Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناMonday 27/05/2013 Issue 14851 14851 الأثنين 17 رجب 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

كان انتقال القدسية من جوهر الدين إلى الأشخاص آخر مرحلة وصلت لها الديانات النصرانية واليهودية قبل الثورات المدنية والإنسانية والعلمية عليها، وكان آخر المواجهات ما عُرف بثورة كوبرنيكس، والتي ترجع إلى تبنيه فكرة وجود الشمس وليس الأرض كجسم ثابت في مركز المجموعة الشمسية على أن تتحرك الأجسام الأخرى حولها، وقف كوبرنيكوس مناهضاً لتعاليم بطليموس عن مركزية الأرض، وكان من نتائج أطروحات كوبرنيكوس أن تخطت حدود الفلك لتؤثر في الموقف من الدين الجامد، وفقد قال كوبرنيكس إن الأرض تدور وأنها ليست مركز الكون ضاربا بذلك بنظرية بطليموس وأرسطو عرض الحائط، والتي دعمتها الكنيسة لمدة 12 قرنا، وجعلت مجرد التشكيك في هذه النظرية كفرا.

لم يكن الدين الإسلامي في قرونه الأولى مناهضاً للعلم والعقل، بل كان يدعو للتفكير والتبصر في مختلف نواحي الحياة، وكان بزوغ فجره بمثابة الفتح الإنساني على العلوم، والدليل كثرة الإنجازات العلمية في المجتمع العربي العلمي بعد قرون قليلة من انطلاق رسالته، لكن الخلافات السياسية والسلطوية ألقت بظلالها على تلك المبادئ الرائعة، وبدأ التغيير بإكثار الحواشي والتفسيرات والتأويلات والتدوين في المنهج، وزاد ذلك استخدام النصوص في الإقصاء المذهبي وفي محاربة العلوم والحكمة الإنسانية، ليحدث أول صراع بين النقل والعقل أو بين الشريعة والعلم في القرنين الثالث والرابع الهجري، وتدخل الحضارة الإسلامية عصر الجمود، وعزل العقل عن الحياة العامة، واختزال التفسيرات العلمية في مختلف أنحاء الحياة على أخبار الآحاد والأحاديث المروية، وقد وصل بهم الحال أن أنكروا حقائق علميه أثبتها المسلمون الأوائل في القرون الأولى مثل كروية الأرض.

كان المعتزلة من أوائل من حاول إيجاد اجتهاد يحل إشكالية التعارض، عندما اتخذوا موقفاً من الأحاديث التي تخالف مبادئهم العقلانية، وكانوا مدركين تماما لكثره الأحاديث الموضوعة عن الرسول -صلى الله عليه، سلم-، ونظرا لأن تكذيب الحديث وصحته وعدم الإيمان بمضمونه وإسناده كان أمرا لا يدخل في دائرة الإلحاد في ذلك العصر، بخلاف الحال مع تكذيب والتشكيك في نصوص القرآن الكريم، فقد مالت المعتزلة إلى رفض كل الأحاديث التي تتعارض مع النصوص القرآنية والعقل وأصولهم الخمسة، ولم يقبلوا أي حديث لا يتفق والمبادئ التي أعلنوا تمسكهم بها تمسكا شديدا، وقد بدأ الخصام أو النزاع بين المعتزلة وأهل الحديث مبكرا جدا، ووصلت حدة الصراع إلى دواوين الخلفاء والسلاطين، وكان كل منهما يستخدم العامة والخليفة من أجل إقصاء الآخر، ثم إنهائه تماماً، ولكنهما لم ينتهيا، وظلا يسيران في خطين متوازيين في العقل المسلم، لكنهما لا يمكن أن يلتقيا، وقد حاول بعض العلماء التقريب بين هذين الخطين.

فقد قدم ابن رشد في عصر المسلمين الذهبي في الأندلس حلا توفيقياً في الخصومة التاريخية بين العلم والنصوص القرآنية والأحاديث النبوية، وذلك في مسألة العلاقة بين الشريعة والحكمة أي بين الإيمان والشك المنهجي، وذلك في كتاب (فصل المقال وتقرير ما بين الشريعة والحكمة من الاتصال)، وقد أشغلت هذه المسألة الفلاسفة من الكندي، الفارابي، الغزالي، ابن سينا، وقد كان الغزالي قد رأى في كتابه تهافت الفلاسفة أنهم يخرجون من الدين عندما كفرهم في شكوكهم وبعض آرائهم العقلانية من الدين والغيب، لكن ابن رشد أعاد موقف الكندي، وقال أن لا تعارض بين الدين والفلسفة، أي لا اختلاف بين الشريعة والعلم، وإذا كان هناك ثمة تعارض، فالتعارض ظاهري بين ظاهر نص ديني وقضية عقلية، ونستطيع حله بالتأويل وفقا لقواعد وأساليب اللغة العربية.

كذلك قدم ابن تيمية حلاً لإشكالية التعارض العلمي مع الإيمان، عندما وضع قاعدة نصها أن “العقل الصريح لا يخالف النقل الصحيح، فإن اختلفا فإما أن العقل غير صريح، وإما أن النقل غير صحيح”، أي أنهما لا يمكن أن يختلفا، وإن اختلفا، فإما العقل غير صحيح أو النقل غير صحيح، وكأنه بذلك يجيز إعادة النظر في النقل الذي يخالف العلم الصريح، ولم يحكم بكفر أو إلحاد من بحث عن الحقيقة من خلال العلم والحوار البناء.

وقبل ذلك بآلاف السنين، كان البدء في إطلاق الغريزة الإنسانية في البحث عن الأدلة المادية، كما أخبر به القرآن الكريم، عندما طلب إبراهيم عليه السلام من الله تعالي أن يريه كيف يحي الموتى، وذلك ليطرد الشك ويزداد إيماناً، “(وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي)، ولم ينكر الله عز وجل ذلك على عبده ونبيه إبراهيم عليه السلام تساؤله العقلاني في البحث عن الأدلة المادية كهدف أسمى في البحث عن الطمأنينة والإيمان بالله عز وجل..، لكن دخول قدسية البشر إلى حواشي الدين الحنيف أغلقت ذلك الباب السماوي، عندما قدموا أنفسهم على أنهم الموقعون باسم الله عز وجل على الأرض، فحدث التعارض، وازدادت حدة التصادم بين العلم والقدسية، والدين الحنيف من ذلك براء.

بين الكلمات
هل يتعارض الإسلام مع العلم؟
عبدالعزيز السماري

عبدالعزيز السماري

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة