Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناSunday 26/05/2013 Issue 14850 14850 الأحد 16 رجب 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

دوليات

تفتقر السلطة القائمة في دمشق إلى الشجاعة في كل شيء ربما، ولكنها تفتقر إلى الشجاعة في مواجهة الواقع. وهي تلعب كل هذه اللعبة ظناً منها أن أوهامها هي الواقع، وأن ما تقوله هو الحقيقة الوحيدة التي يجدر أن يصدقها الناس، ولا حقيقة سواها.

والخشية من الواقع، لا تدفع هذه السلطات إلى الكذب على الناس، ولكنها تكذب على نفسها، وهذا أخطر. فالمرء يمكن أن يكذب في محاولة للتغطية على شيء، إلا أنه يحتاج إلى مقدار أعلى من الغطرسة لكي يكذب على نفسه. ولكنه ما إن يفعل ذلك، حتى يفقد صلته بالواقع. وفي تلك الحال، فإنّ النهاية غالباً ما تكون قريبة للغاية.

لقد نفت السلطات السورية متغيّرات كثيرة مما يجري حولها. وآثرت أن تتنكّر لحقيقة أنّ شعبها الذي كسر جدار الخوف، ما عاد بوسعه أن يقبل العيش في ظل نظام يتصرف بعنجهية مفرطة تجاه حقوقه الأساسية.

ولئن تكن هذه مشكلة، فإنّ المشكلة الأهم لا تكمن في عجز تلك السلطة عن الاعتراف بواقع يتدهور وبأزمة تتفاقم، وإنما بعجزها عن الأخذ بحلول تتضاءل، بينما هي تغني على ليلاها وكأنها في واد والبلد كله في واد آخر.

ولكم كان من الأولى بهذه السلطة أن تصحو قبل فوات الأوان. فالبلد يغرق بالفوضى، وهي مثل النعامة تخفي رأسها في الرمال لكي لا ترى الخطر قادماً.

لقد أنكرت سلطة دمشق الكثير من الحقائق المتعلقة بالطبيعة الداخلية للأزمة، وركبت رأسها وظلت متمسكة برواية العصابات المسلحة ونظرية المؤامرة. ولكننا نعرف لماذا كانت تفعل ذلك. فلئن كان الناس يطالبون بالحريات، فإنّ هذه السلطة لم تكن تجرؤ على منح الحريات، فقالت مؤامرة. ولئن طالب الناس بحقوق ومساواة، فإنها وجدت أنّ سلطة التشبيح أفضل لها، وظلّت تزعم وجود عصابات مسلحة، حتى جاءت العصابات المسلحة بالفعل. ولئن احتفل قادة النظام عدة مرات بالقول إنّ الأزمة صارت وراءهم، فإنّ الأزمة ظلّت تكبر وتتحوّل إلى زلزال دون أن يعوا أنها تكبر وتقترب من رؤوسهم التي دفنوها في الرمال.

واليوم، هم يصوّرون معركة بلدة «القصير»، وكأنها معركة ووترلو، دون أن يتذكّروا أنّ «انتصارهم» غير المظفر على حي بابا عمرو في مدينة حمص لم يكن بالأحرى معركة مقدسة، ولا كان نهاية للأزمة.

واليوم، فمن الواضح أنّ الأوضاع تسير من سيئ إلى أسوأ، ونوافذ الفرص تضيق وتتراجع. وربما تكون الدعوات إلى الحوار في إطار «جنيف 2»، هي آخر هذه الفرص للبحث عن مخرج للنجاة.

فهل يدرك أصحاب صنعة الطغيان أنّ الوقت لا يمضي في صالحهم، وأنهم يقودون البلاد إلى الفوضى، والفوضى لن يكون بوسعها أن تمنح النجاة لأي أحد.

والسؤال الذي يشغلني هو: لماذا لا تخرج هذه السلطة من دوامة النكران لتعترف بالواقع؟ لماذا لا ترى أنّ شعبها تغيّر؟ لماذا لا ترى أنّ العالم كله تغيّر، وأنه لم يعد بالإمكان حكم الناس لا بوسائل ولا بعلقية القرن الماضي؟ ولماذا لا يفهم الطغاة أنهم يدمرون سلطتهم نفسها إذا خانتهم الشجاعة على مواجهة الحقيقة؟ لماذا لا يفهمون أنّ الخطر إذا جاء، فعليهم أن يتعاملوا معه ببسالة الفرسان، وأن يقدموا له ما يستحق من تسويات، دونما حاجة للنفي ولا للنكران؟ لماذا ينفصل هؤلاء الناس عن الواقع إلى درجة أنهم يرون مؤامرة ولا يرون شعباً؛ وإلى درجة أنهم يرون عصابات مسلحة ولا يرون خراباً تصنعه سلطتهم بالذات؟

قد لا أعرف لماذا. ولكني أعرف النتيجة.

كاتب وناشر ومدير قناة «أي. أن. أن» الفضائية

دمشق وسلطة نكران الواقع
علي الصراف

علي الصراف

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة