Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناMonday 27/05/2013 Issue 14851 14851 الأثنين 17 رجب 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الأخيــرة

في تاريخ الدولة السعودية الحديث هناك ظاهرة متكررة تستعصي على الفهم، هي أن التيار المحافظ يتصرف تجاه كل خطوة تجديدية بنفس الطريقة و يحصل على نفس النتائج. في البداية يكون الرفض و التأليب على الرفض، يلي ذلك مرحلة التأجيل، أي ترحيل البت في الأمر إلى المستقبل، ثم و بعد مرور عدة سنوات من التعطيل يتم القبول، مع تسلم التيار المحافظ لمكافأة التكليف بالإشراف على و بإدارة شؤون الخطوة التجديدية.

سوف أحاول في ثلاث حلقات متتالية البحث عن أسباب قدرة العقل المحافظ والمرتاب من التجديد، على تعطيل المحاولات التطويرية و تضييع أثمن الاستثمارات في طاقات الإنسان و هي الاستغلال الأمثل للوقت لتحسين فرص التدافع على أسباب الحياة.

الحلقة الأولى هذه سوف تناقش المرحلة التي تحاول فيها الحكومة في مجتمع محافظ القيام بخطوة تجديدية خارجة عن المألوف في الحياة الرتيبة العامة، وما يترتب على ذلك من الانفعالات المضادة ومحاولات الرفض، وهذه أسميها مرحلة التحريض على الرفض. الحلقة الثانية سوف تتعرض لتكتيكات وتحركات التحريض، وكيف تنجح فعلا في الحصول على تأجيل البت في مشروع التجديد، وهذه أسميها مرحلة الرفض و التأجيل. الحلقة الثالثة تناقش قدرة العقل المحافظ على ابتلاع و هضم كل مبررات رفضه لاحقا، و القفز فوق الرؤوس لتسلم مهمة الإشراف وإدارة تلك الخطوة التجديدية، بعد أن أضاع عشرات السنين و شتت الآراء.

حلقة اليوم تبدأ بمرحلة التحريض على الرفض. من خصوصيات المجتمعات المحافظة طول النفس في الممانعة و التسويف والتأجيل لكل خطوة تجديدية يثبت لاحقا أنها كانت ضرورية، وأحيانا لا غنى عنها للتطور البشري المباح.

الالتفاف الجماهيري في أي مجتمع محافظ، في شؤون الحلال الواضح والحرام الواضح حول سلطاته التشريعية والتنفيذية لم يكن يوما ما معرضا للاهتزاز، ناهيك من أن يكون مصدرا للقلاقل أو الاحتجاجات الصاخبة.

المصادر الخصبة للأخذ والرد والتسويف والتأجيل والمزايدات كانت ومازالت تتركز على تلك المحاولات التجديدية التي تتحدى ذرائع التقاليد والمفاهيم وأعراف العيب وخدش الحياء وما قد يفتح أبوابا متخيلة للمفاسد، إلى آخر القوائم الطويلة و الممتدة منذ فرضت العزلة الحضارية عقلية الارتياب والمحافظة قبل مئات السنين.

بما أن عامة الجمهور في المجتمعات المحافظة مجرد متفرج جاهز للتحريض والبرمجة، فإن ما يحدث تكرارا هو قيام مجموعة صغيرة من المحتسبين، أصالة عن أنفسهم و نيابة عن آخرين غير معروفين، برفع الصوت والتحريض ضد ما تقدمه السلطة التنفيذية كمحاولة تطويرية لخدمة المجتمع، بعد أن تضمن الموافقة من السلطة التشريعية المخولة شرعا بإمكانيات القبول أو الرفض. البداية تكون في تجمعات المجالس الصغيرة التي قد تسمى أحيانا مجالس ذكر و هي مجالس تحريض، ثم تكبر قليلا و تنتقل إلى المنابر وخطب الجمعة و منها إلى وسائل الإعلام، وحديثا إلى الفضائيات المتعاطفة.

أخيراً و بعد أن يستمرئ التيار التحريضي السكوت و يأمن العقاب يكلف نفرا منه بالذهاب إلى علماء الشريعة الكبار و بعض المسؤولين في الدولة، أو الكتابة لهم ليبصرهم بما يرى أنه محاولات إفساد و تغريب فيما قد تكون السلطة التنفيذية تنوي تقديمه كمشروع تطويري له علاقة مصلحية وثيقة بمستقبل البلاد. هذه التحركات أو المناورات تنجح كثيرا في جر المجتمع إلى مماحكات و مزايدات واتهامات متبادلة، ترتب عليها تصنيفات واصطفاءات و تبديل آراء. لكن الحصيلة الحقيقية هي إرباك السلطات التنفيذية والتشريعية و اضطرارها للتأجيل والإرجاء.

إلى الأمام
تكتيكات الرفض والتأجيل في المجتمع المحافظ (1-3)
د. جاسر عبدالله الحربش

د. جاسر عبدالله الحربش

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة