Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Friday 31/05/2013 Issue 14855  14855 الجمعة 21 رجب 1434 العدد

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

كثيرة هي المصطلحات التي قد نفهم حروفها وندرك ألفاظها لكن ليس من السهولة بمكان إدراك معناها وإتقان تمام المراد منها إلا من خلال صورة واقعية أو تمثيل حي لها.. حينئذٍ نفهم المقصود من ذلك المصطلح.. مقدمة مختصرة لتوضيح المضمون.

في عام 2005م أجرت صحيفة (واشنطن بوست) حواراً صحفياً مع كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية في عهد جورج بوش الابن وكان من ضمن ما أدلت في إطار حديثها للصحيفة ما أسمته (بالفوضى الخلاقة) التي هي أحد ثمار الفكر الأمريكي الذي يسعى إلى جَنْيِه في منطقة الشرق الأوسط بعد ما خُطِطَ له عبر سيناريوهاتٍ متكاملة ودقيقة منذ فترة تزيدُ على ربع قرنٍ من الزمن.. تحدثت (رايس) بإسهاب عن التحول الديمقراطي في منطقة الشرق الأوسط.. حتى وإن أدى ذلك التحول إلى تغيير أنظمة موالية وحليفة لأمريكا.. وصعود تيارات إسلامية إلى سدة الحكم.. وأكدت (رايس) وقت ذاك على أن بعض الأنظمة العربية الموجودة لن يُكتبَ لها الاستمرار والبقاء (فقد عفا عليها الزمن وذلك بالطبع حسب ما جاء في الصحيفة) ولذلك لن يكون هناك طريقٌ سوى طريق الفوضى وليست أي فوضى.. بل (الفوضى الخلاقة) لخلقِ عالمٍ عربيٍ جديد أو كما أطلقوا عليه (الشرق الأوسط الجديد) يفتح الباب أمام التدخل الأجنبي ليس من أجلنا ومن أجل خدمتِنا بل لتحقيق أهدافه.. والحفاظ على مصالحه.. هذا هو سيناريو صنَّاع السياسة الأمريكية التي يسعون لاستثمارها في منطقة الشرق الأوسط فما المقصود من الفوضى الخلاقة وما هي مضامينُها الخفية؟

الفوضى الخلاقة مصطلحٌ سياسيٌّ وعقديٌّ يهدف إلى إيجادِ حالة سياسية يشوبُها كما يزعمون شيءٌ من الاستقرار بعد مرحلةِ فوضى متعمدة بإثارة أحداثٍ وأزماتٍ وذلك لتحقيقِ أهدافٍ معينةٍ.. وحسب تصوري فإن هذا المصطلح أشبه (بلعبة الكراسي) حيث يتبارى المتسابقون فيها بشكلٍ دائري حول كراسي أقل عدداً من عدد المتسابقين.. وعلى إيقاعٍ موسيقيٍ سريعٍ يتوقف فجأة لتسود حالة من الفوضى والخاسر من لا يجد كرسيًّا يجلس عليه.. مثالٌ بسيطٌ يصور المعنى العام للفوضى الخلاقة.

لقد مثّلت الفوضى الخلاقة أحدَ أهمِ المفاتيح التي أنتجها العقل الإستراتيجي الأمريكي في التعامل مع قضايا العالم العربي.. وعلى خلاف ما هو سائد لمفهوم الفوضى المثقل بالدلالات السلبية ومن أبرزها عدم الاستقرار أُضيف إليه مصطلح الخلاقة إيحاءً بأنه يحمل دلالاتٍ تتميز بالإيجابية هي في صالح المنطقة العربية.. وهنا يكمنُ خبثُ المقصد الخفي خلف هذا المصطلح.. التضليل والتمويه على الرأي العام العربي والعالمي.. لقد تمت صياغة هذا المصطلح بعناية فائقة من قِبَل النخب الأكاديمية.. وصناع السياسة الأمريكية لتوظيفها في المنطقة العربية وبالتالي القضاء على أية معالم لمكامن القوة والاقتدار العربية.. ولعل كتابات (ألوت كوهين) تُمثِلُ أحد مصادر الخريطة الجينية التي بلور فيها أطروحاتِه ووجهاتِ نظره المسمومة.. لقد كان ينادي من خلالها بأمركة العالم العربي والعمل على تغيير جغرافيته عن طريق تطبيق نظرية الفوضى الخلاقة.. ومن يقرأ كتابه (القيادة العليا، الجيش ورجال الدولة، والزعامة في زمن الحرب) يدرك كم هي الحملة شرسة تلك التي يشنها هذا الكاتب اليهودي على العرب والمسلمين.. فخلاصة كتابه أنه يرى بأن الحرب على الإسلام والمسلمين هي الحرب العالمية الرابعة باعتبار أن الحرب الباردة التي اشتعلت بين أمريكا والاتحاد السوفيتي في القرن الماضي هي الحرب العالمية الثالثة.. كما أنه يؤكد بأن على أمريكا أن تنتصر على الإسلام.. هذا الطرح يتفق تماماً مع أطروحةٍ شهيرةٍ لـ(هنتنغتون) يذكرُ فيها أن الإسلام عدوٌ حضاريٌ للغرب.. وهنا لابد من التذكير بأن بعض أقطاب نظرية الفوضى الخلاقة ينادي باستخدام القوة العسكرية لتغيير الأنظمة.. كما حدث في العراق وأفغانستان ويتبنون سياسة التهديد للإسهام في تفجير الأمن الداخلي وتأجيج مشاعر الشعوب وذلك لخلق فوضى في المنطقة ولعل حالة الفوضى التي تشهدها بعض دول الوطن العربي تؤكد ما أشارت إليه (رايس) في حديثها للصحافة الأمريكية.

إن العقل السياسي الأمريكي يرى بأن الاستقرار في العالم العربي يقف عائقاً أمام المصالح والأهداف الأمريكية.. لذا فهو يسعى لتدابير تضمن تحقيق رؤيته التي تطمح للهيمنة على العالم العربي لتميزه بأنه عالمٌ غنيٌ بالنفط أولاً.. وعقائديٌّ متنوعٌ وتكثر الصراعات بين طوائفه وأحزابه مما يشكل خطراً على مصالحها.. ويبقى المشهدُ السياسي في الشرق الأوسط مشهداً يكتنفُه الغموض إلى أن تُفصِحَ الأيام المقبلة عن حقيقة ما يجري.

zakia-hj1@hotmail.com
Twitter @2zakia

عود على بدء
المضامين الخفية لنظرية (الفوضى الخلاقة)
زكية إبراهيم الحجي

زكية إبراهيم الحجي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

طباعة حفظ

للاتصال بنا الأرشيف الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة