Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناSaturday 25/05/2013 Issue 14849 14849 السبت 15 رجب 1434 العدد

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

لا تزال حافلات «خط البلدة» الشهيرة تزداد عنفواناً كلما تقدم بها الزمن، بعد أن حصلت على استثناء يسمح لها بأن تستمر في العمل في شوارع الرياض إلى أن تتوقف عن السير، لكنها بعد عقود من الزمن لم تختفِ، بل أصبحت علامة فارقة في موديلها العتيق وسائقها الذي لم يتغير كثيراً؛ فالشماغ على الكتف، والطاقية على مؤخرة الرأس، وهكذا هي حافلات النقل.

تساءلت عن سر العنفوان في حافلات خط البلدة، وعلمت أن السر في قوتها يكمن في المحرك والوقود، وهو الجزء الوحيد المتغير من أجل أن تستمر حافلات خط البلدة إلى الأبد في شوارع العاصمة، يساهم في استمرارها فشل مشروع النقل الجماعي الحديث، الذي كان من المفترض أن تكون حافلاته النظيفة والمتطورة الواجهة الحديثة في شوارع العاصمة، وأن تختفي من الشوارع الحافلات القديمة والمشوهة، لكن أثبتت حافلات خطوط البلدة أن الأشياء المتوارثة مهما كانت لديها القدرة دون غيرها في الاستمرار، وإن ظهرت غير صالحة ومتهالكة في شكلها الخارجي في شوارع عاصمة أغنى بلد في الشرق الأوسط.

لم تكن تلك الصورة المشوهة في شوارع العاصمة الاستثناء؛ فقد تمت المحافظة على كثير من التقاليد البالية من خلال الآلية نفسها، بسبب قانون الاستثناءات والتمويل ومقاومة التغيير الاجتماعي. ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل تضخمت وأصبحت التقاليد الصحراوية مظاهر اجتماعية صاخبة بسبب ضخ الأموال في غير مواضعها؛ ما ساهم في المحافظة عليها، ثم نفخها إلى درجة غير مسبوقة، بالرغم من أنها تشكل عائقاً وسداً منيعاً ضد التطوير؛ فالتقاليد البالية كانت ترفض العمل اليدوي، وتحتقر المهن، وتفتخر بأزمان الغزو والنهب، لكن تلك النظرة الدونية للمهن ازدادت، وتضخمت لتصل إلى درجة الازدراء للشعوب الأخرى، على طريقة (أنت ما مثلك بلد)..

كان الحراك الأقرب لنموذج حافلات «خط البلدة» التمويل الاستثنائي للتطرف الديني في نمطه الصحراوي الجاف، الذي خرج من عباءات أفكار متطرفة جداً في الماضي، تتصف بنظرتها المتعصبة جداً للمختلفين، كانت البيئة القاسية في الصحراء الحاضنة له في أزمنة سابقة، ومع دخول الوطن للعصرنة والتحديث حصل ذلك الفكر على الاستثناء في التمويل بلا حدود، واكتسب عنفواناً غير مسبوق، وأصبح له حضور طاغ في شوارع المدينة، وله مناعة وصلاحيات في المطاردة المستمرة للأشياء الجميلة في المدن والقرى، كان يسوق لأفكاره المتطرفة من خلال خطاب قاس، لم يعد صالحاً للعمل به في القرن الجديد، ساعده في ذلك فشل مشاريع التحديث والتطوير مثلما فشلت حافلات النقل الجماعي في شوارع العاصمة.

أيها السادة، نحن نعيش في الألفية الثالثة، في عالم أصبح يحكمه الذوق العام والأناقة والجمال والسلوك الحضاري، ولم نعد نحتاج إلى السفر إلى أوروبا للتحقق من ذلك، فقد أصبحت تلك المظاهر قريبة جداً، وفي مدن خليجية مجاورة، ولم يعد مقبولاً أن تستمر تلك الصور النمطية المشوهة في شوارع المدن السعودية، ولم يعد مناسباً أن تُترك العاصمة وسكانها عرضة لمشاريع التشويه المادي والفكري، وقد يكون التوقيت متأخراً نسبياً، لكن لا بد من توطين نماذج السلوك المتحضر في شوارع وأسواق وساحات المدينة، وأن نتخلص للأبد من حافلات خط البلدة المتهالكة، ومن طغيان تقاليد وسلوك التطرف الصحراوي القديم في شوارع وساحات المدينة.

بين الكلمات
خط البلدة وعنفوان الماضي
عبدالعزيز السماري

عبدالعزيز السماري

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة