمية والثقافية، وله إسهامات جليلة في ميادين متنوعة، وأنا سأقتصر في حديثي على بعض إسهاماته في ميدان التاريخ.

لكني سأبدأ بالجانب الشخصي بيننا؛ إذ تشرفت بمزاملة الدكتور عبدالله أثناء ابتعاثنا لبريطانيا؛ فكنا ندرس بجامعتين في مدينيتين باسكتلندا، هما إدنبرا وسانت أندروز، ويفصل بينهما قرابة مائة كيلو. وبما أن إدنبرا (عاصمة اسكتلندا) مدينة كبيرة وجميلة، ونحن في مدينة سانت أندروز الصغيرة، فكنا كثيراً ما نحل ضيوفاً عليه وعلى زملائه في إجازات الأسبوع، ونسعد بصحبتهم الجميلة.

عبدالله العثيمين تولى منذ تعيينه بالجامعة بعد إنجازه الدكتوراه بجامعة إدنبرة تدريس تاريخ المملكة بقسم التاريخ مع زميلنا طيب الذكر الأستاذ الدكتور محمد بن سعيد الشعفي أمده الله بالصحة، ثم تولى رئاسة قسم التاريخ. ونظراً لتميزه فقد تم اختياره عضواً بالمجلس العلمي بالجامعة عدداً من السنوات.

شارك في وضع المناهج والخطط الدراسية في القسم والكلية، كما أشرف على العديد من رسائل الماجستير والدكتوراه. وباختصار، هو أستاذ جيل.

رغم أن الدكتور عبدالله العثيمين كان - بحكم خبرته وعلمه وسداد رأيه - مرجعاً لكثير من المؤسسات العلمية والجهات المعنية بإدارة المجتمع، يستشيرونه في أمور كثيرة، أو يطلبون منه تقديم دراسات عنها، إلا أن كل ذلك لم يحل دون كونه باحثاً نشيطاً دؤوباً، أثمر إنتاجاً علمياً، يتصف بالغزارة والعمق. والحجر الأساس في بنائه البحثي يتمثل في رسالته للدكتوراه، وعنوانها «الشيخ محمد بن عبدالوهاب - حياته وفكره». إن اختيار مثل هذا الموضوع يدل على شجاعة إن لم نقل على تهور. لماذا؟ لأن الشيخ محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله - كتب عنه أنصاره عشرات الكتب، وكتب عنه خصومه ربما أكثر مما كتب عنه أنصاره على المستويين المحلي والإقليمي والعالم الإسلامي، كما كتب عنه الكثير من المستشرقين بلغاتهم المختلفة، ونجح في كتابة رسالة متميزة وفق منهج علمي نقدي صارم.

عبدالله العثيمين ليس باحثاً فحسب بل هو صاحب رسالة، لا يكتب أبحاثاً للنخبة الأكاديمية بل رسالته أن يتواصل مع طلاب العلم والناس على مختلف مستوياتهم، وأن يقرب ما يكتب إلى القارئ حسب مستواه؛ فقد كتب لطلاب المرحلة الابتدائية ولطلاب المرحلة الثانوية، وراعى فيها مستوياتهم؛ فقرب إليهم المعلومة التاريخية بأسلوب سلس شيق محبب، وانتقل بعد ذلك للكتابة للطالب الجامعي ولأي قارئ متوسط الثقافة، فألّف كتاباً من جزءَين عنوانه «تاريخ المملكة العربية السعودية»، وخصص الجزء الأول لتاريخ الدولتين السعودية الأولى والثانية، والكتاب الثاني «تاريخ المملكة العربية السعودية بدءًا من تأسيسها حتى وفاة الملك عبدالعزيز رحمه الله» ودرسها من حيث التأسيس والتوحيد والتطور في جميع المجالات. ولا أدل على نجاحه في رسالته أن كتابه عن تاريخ الدولة السعودية طبع (ستَّ عشرة طبعة)، ولا أظن كتاباً بالمملكة العربية السعودية حظي بمثل تكرار هذا الطبعات.

وللتاريخ العسكري نصيبٌ طيب من أبحاث المؤرخ العثيمين؛ فقد كتب دراسة قيمة عنوانها «في التاريخ العسكري للدولتين السعوديتين الأولى والثانية». على أنه خص «معارك الملك عبدالعزيز المشهورة لتوحيد البلاد» بكتاب أبدع فيه من جميع النواحي.

العثيمين المحقق

لم يكن عبدالله العثيمين باحثاً في التاريخ فحسب بل محققاً، يمتلك كل أدوات التحقيق من حيث منهج التحقيق النقدي، وتمكنه من اللغة العربية تمكناً يتفوق فيه على كثير من أصحاب الاختصاص، وقدرته على قراءة الخطوط القديمة.. وسوف أشير إلى عناوين تحقيقاته؛ فالوقت المتاح لي لا يسمح بأكثر من ذلك. أول تحقيقاته كان كتاب «كيف كان ظهور شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب» سنة 1403هـ. والثاني كتاب «نبذة تاريخية عن نجد»، أملاها ضاري بن فهيد الرشيد، وكان أول من حققها أستاذ الجميع حمد الجاسر - رحمه الله - ولكن العثيمين حققها على المخطوط، وأضاف إليها تعليقات وشروحات. والثالث «لَمْع الشهاب في سيرة محمد بن عبدالوهاب»، وقد سبق نشر هذا الكتاب مرتين، مرة في خارج المملكة، وأخرى في داخلها، على أن الكتاب مجهول المؤلف.

العثيمين المترجم

البعد الثالث في أعمال العثيمين التاريخية هو الترجمة؛ فلقد ترجم عن اللغة الإنجليزية القسم الخاص بالدولة السعودية الأولى من كتاب الرحالة السويسري يوهان لودفيك بوركهارت «البدو والوهابيون»، بعنوان «مواد لتاريخ الوهابيين»، وكان هذا المؤلف من أكثر الرحالة الأوروبيين إلى البلاد العربية دقة وتحرياً للمعلومة الصحيحة.

أما العمل الثاني الذي ترجمه عن اللغة الإنجليزية كذلك فهو «بعثة إلى نجد» 1917-1918 = 1336-1337هـ لسانت جون فيلبي. وقدم العثيمين لهذه الترجمة بدراسة بلغت 60 صفحة. وتأتي أهمية هذه الرحلة من كونها تقدم لنا معلومات عن أوضاع المملكة والمنطقة في وقت مبكر نسبياً. أعتذر عن التقصير بحق أستاذنا؛ فالوقت لا يسمح بالتوسع أكثر من ذلك.

وألقى الدكتور محمد الهدلق رئيس مجلس أمناء مركز الملك عبدالله الدولي لخدمة اللغة العربية مداخلة عن الدكتور عبد الله العثيمين شاعراً، بدأها بقوله: أول مرة أسمع فيها عن الدكتور عبد الله العثيمين عندما ترجم له الشيخ عبد الله بن إدريس في كتابه (شعراء نجد المعاصرون) في الطبعة الأولى عام 1960، وسمعت عن الكتاب من بعض أساتذتنا في المعهد العلمي بشقراء، وسمعت شيئاً من نقاشهم عنه، ولفت نظري فيه أنه ترجم لثلاثة شعراء، كلهم يحمل لقب العثيمين، من بينهم الشيخ محمد بن عبد الله العثيمين المولود ببلدة السلمية بالخرج، وهو لا يمت للشيخ بصلة، وضالح بن أحمد العثيمين وعبد الله الصالح العثيمين وهما من مواليد مدينة عنيزة. ولعل مما ربط هذا الاسم بذاكرتي جيداً أن أخوالي كانوا يسكنون في شقراء في بيت استأجروه من آل عثيمين، وهم أبناء عم الدكتور عبد الله؛ فهذا الاسم ليس غريباً علي.

كانت القصائد التي نشرها الشيخ ابن إدريس للدكتور عبدالله وطنية؛ فقد كتب عن فلسطين والجزائر وغيرهما من مواجع الأمة العربية، وكان يومها المد القومي على أشده، تغذيه الآلة الإعلامية المصرية العالية النبرة، وكان هذا في عام 1380 هجرية، وما أعقبها من سنوات، ثم غاب العثيمين عن خاطري سنين طوالاً ليظهر فجأة أمام عيني في صيف 1971م في مدخل مستشفى شهير بمدينة إدنبرة.

كنت قد جئت في ذلك الصيف برفقة الزميل الدكتور عبد العزيز المانع من مدينة في جنوب بريطانيا؛ حيث كنا ندرس اللغة الإنجليزية، وجئنا إلى إدنبرة نبحث عن سكن لأسرتينا في هذه المدينة الاسكتلندية الشهيرة؛ لأننا سنلتحق بالجامعة في سبتمبر من العام نفسه، وقد ذُكرت لنا أسماء بعض الذين يدرسون هناك من السعوديين، ومن بينهم الدكتور العثيمين والجربوع والحيي، وسألنا عن الجربوع - وهو آخرهم مجيئاً - فقيل لنا إنه يرقد في المستشفى المشار إليه سابقاً لعارض صحي ألمّ به؛ فقررنا لحظة وصولنا أن نزوره، مع أننا لم يسبق لنا أن رأيناه من قبل. وخلال الزيارة حدثنا الجربوع عن الزملاء الموجودين في إدنبرة، وقال لنا: لا بد لكما أن تتصلا بالعثيمين؛ فإنه عمدة السعوديين في هذه المدينة. وودعنا الجربوع في سريره، وبينما كنا نهم بالمغادرة في مدخل المستشفى إذا بالدكتور العثيمين أمامنا، ولم يسبق لنا أن رأيناه من قبل، لكنه العثيمين لا تخطئه العين، يجذبك إليه بابتسامته التي هي بمنزلة المغناطيس الذي يجذب الحديد، وقد استجبنا للجاذبية. لقد جاء العثيمين زائراً لزميله الجربوع؛ فأصر عندما قابلناه على أن نعود معه إلى غرفة الجربوع التي خرجنا منها ولو لبضع دقائق لواجب الزيارة ثم نخرج، وقد فعلنا، ومنذ ذلك اللقاء الحاسم انعقدت بيننا وبين هذا الرجل الاستثنائي الذي اجتمعنا هذه الليلة لنكرمه صداقة عميقة ومعرفة قوية، وأكرم بها من صداقة، وأنعم بها من معرفة.

لم تطل إقامة الدكتور عبد الله بيننا طويلاً في إدنبرة؛ لأنه بعد ذلك اللقاء بعام وبضعة أشهر؛ لأنه حصل على شهادة الدكتوراه بموجب رسالته التي أشار إليها الزملاء المتحدثون قبلي، وهي عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب دراسة لحياته، وتخليداً لإنتاجه العلمي، وإيضاحاً لعقيدته وأفكاره. وبعد ذلك بقليل عاد إلى المملكة، وبعودته ترك فراغاً كبيراً، ليس بيننا فقط نحن السعوديين بل لدى كل العرب في إدنبرة والباكستانيين والاسكتلنديين، وغيرهم ممن كانوا على صلة به، ولكنه ظل وفياً لأصدقائه ولمدينته بعد عودته الذين كان يسعدهم بزياراته كلما سنحت له الظروف، وكان لا ينسى إتحافهم بما هو موجود في الوطن. ولقد بعث إليّ في سنة من السنوات كرتوناً مملوءاً بالفقع الرطب، وعندما أحضره ساعي البريد ورائحة الفقع تفوح منه قال «غريب أمر صاحبك؛ يرسل لك كرتون بطاطس فاسداً» طبعاً بالإنجليزية، ظنه المسكين بطاطس.

الجانب الأكاديمي

بعد عودة الدكتور عبد الله العثيمين من البعثة عُيّن عضو هيئة تدريس، وهذا قد غطاه الزملاء، لكني سأتحدث قليلاً عن الجانب الفكري ونتاجه فيه.

الدكتور عبدالله العثيمين تكوينه الفكري هو التاريخ، ينصب جهده عليه، وله في هذا الفن مؤلفات رائدة، تحدث عنها الدكتور عبد العزيز الهلابي؛ فلن أتعرض لها، لكني أقول إن من جلس إلى الدكتور عبد الله العثيمين، واستمع إلى أحاديثه، ويتابعه بقراءة ما يكتبه في بعض مؤلفاته أو بالصحافة، أو يقرأ دواوينه الشعرية، يجد أن الوطن العربي بجميع أقطاره هو همه الأكبر. ومن مؤلفاته في هذا الحقل تأملات في التاريخ والفكر، أنت يا فيحاء ملهمتي، خواطر حول الوطن والمواطنة، خواطر حول القضية، مقالات عن الهم العربي، عام من الذل والانخداع، بيع الوطن في المزاد، وغيرها.

الجانب الأدبي لدى الدكتور عبدالله العثيمين

بدأ الدكتور العثيمين نظم الشعر في فترة متقدمة من عمره؛ فقد أورد الشيخ ابن إدريس في ترجمته له قصائد، نظم بعضها عندما كان طالباً في المعهد العلمي بعنيزة.

دواوينه

للدكتور عبد الله عشرة دواوين شعرية بالفصحى، وواحد نبطي يتيم، وعنوانه نمون القصيم، ولا يتسع الوقت في هذه الليلة لدراسة شعر الدكتور عبد الله والبحث في خصائصه وجمالياته؛ ولذلك سأكتفي هنا بأبيات تمثل اتجاهات من شعره تبعاً للأغراض التي نظم فيها.

ففي الجانب الوطني نجد له في بداية قوله الشعر قصيدة أوردها الشيخ ابن إدريس من واقع ثورة لبنان عام 1958م، يقول فيها:

مثلما ينطلق الإعصار مجتاحاً مهيباً

مثلما يقتحم الضرغام فتاكاً غضوباً

مثلما ينفجر البركان مهتاجاً رهيباً

قذفت ثورة شعب الأرز ناراً ولهيباً

تصطلي من بات للدولار عبداً وربيباً

يا جبال الأرز قد دوت نداءات الجراح

وتعالت كهزيم الرعد صيحات الكفاح

وانبرى الأحرار كالسيل إلى حمل السلاح

وله قصيدة وطنية أوردها ابن إدريس أيضاً، عنوانها (عيد الوحدة)، يتحدث فيها عن الوحدة بين مصر وسوريا، يقول فيها:

يا روابي القدس حي أمة

شغفت بالوحدة الكبرى هياما

أمة زفت إلى هام العلا

وحدة رفت على القطرين عاما

يخفق النصر على آفاقها

باسم الثغر طروباً مستهاما

نفحات النيل هزت بردى

فانبرى يلقي على النيل الخزامى

والتقى الإخوان من بعد النوى

ودموع البشر تنهل سجاما

وفي ديوان العثيمين الذي بين يدينا نجد قصيدة عنوانها (عنيزة والحلم)، وهي من وحي قصيدة مشهورة لزميل لنا في جامعة الملك سعود قسم اللغة العربية، هو الدكتور نزار العظمة، الذي زار مدينة عنيزة، وقال قصيدة مشهورة (عنيزة والحلم)، فالدكتور عبد الله جاوبه يقول:

أيها الشاعر والفيحاء مهوى كل شاعر

قبل الحسن على ساحتها ثغر المفاخر

لحنك الشامي إذا ناجيتها عز المشاعر

فأجابتك تليداً يصل المجد بحاضر

وربى يعمرها الإيمان طهراً ومنائر

وأجابتك جمالاً حسنه للقلب آسر

لوحة وشحها الفن نخيلاً وبيادر

وأصيلاً فوق موج الرمل سحري المناظر

وقصيدة أخرى أقرأ شيئاً منها، هي التي سمى بها هذا الديوان (دمشق)، وقصائد أخرى، يقول منها:

في مهجتي لربوع الشام تحنان

صانت حمياه أزمان وأزمان

وأمطرته من التاريخ غادية

فاشتد أصلاً وماست منه أغصان

أتيت أحمله حرفاً تسطره

مشاعر وأحاسيس ووجدان

وهنا سأغير من الوطنيات إلى شيء له صلة بالقلب؛ ففي ديوان (لا تسلني) تطالعنا قصيدة عاطفية آسرة، نظمها الشاعر فيما يبدو في مدينة إدنبرة، وقد يكون نظمها في المملكة، لكن المحرض كان تمثالاً من الحسن رآه الشاعر في قسم اللغة العربية والدراسات الإسلامية بجامعة إدنبرة، وعنوان القصيدة (لا الشوق خف)، وفيها يقول لا فض فوه:

لا الشوق خف ولا القلب الجريح سلى

عمن تجسد فيها الفن واكتملا

تلك التي سحرها الفتان أدهشه

وبث في قدميه العجز والشللا

هيفاء ترفل إن ماست وإن لعبت

رياضة جعلت من حولها ثملا

الهت متيم قلب عن دراسته

وبدلت رغبة في نفسه مللا

حتى باحثا عما يقربه

منها ويختلق الأعذار والسبلا

يؤمها كل سبت كي يلاعبها

ما غابها قط لا سهواً ولا كسلا

كما ألقى الدكتور عبد الرحمن الشبيلي مداخلة، وكانت كلمته بعنوان (د. عبدالله العثيمين.. حسٌ مرهف في هندام شيخ)، وبدأها بالقول: يقول المُحتفى به:

لو يرحم الشعر أمثالي لوافاني

بما تودّون.. من قولٍ وتبياني

لأرسم اللوحة النشوى، مجنّحةً

معبّراً عن أحاسيسي ووجداني

لكنّ شيطانه استعصى وفرّ على

شهباء عاصفة من مربط الجان

بمثل هذه الكلمات كان الحضور يطرب أثناء حفل جائزة الملك فيصل العالميّة، وهو يُفاجأ بقصيدة من نظم أمينها العام، تناسب الموقف، وتطابق أبياتُها الموضوع، وتلتزم قافيتُها بذكر اسم راعي الحفل أو بالإيماء للشخصيّة المكرّمة، وتكون من الجزالة والرقة ما يجعلها حِلية من حُلي الحفل، وإحدى مشوّقاته.

والليلة، أقتبس «نمونة» من شعره، قد تُبعد عنكم رتابة الحديث في التاريخ واللغة والتراث. فالشخصيّة المحتفى به، وبالرغم من هيبته «المشيخيّة»، متيّمٌ في حب وطنه وعشيرته، ومسكون بأزمات أمّته، شخصيّة لا تغادره الكلمة المرحة ولا القصيدة المازحة، يحبكها فصيحة، وينظمها تفعيلةً، ويقولها نبطية، وإن شاءها فتارة قومية، وأخرى وجدانية، وثالثة حميميةً. جمعت بين أسرتينا الجيرة والقربى، والأصولُ والفصول، ورافقتُه عن قرب في بعض محطات الحياة من الابتدائيّة إلى الشورى، مع اعترافه بالأسبقيّة العُمرية ببضع سنوات لصالحي.

التزم بتوضيح ما نُسب للوهابية، وألّف وترجم في تاريخ البلاد السعوديّة، وائتمن على تدوين سيرة الملك المؤسّس، وعلى رصد قصة توحيد هذا الكيان، وفنّد الكثير من مزاعم الرواة والمؤلّفين. غلبت تاريخيّتُه شاعريّتَه، حتى صار المجتمع ينظر إليه مؤرّخاً متناسياً كونه أديباً وشاعراً، مع أن الشعر عنده هو الأساس منذ أن ترجم له صاحب كتاب «شعراء نجد المعاصرون» قبل خمسة وخمسين عاماً. حظي مسقطُ رأسه بالنسبة الكبرى من قصيده الوجداني الجميل، وعبَّر عن ذلك في العديد من مقالاته وقصائده، وكان من أشهر مطوّلاته عنها تلك التي كتبها - ولم تكن الأقدم - عند عودته من البعثة عام 1392هـ (1972م) قال فيها:

حبيبتي، أنت يا فيحاءُ، ملهمتي

ما خطّه قلمي شعراً، وما كتبا

رجعت من غربتي كي أستريح على

رُبى، لدى قلبي المضني، أعزُّ رُبى

ما بينهنّ، عرفتُ الأُنس في صغري

وفوقهنّ عرفتُ اللهو، واللّعبا

هنا، سمعت أهازيجاً، مرتّلة

وعشت أيام أشواقٍ، وعهد صبا

وبعد:

فهذه ليست قراءة في مؤلّفاته وشعره؛ فلقد كفاني مَن هو الأقدرُ على ذلك، لكنّ من يتجوّل في دواوينه العشرة، وفي كتبه الثلاثين، يجد أن القضية العربية قاسمٌ مشترك استحوذ على همّه الأكبر منذ الصغر حتى اليوم، وأن أسَفَه على واقع الأمة يشكّل غمّه وقلقه، وأن التطلّع للإصلاح الاجتماعي الداخلي هو الشاغل الأبلغ لخاطره، في شعر وجداني أصيل وكتابات لا تنقصها الفصاحة والصراحة، عبَّر فيها عن خلجات النفوس، تماماً كما يعبِّر هذا الحفل عن تقدير الحضور لقامته التدوينية والأدبية والوطنيّة في حفل تكريمه في منتدى بامحسون الثقافي. خاتمة الكلمات كانت كلمة المحتفَى به الدكتور عبد الله بن صالح العثيمين، قال فيها: هذا الماثل أمامكم، البالغ من الكبر عتياً، يجد أنه غير قادر على التعبير عن شكره الجزيل لمن تفضلوا بتكريمه ممثلين بمنتدى الدكتور عمر بامحسون والأخ الكريم عبدالله باحمدان، ومن تلطفوا بالحديث عنه، وهم الذين أسعد وأعتز بصداقتهم، الأحبة الزملاء الدكتور عبد العزيز الهلابي والدكتور محمد الهدلق والدكتور عبد الرحمن الشبيلي والأخ العزيز سعد البواردي. وإني لعاجز أيضاً عن التعبير عن الشكر لمن شرفوني بالحضور، وكنت قد سجلت بعض الأشياء، ولكني كما أنا عاجز عن التعبير عن الشكر فإني عاجز عن أن أضيف أي كلمة على ما قاله إخوتي الأعزاء؛ فللجميع الشكر، وللجميع التقدير.

بعد ذلك تم تقديم الدروع التذكارية التكريمية لعدد من الذين أسهموا في إثراء فعاليات المنتدى خلال الموسم الماضي.

رجوع

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة