Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناSunday 26/05/2013 Issue 14850 14850 الأحد 16 رجب 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

بداية.. كنت ممن تحفظوا على امتداد أيام الحوار الوطني اليمني الشامل.. لستة أشهر، وكما قررته رئاسة الحوار وأمانته عند الإعلان عنه (!!) مخافة أن تعطي هذه (الإطالة) الفرصة واسعة لـ(أعداء) الحوار والمتربصين به من الانعزاليين والانفصاليين المُغَرَّر بهم من الحوثيين والحراكيين الجنوبيين.. ليلعبوا لعبتهم في إفساده وإفشاله،

وعدم وصوله إلى مرحلته النهائية بـ (الاستفتاء) على الدستور اليمني الجديد (أحد مخرجات الحوار). فإجراء الانتخابات التشريعية فـ (الرئاسية) في الثالث والعشرين من شهر فبراير من عام 2014م القادم.. تفضي بـ (مغادرة) حكومة الوحدة الوطنية ورئيسها محمد سالم باسندوة، ورئيس الجمهورية عبد ربه منصور هادي.. والإتيان بـ (حكومة جديدة) ورئيس جديد للجمهورية.. كما حددت ذلك المبادرة الخليجية المزَمَّنة.. والتي أقرتها الأمم المتحدة ودعّمها مجلس الأمن الدولي بقراريهما (2014 و2051)، لكن (تحفظي).. لم تثبت أهميته أو قيمته.. إلا في الأيام والأسابيع الأولى من بدء الحوار، لترجح كفة إطالة زمن الحوار على قصره فيما بعد.. ليس (مصادفة) بالتأكيد، فلم يعد العالم يعيش في زمن المصادفات السياسية الكبرى، ولكنها بفعل صناع أجندة الحوار وذكائهم، الذين أرادوا بهذه الإطالة فيما يبدو.. أن يمتد زمن الحوار إلى شهر (مايو) وهو شهر ذكرى (الوحدة) اليمنية في الثاني والعشرين منه - الموافق للشهر الثالث من تلك الشهور الستة - ليروا ما ستفعله (الذكرى) الثالثة والعشرين لـ (الوحدة اليمنية) - في نفوس وقلوب اليمنيين عموماً.. وفي قلوب وعقول أعضاء مؤتمر الحوار الوطني اليمني الشامل إجمالاً، ولجنتي (القضية الجنوبية) و(قضية صعدة).. خصوصاً وهم واثقون من أنهم سيكونون يومها إلى جانب ما قاله شاعرهم في مناسبة سابقة كهذه:

(إذا احتربت يوماً فسالت دماؤها

تذكرت القربى.. فسال دمعها)

إلا أن دموعهم لم تسل هذه المرة.. لكن تدفقت يمنيتهم ومشاعرهم نحو (الوحدة): تشبثاً بها ودعماً لـ (استمرارها)، وليذهب (المعز) وذهبه إلى حيث يشاء.. خاصة إذا نجحت لجنة أراضي الجنوب والمبعدين عن وظائفهم التي شكلها الرئيس عبد ربه منصور هادي - في خط مواز لأعمال لجنة (قضية الجنوب) التي اعتمدها مؤتمر الحوار الوطني، والمكونة من أربعين من أعضاء المؤتمر (رجالاً، ونساءً، وشباباً وشابات) - في إعادة الحقوق لـ (أصحابها) إن كانت (أراض) نُزعت منهم بغياً وعدواناً أو (أعمالاً) استبعدوا منها لصالح زيد أو عمرو من المتنفذين في إدارة البلاد بعد حرب عام 1994م.

***

لقد حرصت على متابعة قناتي (اليمن) و(عدن) الفضائيتين.. لأرى - عن كثب - وقائع احتفالاتهما بـ (الذكرى) الثالثة والعشرين لـ (الوحدة اليمنية).. وكيف ستكون؟ علها تساعدني على قراءة مشاعر اليمنيين الحقيقية تجاه وحدتهم، فأمتعني بقدر ما أدهشني (أوبريت): (وحدة وطن).. الذي استهلت به (اليمن الفضائية) بثها المباشر في ذلك اليوم.. لتغطية احتفالاتها بـ (الذكرى)، وقد اعتمد مخرج الأوبريت.. على بكارة عناصر الطبيعة اليمنية من المدرجات الزراعية والسهول إلى الجبال والشواطئ.. لتكون (الاستديو) البسيط والمعبر عن الروح اليمنية وحميميتها عوضاً عن تلك (الاستديوهات) الضخمة والباهظة والمنزوعة الروح، التي اعتدنا مشاهدتها عربياً في أمثال هذه المناسبات الوطنية، وقد اختار مخرج الأوبريت.. أن يملأ مساحته الطبيعية بأرتال من فتيات يمنيات في عمر الزهور ما بين التاسعة والحادية عشرة من أعمارهن، وهن يرتدين كل تلك الملابس اليمنية التقليدية المعروفة بألوانها الزاهية وتصاميمها المختلفة التي تقدم أجزاء الوطن اليمني كله: فهذا حضرمي.. وهذا صنعاني.. وهذا عدني.. وهذا من الحديدة.. وذلك من تعز والآخر من لحج أو ذمار، ويرددن بين كل مشهد وآخر من مشاهد الأوبريت التي تتحدث عن يمن الإيمان والحكمة اليمانية.. ويمن سبأ وبلقيس قديماً، ويمن الثورات والنضال حديثاً.. ذلك (المذهب) الغنائي اليمني الجميل: (علمني حبك.. علمني/ أن أشمخ فخراً.. باليمن)، بينما أخذت قناة عدن الفضائية.. تبث وعلى فترات طويلة استقبالات مهنئي الرئيس عبد ربه منصور هادي بالعيد الثالث والعشرين لـ (الوحدة) اليمنية، وقد تتابعوا للسلام على الرئيس رجالاً ونساءً وعسكريين ومدنيين من علية القوم بجبابهم الفاخرة وعمائمهم الوقورة.. وآخرين من أوسطهم بالملابس اليمنية التقليدية: “الثوب” و”الكوت” و(العمة الشعبية) والشال التقليدي على أكتافهم والجنبية اليمنية في وسطهم، لتتحد القناتان في سرد برقيات التهاني التي تلقاها الرئيس من كل ملوك ورؤساء وزعماء العالم.. ثم في نقل زيارة الرئيس لميدان السبعين حية على الهواء تحية لشهداء وشباب التغيير، وفي توزيعه على بوابة القصر الجمهوري.. أنواط الشجاعة وشهادات التقدير على جنود اليمن البواسل الذين استطاعوا تحرير مدينة (أبين) من (القاعدة) وعصاباتها التدميرية.

لقد كانت المشاهد على القناتين.. موحيتين ومبشرتين بختام سعيد لـ (الحوار الوطني) وهو يرسم صورة لغد أفضل في حياة اليمن الواحد.. يمن الوحدة، رغم المظاهرة الانفصالية الضامرة التي قادها (الحراك) في عدن.. في ذات اليوم (22 مايو)، وبددتها جدية أجندة مؤتمر الحوار الوطني الشامل الداعية والعاملة عبر فرقها - أو لجانها - التسع على قيام دولة مدنية دستورية، قوامها الحرية والعدل والمساواة والحكم الرشيد، وهي تضع اليمنيين مجدداً والمغرَّر بهم - على وجه الخصوص - أمام أحد خيارين: حكم يمني دستوري مؤسساتي رشيد.. أو حكم (إمامي) كهنوتي في شماله، وفي جنوبه يتبعثر مواطنوه بين ثلاثة وعشرين شيخاً أو سلطاناً، كل واحد منهم يرى أن مشيخته أو سلطنته.. ملك خالص له؟!

***

قد يقال.. إن هاتين القناتين (اليمنية) و(عدن) الفضائيتين.. هما قناتان رسميتان تعبران - بالضرورة - عن حكومة الوحدة الوطنية التي يرأسها اليمني المثقف والخبير (محمد سالم باسندوة).. ولا تعبران بحرية عن الشارع اليمني واختلافاته، لكن قراءتي - ودون انحياز لمقدرتي الشخصية المتواضعة - لم تكن قراءة لصورة تلفزيونية عابرة.. بقدر ما كانت قراءة فاحصة متأملة لكل ما كان يتحدث ويهمس به أولئك الذين ظهروا على شاشتي القناتين، وليس مفترضاً ولا معقولاً أن يكونوا جميعاً (ممثلين) في براعة (يوسف وهبي) أو (نجيب الريحاني) التمثيلية.. لكن لـ (خفوت) دعاوى الانفصال في الجنوب - وانصراف الناس عنها - أسبابه..!! التي أدت إلى ظهور الاحتفال بالعيد الثالث والعشرين للوحدة.. بهذه الصورة التي أمتعتني وأدهشتني وأسعدتني، يأتي في مقدمتها دون شك.. إنجازات حكومة (المرحلة الانتقالية) برئاسة عبد ربه منصور هادي لـ (الجمهورية)، ومحمد سالم باسندوة لـ (الوزارة).. طوال الثمانية عشر شهراً الماضية.. على أرض الواقع، والقرارات الجريئة والشجاعة التي أصدرها الرئيس عبد ربه: عسكرياً وأمنياً وإدارياً.. ومظاهر الحياة اليومية التي لمس المواطنون في الشمال والجنوب وبقية أجزاء الوطن اليمني عودتها إلى طبيعتها.. رغم المكايدات والمكابدات التي عانى وما يزال يعاني منها كليهما من المال السياسي إلى تهريب الأسلحة إلى ضرب أبراج الكهرباء ونسف شبكات الهاتف وتفجير أنابيب النفط والغاز، ومع ذلك استطاعا أن ينجحا نجاحاً لا تخطئه العين.. وأن يقدما صورة جديدة لدولة (الوحدة) خلال تلك الشهور، يصعب معها التفكير في انفصالها.. وكما قال الكاتب اليمني الأستاذ عبدالناصر المودع في مقاله (الإليكتروني) أو المنشور بإحدى الصحف الورقية.. والذي وجدته على مكتبي - ولا أدري كيف وصل إليه؟ -: (لهذه الأسباب الخمسة.. لا مجال لانفصال الجنوب)!! وقد سلسل تلك الأسباب.. بادئاً: بـ (افتقار الحركة الانفصالية إلى أي أساس قانوني يمنحها الشرعية)، و(افتقارها إلى الاعتراف الخارجي.. بها: إقليمياً وعربياً ودولياً)، وافتقارها إلى (الإمكانات السياسية والعسكرية التي تمنحها القدرة على بسط سيطرتها المادية في المناطق الجنوبية لفرض واقع انفصالي فعلي)، وافتقارها إلى وجود (تنظيم سياسي أو عسكري حقيقي لهذه الحركة)، إلى جانب (وجود قوى جنوبية رئيسة ترفض الانفصال).. إلى جانب (غياب الفصل الثقافي احقيقي بين الشماليين والجنوبيين).. إلى جانب - أهم الأهم - وهو التداخل السكاني بين الجانبين في الشمال وفي الجنوب.. فـ (أكثر من ربع سكان الجنوب هم شماليون أو من أصول شمالية، يقابلهم مئات الألوف من سكان الشمال من أصول جنوبية، وهذه الأعداد الضخمة ستقاوم المشروع الانفصالي بكل قوة، كونه يعرضها لمخاطر الطرد والاضطهاد وربما الإبادة)..!!

***

لقد بقي من عمر (اللجان التسع).. أيام للانتهاء من أعمالها، وبقي من عمر الحوار الوطني الشامل المقرر له أن ينتهي في شهر سبتمبر القادم.. أربعة أشهر تقريباً، ليبدأ التحضير لـ (الاستفتاء) على الدستور.. ومن ثم التحضير للانتخابات التشريعية فـ (الرئاسية) التي يتوجب أن تنتهي جميعاً مع شهر فبراير من العام القادم، وقد أصبح للجمهورية اليمنية الواحدة.. دستور جديد وحكومة جديدة وبرلمان جديد ورئيس جديد للجمهورية.

وإذا كان الفضل الأول في هذا الإنجاز السياسي والتاريخي الكبير يعود للمبادرة الخليجية.. فإن الفضل - مكرراً - يعود إلى أولئك الرجال اليمنيين الخلص الذين قادوا إنفاذ مراحلها على أرض الواقع، ليخرج (اليمن) سالماً معافى من تلك الأزمة الطاحنة التي كانت ستودي به، وفي مقدمتهم رئيسا: الجمهورية والوزراء..!

ولست أدري إن كان الدستور اليمني الجديد سيسمح لهما بالترشح: الأول للرئاسة مجدداً، والثاني للبرلمان.. أم لا؟ أم أنهما لا يرغبان - شخصياً - في ذلك.. وكفاهما ما عانياه، وما سيعانيانه في بقية شهور (السبعة والعشرين شهراً) التي تمثل -في مجملها- عمر المبادرة الخليجية المزَمَّنة.!! فإن غادرا.. رغبة وإصراراً، فسيبقى اسمهما في صدر صفحات التاريخ اليمني الحديث وعلى ألسنة أجياله المتعاقبة.. باعتبارهما الرجلين اللذين قادا اليمن في أحلك اللحظات، وحققا النصر لـ (وحدته).. مجدداً، على دعاوى الانفصاليين والتشطيريين.. الذين يريدون العودة باليمن إلى القرن الثامن والتاسع عشر..!!

(*) تنويه: نظراً لتمتع د. عبدالله مناع بإجازته السنوية خارج المملكة، فإن الزاوية ستتوقف اعتباراً من الأسبوع القادم حتى عودة د. عبدالله من إجازته ليستأنف الكتابة مطلع شهر شوال القادم بإذن الله.

dar.almarsaa@hotmail.com
جدة

ذكرى (الوحدة اليمنية).. تُغيِّب دعاوى (الانفصال)..؟
د.عبدالله مناع

د.عبدالله مناع

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة