Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناSunday 26/05/2013 Issue 14850 14850 الأحد 16 رجب 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

شاهد عيان

واجبات الأسرة أم تحقيق الذات؟
المرأة ..وموازنة البيت والعمل

رجوع

تحقيق - وسيلة الحلبي:

ليست المسألة نزهة ، فعمل المرأة خارج أسوار منزلها يتيح لها قدرا من الاستقلالية المادية، وتحقيق الذات، والمساهمة في نهضة بلادها .. لكن الجانب الآخر من المعادلة .. هو التضحية التي يجب تقديمها، والقدرات التي يجب امتلاكها، والأثمان السلبية التي ينبغي تفادي دفعها .. وكلها توابع ملتصقة سيامياً بعمل المرأة وخروجها من المنزل لكسب العيش .

القضية قديمة جديدة، وهي - في النهاية - مسألة قدرة على (التوازن)، فالإشكالية تبدو كأرجوحة تحتاج مهارة في الاستمتاع بها وتفادي مخاطر السقوط منها، وهو ما نحاول سبر بعض أسراره .. كي يكون التوازن متاحا لتلك التي قررت الخروج للعمل .. فتكسب من كدها وعرقها .. وتتفادى المزالق التي قد لا تبدو جلية في البدء .. لكنها قطعا تقف في مكامن التربص .. لتهجم هجماتها الغادرة على الأسرة واستقرارها إن لم يتم التحوط لها .

هذه وتلك (غير) !

في البدء .. ترى الاختصاصية الاجتماعية فريال مكي كردي أن نجاح المرأة في الاختيار الصائب بين عملها من جهة، ومسئوليتها كزوجة وأم من جهة أخرى،تتقاسمه عوامل شتى منها طبيعة المرأة نفسها وقدرتها على خوض التجربة : «المرأة القوية نفسيا والتي تستطيع تحمل ضغوطات العمل غير المرأة التي ينعكس عملها على بيتها وعلاقتها بزوجها وأبنائها. كما أن المرأة الواعية بدورها الزوجي والتربوي تعي مقومات العلاقة الزوجية الناجحة وتعي مقومات التربية السليمة وأهدافها والوسائل المناسبة لها». الكردي ترى أيضا أن مثل هذه المرأة قد تكون مدة بقائها في المنزل قصيرة ولكنها تكون فعالة و مؤثرة و مركزة، بعكس المرأة غير الواعية التي تجلس الساعات الطوال في البيت دون أن يكون لها دور إيجابي مع أبنائها، فتبدو مهملة في رعاية زوجها عاطفيا و نفسيا، ومهملة في تربية أبنائها . كما أن من العوامل الأخرى ـ تقول كردي ـ معرفة طبيعة العمل نفسه والهدف المتوخى منه: «العمل الذي يستهلك وقتا و جهدا عصبيا و ذهنيا غير العمل الأقل جهدا ووقتا، كما يختلف الهدف من العمل من امرأة إلى أخرى، فمن النساء من ترى في العمل مجالا لإحراز النجاح وإفادة المجتمع وتحقيق الذات، كما أن هناك من ترضى أن تكون مجرد موظفة قابعة خلف مكتب تمارس الثرثرة، وتجعل العمل وسيلة للتسلية بدلا من قضاء أوقات مملة بالبيت»

وتواصل كردي تصنيفاتها مشيرة إلى إن هناك من النساء من ترى العمل وسيلة لتحقيق الاستقلال المادي والذي تشعر معه بالأمان من تقلبات الزمن، كما أن هناك من تفضل القرار في البيت دون تحمل أي مسؤولية أو لتستطيع القيام بواجباتها الزوجية على أكمل وجه ثم التفرغ لتربية أبنائها تربية صالحة .. وهكذا، حيث يجب على كل امرأة أن تحدد هدفها أولا لكي تختار الوسيلة المناسبة للتنفيذ. لكن الاختصاصية الاجتماعية فريال كردي تقدم نصيحة ختامية لكل امرأة اختارت عن طواعية أن تقر في بيت الزوجية : «أهمس في أذن مثل هذه المرأة ألا تتخذ هذا البقاء ذريعة لإهمال ذاتها بحجة التفرغ للبيت والزوج والأبناء، وان تحرص على تنمية ذاتها إيمانيا وعقليا و نفسيا وسلوكيا وجسديا، بل لابد أن تضع لنفسها أهدافا يمكن تحقيقها داخل بيتها، ووسائل لتنمية شخصيتها و تنمية قدراتها و مهاراتها، تفاديا لحدوث التباعد النفسي والفتور والصمت الزوجي».

الخريجي : نحتاج المؤسسات

جانب آخر من الإشكالية يتعلق بالأبناء، فالمكان الآمن الذي يستظلون به في غياب أمهم العاملة يبقى محطة مهمة للوقوف عندها، خصوصا في ظل مشاكل الخادمات التي يبدو لها أول ولا يبدو لها آخر .

المستشارة الأسرية سارة الخريجي تشير إلى اضطرار المرأة العاملة لترك أبنائها فترة قد تطول أو تقصر حسب مدة الدوام الرسمي أو المهمات والانتدابات وغيرها، مؤكدة أن البقاء مع المربيات و الخادمات غير مأمون العواقب : «أما مع وجود الرفقة الصالحة المأمونة للطفل .. فإن قرار العمل يصبح أسهل، فأطفال ما قبل سن المدرسة يحتاجون إلى عناية فائقة أكثر من الأطفال الأكبر سنا، والأطفال الذين يتحملون المسؤولية أثناء غياب الأم غير الأطفال عديمي المسؤولية، و الأبناء ذوو الاحتياجات الخاصة غير الأبناء الطبيعيين» تواصل الخريجي : «لذلك لابد من توافر حضانات تعي دورها التربوي، أو حتى مؤسسات رياضية وترفيهية موثوق بها تساعد الأم وتكون مكملا لدورها، على أن تكون هذه المؤسسات خاصة يقوم بها رجال الأعمال أو سيدات الأعمال، أو تكون مرفقة بجهة العمل سواء كانت حكومية أو خاصة مما يجعل المرأة العاملة تقوم بعملها وهي مطمئنة على أبنائها بعيدا عن غدر الخادمات ومخاطرهن» .

الأولوية للبيت

وتعود الاختصاصية الاجتماعية فريال الكردي متحدثة حول كيفية موازنة المرأة العاملة بين البيت والعمل، مشيرة بأنه لا بد أن تضع المرأة العاملة البيت والأسرة في الأولوية، ثم يأتي بعد ذلك العمل، بشرط أن لا تهمل المرأة عملها لأنه أمانة ثانية أضافتها المرأة بنفسها : «ومن أجل تحقيق تنظيم وتوازن جيد لابد أن تحدد المرأة العاملة جميع الأشياء التي تريد القيام بها في كل يوم على حدة، لأن هذا يساعدها على التوزيع الجيد للوقت، بحيث تفي بكل المهام شاملة عملها واهتمامها بزوجها وأولادها وبيته، كذلك عليها أن تحدد الاشياء التي تضيع الوقت لتلغيها من يومها مثل المكالمات الهاتفية التي لا ضرورة ملحة لها، ويمكنها تحديد وقت محدد لها عندما تفرغ من إتمام مهامها الأساسية. واذا كان على المرأة العاملة القيام بعدد من الواجبات أو الأعمال الضرورية خارج المنزل فعليها تجنب تكديسها جميعها في يوم واحد، وجعل المشاوير القريبة من بعضها لتكون في نفس اليوم وفي ساعات غير مزدحمة اختصارا للوقت» .

وترى الكردي أن بإمكان المرأة العاملة تخصيص يومين في الأسبوع للقيام بالأعمال المنزلية حيث يمكنها الطهي لثلاثة أيام مثلا في يوم واحد، ونفس الأمر بالنسبة للغسيل أو تنظيف الشقة، وقدمت الكردي في هذا الشأن حزمة من النصائح للمرأة العاملة، مشددة على ضرورة حصول هذه المرأة على قسط وافر من النوم أثناء الليل حتى يتوفر لها النشاط اللازم لتأدية مهامها خلال اليوم العملي. وعليها أن تصنع صلات قوية مع أفراد العائلة حتى يمكنها الحصول على المساعدة عندما تحتاج إليها. كما لابد من تخصيص بعض الوقت لعمل الأشياء التي تحبها حتى تجدد من طاقتها الداخلية.

وبما يشبه التحذير من ضريبة النجاح المبتور، تحدثت الكردي عن مثال لا تريده أن ينتشر بين الأمهات العاملات : «هنالك فئة من النساء نجحن في التوفيق بين العمل في المنزل وخارجه، لكن النجاح كان على حساب صحتهن واهتمامهن بأنفسهن، إذ تسجن المرأة نفسها داخل قفص إرضاء العائلة من زوج وأطفال دون اكتراث لما يتعلق بها شخصيا، مما يؤدي إلى نشوب مشاكل جسيمة بالبيت ومع الزوج أساسا الذي يريد من زوجته أن تكون امرأة خارقة، إذ يطلب منها أن تساعده في تحمل نفقات البيت، كما يطالبها بأداء كل الواجبات على أكمل وجه دون مد يد العون لها».

تفهم الزوج .. حجر الأساس

لكن المستشارة الأسرية سارة الخريجي كان لها رؤية رصدناها حول تفهم الزوج لعمل زوجته العاملة، حيث أكدت أهمية معرفة المدى في التفهم من الزوج لعمل الزوجة، ومدى رغبته و اقتناعه بهذا الأمر، ثم مدى وعيه بدوره الأبوي والأسري : «هناك بعض الرجال لا يقبل عمل زوجته بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى، وهناك من يسمح لزوجته بالعمل مشترطا ألا يؤثر هذا العمل على البيت والأولاد . وهناك بعض الرجال من يسمح لزوجته بالعمل حتى تساعده في مصاريف البيت لأن دخله وحده لا يكفي . كما أن هناك من يسمح لزوجته بالعمل لأنه مقتنع بأن زوجته لابد أن تحقق ذاتها و تثبت نجاحها و تؤدي رسالتها المجتمعية في موقعها أيا كانت . لذلك لابد من مشاركة الزوج في تحمل المسؤولية التربوية والأسرية فالزوج المشارك في تحمل المسؤولية التربوية يختلف عن الزوج الذي يلقي بالمسؤولية كلها على عاتق الزوجة الأم، ومن هنا أقول للرجال إنه يتوجب عليهم مساعدة زوجاتهم في البيت وتفهمهم للتعب الذي يتعرضن له ومد يد العون ولو بأبسط الأمور كالاعتناء بالأبناء مثلا أو وضع المائدة فلا عيب في ذلك إذ أن سيد الخلق (صلى الله عليه وسلم) كان في خدمة أهل بيته».

توافق على الأدوار (الأخرى)

وفي النهاية أجمعت الأخصائية الاجتماعية فريال مكي كردي والمستشارة الأسرية سارة الخريجي على ضرورة أن تتفادى المرأة أي إهمال تجاه دورها الاجتماعي و دورها الإصلاحي في محيط مجتمعها، مشيرتين إلى أن المشاركة في الجمعيات التطوعية والأعمال الخيرية بما لا يتعارض مع متطلبات البيت من الوسائل الفعالة لإنجاز رسالة حواء وإثبات ذاتها.

وأنه يمكن لها أيضا أن تمارس عملا وهي بالمنزل ولا تحتاج إلى كثرة الخروج كأعمال التطريز و الخياطة والتسويق أو الأعمال الأدبية أن كانت تملك الموهبة أو الأعمال عن طريق الإنترنت كتصميم المواقع و الترجمة إذا كان عملها خارج المنزل يؤثر تأثيرا سلبيا على بيتها وأسرتها.

محطة الوصول

عمل المرأة لم يعد أمرا استثنائيا، فالسعوديات تجاوزن مرحلة الإقناع للآخرين بضرورة اقتحامهن مجال العمل العام، وخصوصا حين توفر الضرورات، والأسر حين استثمرت في بناتها بتأهيلهن وتعليمهن، كان الهدف تمكينهن من صنع حياة أفضل، كما أن الدولة نفسها كانت حصيفة وهي تفتح مجالات التعليم بتخصصاتها المتعددة أمام الفتاة السعودية، وتتيح لها التدريب وصقل المهارات، فنماء الوطن لا يتم إلا بتكاتف السواعد بين كل المواطنين .. ذكورا وإناثا .

نجاح عمل المرأة سيؤتي أكله حين يقوم على القواعد الراسخة : التفهم المجتمعي والأسري وتفهم الزوج، والقناعة بضرورة خروج المرأة للعمل من أجل حياة أفضل، والعمل الجماعي من أجل تسهيل مساهمة المرأة في العمل خارج المنزل، بالمعينات التي تحفظ الأطفال من الإهمال.

بتلك المعادلة يصبح التوازن ممكنا، بما يتيح الانطلاق الآمن لعمل المرأة .. وبما يوفر له بيئة المسار دون مطبات أو عوائق .

رجوع

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة