Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناSaturday 25/05/2013 Issue 14849 14849 السبت 15 رجب 1434 العدد

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الأخيــرة

إذا ما خرج الأوروبيون الغربيون عموماً والأمريكان خصوصاً من بلادهم فإنهم يواجهون معاملة خاصة، تملي على الأمريكان والغربيين طريقة تعاملهم مع سكان البلاد المحليين. ومن شاهد الأفلام الغربية التي تدور أحداثها في العالم الثالث تبيّن له بعض قولي. وما ترويه الأفلام قد رأيت بعضه أثناء تجولي في بلدان العالم. فالأمريكي مثلاً يعلم أن بلاده هي الإمبراطورية المهيمنة اليوم، ثقافة وعلماً واقتصاداً وقوة ونصرة لمواطنيها، وهو غالباً ما يغادر بلاده إلى بلاد أخرى لأنه يكسب بذلك شهادة إضافية بكونه أمريكياً تقدمه على الآخرين المحليين في فتح الفرص له التي لم تكن لتفتح له في بلاده، كما تعطيه قوة إقناعية مستمدة من قناعة الناس بجودة الأداء الأمريكي. هذه الميزة المادية والمعنوية، مع كون علمه بأن بلاده تدافع عن مواطنيها بالخارج دفاعاً مستميتاً، تخلق فيه روح الفخر والاعتزاز، التي تتطور أحياناً إلى كِبْر وتبختر. وهذه النوعية هي غالب من يترك بلاده من الأمريكان ليعمل في بلاد العالم الثالث. ولكن بلاد العالم الثالث ليست سواء؛ فهناك من الشعوب من تحقد على أمريكا والغربيين، وتحسد كل مواطنيها، وهناك من البلدان من تتذلل لهم وكأنهم هم السادة؛ فمشاعر هذه الشعوب هي التي تملي للأمريكي والأوروبي سلوكه الذي يلتزم به خارج بلاده. فمتى يتبختر هؤلاء عندنا في بلادنا؟

على ما رأيته ولمسته، فبلادنا، على المستوى الشعبي في التعاملات العامة، محايدة بالنسبة للأمريكي والأوروبي؛ فلا تفرقه عن غيره من المقيمين وتصنفه بحسب مهنته وعمله كغيره من المقيمين. وكون أن كثيراً منهم يأتي في مناصب مهنية رفيعة يجعل البعض يعتقد أن تخصيصه بمعاملة نوعية هو من أجل جنسيته، والصحيح أنها من أجل مهنته ومكانتها، مثله مثل غيره. أما في المعاملات الخاصة فالشعب السعودي يفضل السعودي على الأمريكي والأوروبي في الطب وفي التدريس الجامعي وفي قيادة الطائرات مثلاً، ويفضلون الكوري والفلبيني على الأمريكي في الأعمال الفنية؛ فلا مكان لتبختر هؤلاء على المستوى الشعبي كما هو ملاحظ في بلدان أخرى كثيرة من العالم الثالث؛ ولذا تراهم محترمين في سلوكياتهم العامة. كما أن الدولة لا تضع لهم أي امتيازات خاصة، لا في التأشيرات ولا في المعاملات؛ فتراهم لا يتجرئون مطلقاً على سيادة الدولة. وبحسب عملي السابق في الدولة، فإن عندي شواهد كثيرة على هذا، لا يمكن الإفصاح بها. ولكني آتي بشاهد تحدثت به وسائل الإعلام الأمريكية. فأذكر أنه في عام 1997 شاهدتُ برنامج 20/ 20 الشهير في أمريكا، وقد كانت القضية حول اختطاف بنات الأمريكيات، اللاتي ولدن من آباء عرب، من بلادهن العربية. فكانت القضية حول عربي تزوج أمريكية، وولدت له بنتاً، فلما بلغت الصبا رجع بها العربي إلى بلاده ولم يعد؛ فاستأجرت الأم الأمريكية شركة قامت باختطاف البنت من بلدها العربي، وأحضرتها إلى أمريكا. ثم أردف البرنامج بحالة مماثلة، إلا أنها كانت لأب سعودي وابنتاه الاثنتين من زواجه من أمريكية. وقد رجع السعودي وابنتاه إلى السعودية، وظل الأب متصلاً وابنتاه مع أمهما الأمريكية التي استهوتها قصص اختطاف أبناء الأمريكان من آبائهن من الدول الأخرى؛ فقامت باستئجار هذه الشركة لاختطاف البنتين؛ فكان عاقبة الشركة أنها فقدت رجلين من رجالها في السعودية، وباءت بالفشل. ثم أردفت مقدمة البرنامج بلقاء مع الأستاذ عادل الجبير الذي أصبح سفيرنا في أمريكا - وكانت المرة الأولى التي أراه فيها - فتحدث بحديث رائع مقنع مهذب، قلب فيه الحجة والخطأ والذنب على الأم الأمريكية وشركتها الخائبة، وكسب به تعاطف مقدمة البرنامج.

ولكن على المستوى الخاص، عندنا، فهناك مجال واسع لتبختر هؤلاء. فإذا واجهت من يكون منهم متبختراً في عمل أو مجلس خاص فاعلم أنه يعمل عند سعودي أحمق مطاع، أو عند سعودي لا يثق بالسعوديين. ومن الشواهد على هذا أنني عندما تلقيت خبر قبول طلب تقاعدي من عملي الحكومي توجهتُ مباشرة إلى جامعة متواضعة، فدخلت أبحث عن مدير الجامعة لأعرض عليه سيرتي الذاتية، فما وجدت إلا نائبه، وكان أمريكياً. فحمل مدير المكتب سيرتي الذاتية إلى نائب المدير الأمريكي، فما كان منه إلا أن قذف بالسيرة الذاتية -دون أن ينظر إليها- في وجه السكرتير الهندي صائحاً في وجهه وموبخاً له وطارداً له من المكتب. ولإكمال القصة، خرجتُ هائماً كسيراً طريداً، أتفكر فيما كنت عليه من تكريم وطلب، إلى ما انتهيت عليه من ذلة ومهانة على يد مسؤول أمريكي. فما وجدت نفسي إلا واقفاً عند جامعة سلطان، وقد ترددت كثيراً؛ فمستوى الجامعة قد لا يؤهلني للعمل فيها؛ كوني لا أحمل أي خبرة تدريسية قبل ذلك، ولكني عقدت العزم، ودخلت على عميد الكلية آنذاك الدكتور محمد المسهر، ولا أعرفه ولا يعرفني، فرحب بي، ثم اطلع على سيرتي الذاتية، وقال لي إن الجامعة ترحب بالسعوديين المؤهلين، وتحرص عليهم جداً، وهي سياسة عليا لها، وإن خبرة التدريس ستأتي مع الممارسة والحرص، وهكذا فأنا ابن جامعة سلطان البار ما حييت.

وعودة إلى موضوعنا، فإن قطع سبل التبختر على هؤلاء يكون بعلم وقدرة وكفاءة من يعمل معهم من السعوديين. وأذكر أنه أوكل إلي أثناء مشروع تدريبي عسكري بمستشار من المارينز الأمريكي، وكان هذا لا يخلو من الغطرسة، فسألته إن كان يعرف طريقة لمعايرة البندقية الفال البلجيكية على غرار معايرة الإم 16 الأمريكية، فتبختر، فدعوته للرماية، وما رميت ولكن الله رمى. فرمى ورميت ثلاث مرات، فأخطأ في الثلاث، وأصبت في الثلاث؛ فما زالت تأكل في قلبه حتى رأى مجموعة على شطرنج، فدعاني للعب، فأجبته، فغلبته، وعاد الكرَّة فغلبته ثانية، فما عادت إليه غطرسته طوال فترة المشروع. وأذكر أن أمريكياً أتانا في جامعة سلطان من مؤسسة مالية أجنبية، فأخذ يتبختر بأن مؤسسته تملك مهارات في التمويل العقاري حتى أنها تبيع معدل الفائدة، فقلت له إن أي طالب من جامعة سلطان الحاضرين هنا يعطيك أكثر من عشرين طريقة لشراء الفائدة، ثم بدأت أعطيه الأمثلة وأبيّن عجزه لحلها، حتى تدخل مرافقه السعودي، وقال ما معناه إنهم ليسوا في مستوى العلم الأكاديمي الجامعي. فلعله يدرك الآن أن الشباب السعودي قادم، وهو مسلح بالمعرفة؛ فلا يتبختر أيٌّ منهم على سعودي بعدها.

وختاماً، فما قصدت هنا تعليم الجفاء مع الأجانب الغربيين؛ فإن الطبيب والمعلم لا ينصحان إذا لم يُكرمَا، وهؤلاء الأجانب غالبهم مستشارون، يُستفاد منهم، ويُتعلَّم منهم، وإنما قصدتُ الحرص على التعلم واكتساب الخبرة، وعدم الاعتماد الكلي على الأجنبي، فيتبختر هؤلاء عليك وعلى قومك.

hamzaalsalem@gmail.com
تويتر@hamzaalsalem

المسكوت عنه
متى يتبختر هؤلاء؟
د. حمزة بن محمد السالم

د. حمزة بن محمد السالم

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة