Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Saturday 01/06/2013 Issue 14856  14856 السبت 22 رجب 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

متابعة

العلم والزهد والتواضع في سيرة الشيخ صالح الحصين
أ.د. عبداللطيف بن محمد الحميد

رجوع

معالي الشيخ العالم الوقور، الزاهد التقي، الإداري القدير، صالح بن عبدالرحمن بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن عبدالرحمن (أيضاً) بن محمد بن عبدالله بن محمد بن أحمد بن محمد وهو الملقب الحصين بن ماجد الناصري العمري التميمي.. المولود بشقراء عام 1351هـ، المتوفي بالرياض عام 1434هـ.

وبلد آل الحصين الأصلي بلدة الوقف بالقرائن القريبة من شقراء انتقلوا منها إلى شقراء حين عين الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله الحصين قاضياً للوشم من قبل الإمام عبدالعزيز بن محمد والشيخ محمد بن عبدالوهاب -رحمهم الله- في آواخر القرن الثاني عشر الهجري.

وأسرة آل الحصين أسرة علمية مباركة برز منها علماء أفذاذ قبل الدعوة الإصلاحية وبعدها. وقد ترجم الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن البسام في كتابه القيم (علماء نجد خلال ثمانية قرون) لعدد من علماء الأسرة، ومنهم: الشيخ أحمد بن محمد بن ماجد الحصين (من علماء آخر القرن الحادي عشر الهجري). ولد في بلدة القرائن، ورحل إلى علماء الشام فقرأ عليهم وعلى الشيخ العلامة يوسف بن محمد الحنفي النابلسي فأجازه بقوله (... وبعد فقد اجتمعت بمولانا الشيخ أحمد بن محمد الناصري النجدي -حفظه الله تعالى، وقرأ علي فرأيت منه ما أدهشني من حسن معرفته وحفظه وإتقانه، وبيانه وتبيانه، بأنه لو رآه الإمام أحمد (ابن حنبل) لقرت عينه به....)، ومن ذرية هذا العالم علماء فضلاء منهم:

* الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد الحصين (1154هـ - 1237هـ) ولد في الوقف، وتعلم بها القراءة والكتابة وحفظ القرآن.. ثم رحل إلى الدرعية ولازم دروس الشيخ محمد بن عبدالوهاب، وأبناءه الشيخان عبدالله بن محمد وحسين بن محمد.. فلما آنس منه الشيخ الكفاية والقدرة جعله قاضياً على الوشم ومقر عمله في شقراء، ومنذ ذلك الحين كان مقر آل حصين شقراء، فقد نقل معه أهله وأسرته وأخويه، وصار الشيخ عبدالعزيز هو القاضي والمفتي والواعظ والخطيب، وأقبل عليه الطلاب من كل حدب وصوب، وصار له محبة عظيمة لما هو عليه من الأخلاق الفاضلة والصفات الحميدة والزهد والورع والنزاهة والعفاف.

وكان - كما يقول الشيخ البسام - لا يخاف في الحق لومة لائم... منه حين دخل إبراهيم باشا إلى نجد ثم شقراء سنة 1233هـ قال له إبراهيم باشا: ماذا تقول فيّ أيها العجوز؟ فقال له الشيخ: إنك غاشية من عذاب الله سلطك الله علينا بسب ذنوبنا، أما تخاف الله وتخشى عقوبته يوم الوقوف بين يديه، اسلك طريق العفو، فمن عفا وأصلح فأجره على الله فقال: عفونا عنهم أيها العجوز.

وكان من نشاطه العلمي أن درس بالمسجد الحرام، وأشار على الشريف بأن يهدم القباب، وأن يميت البدع، ففعل. وكان هو القاضي على ولاية الأئمة عبدالعزيز بن محمد آل سعود وسعود بن عبدالعزيز وعبدالله بن سعود.. وقد أرسله الإمام عبدالعزيز بن محمد والشيخ محمد بن عبدالوهاب إلى والي مكة آنذاك الشريف أحمد بن سعيد سنة 1185هـ، ثم مرة أخرى سنة 1204هـ في زمن الشريف غالب بن مساعد.. فدارت مناظرات علمية مفيدة بينه وبين العلماء هناك، وجعل الله فيها نفعاً عظيماً.

وقد توفي هذا الشيخ الجليل في 12 رجب 1237هـ رحمه الله وقدس روحه.

* الشيخ محمد بن عبدالله بن محمد الحصين المولود في القرائن انتقل إلى شقراء لما عين أخوه الأكبر الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد الحصين قاضياً في شقراء وبلدان الوشم، ولازم أخاه بالقراءة والدرس ثم عينه الإمام سعود قاضياً على القرائن. وآل حصين الآن هم ذرية الشيخ محمد بن عبدالله، ومنهم شيخنا معالي الشيخ صالح بن عبدالرحمن الحصين.

* الشيخ الفاضل عبدالله بن إبراهيم بن عبدالله الحصين، أمير سدير عام 1256هـ وهو مع الإمارة عالم.

* الشيخ الفاضل العابد عبدالرحمن بن عبدالعزيز الحصين ولد في شقراء عام 1306هـ، ونشأ فيها وقرأ على علمائها، ثم عين رئيساً لهيئة الأمر بالمعروف في شقراء، وكان له أعمال خيرية، يبحث عن المحتاجين والأرامل والأيتام ويتولى تجهيز الأموات، وكان يسمى أبو الفقراء.. مع طاعة وعبادة وبشاشة وكرم نفس وسماحة. انتقل إلى الرياض، ثم تفرغ للطاعة والعبادة والمجاورة في المدينة المنورة. توفي رحمه الله في شعبان عام 1386هـ ودفن في البقيع. وله أبناء فضلاء هم:

- الشيخ إبراهيم، تولى التدريس في مدارس شقراء الابتدائية، ثم التحق بالعمل مع الشيخ عبدالعزيز بن باز في تحرير فتاويه وأجوبته حتى توفي رحمه الله.

- معالي الشيخ صالح رحمه الله، الذي سنتناول ترجمته.

- الشيخ سعد، من المشتغلين في الدعوة بلسانه وقلمه داخل المملكة وخارجها.

- معالي الأستاذ عبدالله وزير الكهرباء والمياه.. ومحافظ مؤسسة تحلية المياه الأسبق.

* ولد معالي شيخنا صالح بن عبدالرحمن الحصين كما ذكرنا في شقراء عام 1351هـ ودرس الابتدائية بها عام 1364هـ، ثم انتقل للدراسة بدار التوحيد بالطائف ومكث فيها من عام 1366هـ إلى عام 1370هـ، ثم انتقل إلى مكة المكرمة. وعمل مدرساً بالمرحلة الابتدائية عام 1368هـ، وعمل مدرساً بمعهد الرياض العلمي عام 1373هـ واستمر به إلى عام 1375هـ، ثم عين مستشاراً قانونياً بوزارة المالية والاقتصاد الوطني في الفترة من 1380هـ إلى عام 1391هـ، ثم عين وزيراً للدولة وعضواً في مجلس الوزراء من عام 1391هـ إلى عام 1394هـ، ثم أحيل إلى التقاعد إلى أن عين رئيساً عاماً لشئون المسجد الحرام والمسجد النبوي بمرتبة وزير في ذي الحجة عام 1422هـ، وفي عام 1424هـ اختاره خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز عندما كان ولياً للعهد رئيساً لمركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، وقد عقد المركز برئاسته لقاءات وطنية للحوار الفكري.

وتقديراً لجهوده المتميزة في خدمة الإسلام والمسلمين نال جائزة الملك فيصل العالمية في دورتها التاسعة والعشرين. وقد نال أكثر من ذلك ثقة الملوك فيصل وخالد وفهد وعبدالله والأسرة المالكة والشعب السعودي والعالم الإسلامي. وله رحمه الله ابن واحد هو الدكتور عبدالله الأستاذ في كلية الهندسة والعمارة بجامعة الملك سعود، وأربع بنات بارك الله فيهم.

قال عنه الدكتور عبدالرحمن الشبيلي: (الشيخ الحصين يلم بالإنجليزية والفرنسية وعرف بغزارة علمه ومعلوماته الحديثة، وبالفكر المستنير، وبالاجتهاد الرشيد، وبالزهد عن مغريات الدنيا، وبالتفاني في أعمال البر والتطوع لها. يقول فيه عارفوه عن قرب، والمشاركون في ندوات الحوار الفكري المتعاقبة: إن من طبعه الجنوح إلى الصمت، مغلباً أن يحتفظ بآرائه ليبديها عند الطلب، وأن من عادته تلطيف مداخلاته بالطرف والأمثال، ومراعاة توجه الأغلبية في الاجتماعات الإدارية التي يحضرها.

وهو رجل دقيق المواعيد، يحرص على حضور الاجتماعات مهما كان مقر عقدها، وكثيراً ما يسافر للمشاركة فيها ويعود في اليوم نفسه، وهو في أسفاره يبتعد عن المظاهر، ويتنقل بالدرجة السياحية، ولا يكلف أحداً بمرافقته أو خدمته أو استقباله. الشيخ الحصين شخصية ذات نسيج مختلف، يرى أن العمل الخيري والاجتماعي والإنساني أكثر إمتاعاً له من الوظيفة الرسمية، ومن المؤكد أنه لولا التزامه بإطاعة ولي الأمر لما قبل الوظائف الحكومية، وأمثاله قلة، مدرسة في نكران الذات في زمن يعج بالكبرياء وتضخيم الإنجازات الشخصية).

يقول الأستاذ زياد الدريس عندما زار الشيخ صالح الحصين في منزله بالمدينة المنورة: (تلفت في بساطة مجلسه.. تواضع ملبسه، لم أجد بداً من أن أسأل الشيخ عن حكاية الزهد والمعادلة الصعبة التي يقع كثير من الناس بين كماشة شطريها، قلت له: كيف نجمع يا شيخ صالح بين التحبب إلى الزهد، ثم دعوة الله عباده إلى إظهار النعمة؟

أجابني فوراً إجابة الخبير الممارس: ليس هناك تعارض كما يبدو لك وللبعض، بل الجلاء في التوازن بين هذا وذاك، وموجز قول ابن تيمية عن زهد رسول الله صلى الله عليه وسلم الشاكر لنعم ربه: «لا يرد موجوداً، ولا يطلب مفقوداً»، بهذه المعادلة يزن الإنسان بين زهده وشكره.

قلت: وإذا كان الإنسان يملك رصيداً ودخلاً كبيراً من المال، فكيف يزهد؟

التفت إليّ وقال: وهل ينبغي عليه أن يصرف كل ماله في ملذاته، إن الرجل الرشيد ليستهلك من أمواله ما يحتاج، ثم ينفق ما بقي لمستقبله الذي أمامه.. ليس مستقبل الدنيا فحسب، بل الآخرة).

مادمت أني أمام خبير في علم الزهد فلا بد أن أغتنم الفرصة فأسأله عن الإشكالية التي يلوكها كثير من الناس، حول الفروقات بين البخل والزهد، فكم من بخيل يتعذر لبخله بالتعلق بأستار الزهد المباركة، ولا يدري الناس أهي يده اليمنى التي امتنعت عن الإنفاق خشية الإغراق في الرفاهية.. أم هي يده اليسرى التي امتنعت عن الإنفاق خشية الإملاق؟ قلت للشيخ: (كيف نفرق بين الزاهد والبخيل؟ قال لي - دون تردد - الفارق بسيط يكمن في فعل واحد هو التخزين أو الكنز، فالزاهد هو الذي لا يخزن أموالاً لديه، فهو لا يركض وراءها، وما جاءه منها فهو ينفق جزءاً منه على نفسه والباقي ينفقه في سبيل الله. أما البخيل فهو الذي يخزن الأموال لديه فهو لا ينفقها في سبيل الله ولا على نفسه، فهو يبدو في مظهره كأنه زاهد).

وقد أحسن معالي الأستاذ فيصل بن معمر الأمين العام لمركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني حين أعلن اعتزام المركز إطلاق مشروع توثيقي يرصد الإنجازات الكبيرة التي حققها معالي الشيخ صالح الحصين رئيس اللجنة الرئاسية للمركز بهدف التعريف بجهود الفقيد في مجال التأسيس للمركز ودوره الكبير في تحقيق المشروع بدعم ورعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز أيده الله. وما أعرفه أن معالي الأستاذ فيصل بن معمر دائم الحديث عن مآثر الشيخ الحصين وزهده وتواضعه بحكم العمل سوياً طيلة سنوات في المركز.

- لا يحصى من كتب عن مآثر الشيخ صالح الحصين ومناقبه -رحمه الله- بعد رحيله يوم الأحد 25 جمادى الآخرة 1434هـ في صحافتنا المحلية.. وسأذكر في ختام هذا المقال بعض المواقف والذكريات التي جرت لي مع هذا الشيخ العالم الزاهد المتواضع:

فأولها حينما كلفتني دارة الملك عبدالعزيز بإدارة محاضرة للشيخ الحصين عن (حياة الأمير مساعد بن عبدالرحمن رحمه الله) فأعددت ما يلزم قبل المحاضرة من ترتيبات السيرة الذاتية للمحاضر وأهمية الموضوع، وقبل أن تبدأ المحاضرة همس في أذني بألا أقدم أي معلومات عن المحاضر بل التقديم للمحاضرة بإيجاز لكي يبدأ هو في صميم المحاضرة، وأدركت مدى العلم والتواضع من الشيخ لئلا استغل طبيعة التقديم للمحاضرات فأطريه أمامه أو أمام الحضور وجلهم من الأمراء والعلماء وطلبة العلم.

وثانيها: إنني قابلت الشيخ -رحمه الله- بعد خروجه من صلاة العشاء في الحرم المكي جهة باب الملك عبدالعزيز فسلمت عليه وأمسكت بيده وأمسك بيدي وقلت له سأرافقك في طريقك فلم يطلق يده ولم أطلق يدي حتى بدا التعرق فيهما، وسلكنا طريقنا جنوباً باتجاه أجياد ثم ارتفعنا إلى اليسار جهة جبل المصافي، وأخذنا يمنة ويسرة في ارتفاع الجبل ودخلنا في حارة يقطنها البخاريون.. وعلمت من خلال الحديث بيننا أننا باتجاه منزله.. وفي كل مرة يقول لا تتعب فأنا متعود على الذهاب والأياب في هذا الطريق الوعر المتعرج الذي تتسرب المياه في وسطه.. ولكنني كنت مستمتعاً بالصحبة وبالحديث وبالرغبة في اكتشاف جوانب من حياة هذا الزاهد.. ومما قال لي أنني لم أمتلك سيارة قط وأن الرياضة خير معين للإنسان.. وعندما وصلنا إلى باب العمارة أعلى الجبل التي فيها شقته قال لي.. إن أم عبدالله غير موجودة الآن فإن شئت الدخول نصلح الشاي والعشاء سوياً فمرحباً بك وإن شئت العودة فما رأيك أن أرافقك في العودة.. فشكرته ودعوت له وعدت أدراجي مذهولاً بهذا الزهد في الدنيا - فهو الرئيس العام لشئون المسجد الحرام والمسجد النبوي - ويسكن في أعلى جبل شاهق يبعد أكثر من نصف الكيل عن الحرم وفي حارة شعبية، والله لو عرفه أهل الحي لكان الخوف عليه من أمرين أن يعرف منزلته ومكانته وعلمه ومنصبه وزهده وتواضعه فيتخذ ولياً، أو أن يطمع فيه أحد من ضعاف النفوس.. وتساءلت لماذا لا يكون على مشارف الحرم أو في جناح من مقر عمله في أجياد، وأدركت أن ذلك من قدرته الفائقة على إخفاء أحواله الشخصية والإمعان في الزهد وطلب الثواب.

وثالث هذه المواقف أنني كنت أسمعه حين يقابله أو يسلم عليه أحد ثم يعرف بنفسه أن يبادره الشيخ بالقول وهل يخفى القمر.. وقد يكون الشيخ لا يعرف هذا من قبل وكل ذلك من أدبه وتواضعه رحمه الله.. ثم أن الشيخ لديه مهارة عالية وقدرة فائقة في وضع يده في صدر من يريد تقبيل رأسه فيدفعه بهدوء وقوة بالقدر الذي يمنع وصول المقبل لرأسه تواضعاً وزهداً.

رحم الله الشيخ صالح الحصين فقد كان ولياً من أولياء الله الصالحين ونحسبه أنه ممن قال فيهم ربنا عز وجل {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}.. بارك الله في ذريته وعقبه إلى يوم الدين.

- قسم التاريخ بجامعة الإمام محمد بن سعود

رجوع

طباعة حفظ

للاتصال بنا الأرشيف الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة