Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناMonday 03/06/2013 Issue 14858 14858 الأثنين 24 رجب 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

يمتاز المجتمع الألماني عن غيره بديناميكية عجيبة وقدرة فائقة على سرعة الاستفادة من العلوم وتوظيفها في التنمية الاجتماعية والاقتصادية على حد سواء. الشواهد صعب حصرها لكن يكفي ايراد أمثلة، ولعل آخرها افادة مرضى التوحد والاستفادة منهم كذلك، فما الحكاية ؟.

قبل أن ندخل في تفاصيل هذه القصة أود من باب التذكير أن أضع بين يدي القراء تعريف مرض التوحد والذي يتلخص في أنه (اضطراب في النمو العصبي يؤثر على تطور المصاب في مجالات التواصل والمهارات الاجتماعية والتخيل مع وجود سلوكيات نمطية وروتين غير طبيعي)، كما أورد الدكتور حسين الشمراني الاستشاري المختص بمركز أبحاث التوحد في مستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض. وحتى يسهل فهمنا لهذا المرض وبعيدا عن المصطلحات الاكاديمية يذكر الدكتور حسين أن سمات المرض تختلف من طفل لآخر، لكن أبرزها عدم الاهتمام لمناداة الآخرين وضعف التواصل معهم والاستجابة لهم والاندماج مع المحيط، وعدم اصدار الطفل أصوات المناجاة المعتادة كغيره من الاطفال، أما المراحل العمرية الأكبر فيتحدث المريض بنبرات غير سوية ويقوم بحركات غير طبيعية وقد تنتابه نوبات صراخ وغضب شديدة مع تأخر في تطور الكلام أو فقدانه كليا، والتعلق غير الطبيعي ببعض العادات الروتينية التي لامعنى لها، ولهذه السمات والأعراض سمي هذا المرض بالتوحد.

نعود إلى الألمان فماذا لديهم من ابداع كعادتهم وفي مجال هذا المرض المستعصي؟. قررت شركة (ساب) الكبرى لإنتاج الكمبيوتر وبرامجه استخدام الجانب البعقري لدى مرضى التوحد في تطوير منتجاتها، اذ تنوي حسب مديرها الملياردير الألماني ديتمار هوب تشغيل 650 مريضا بالتوحد في انتاج البرمجيات حتى عام 2020. ربما بعض القراء وقع الآن في حيرة، فهل مريض التوحد مختل عصبيا وفكريا أم عبقري؟. المسألة ليست لغزا، فرئيس اتحاد دعم الأطفال التوحديين في ألمانيا يقول إن بعض المصابين بهذا الداء يعجز عن تقشير برتقالة لكنه يجيد العمل على الحاسب وبرامجه، كما يذكر الاتحاد أن 50 بالمائة من الأطفال التوحديين يملكون موهبة عالية في مجال محدد وغالباً في الرياضيات وتقنية المعلومات.

ما يثير الاعجاب والاحترام حقيقة في الألمان هو كما ذكرت السلاسة والتناغم بين المؤسسات العلمية والطبية والأكاديمية من جهة، وبين نظريراتها الصناعية والخدمية والتجارية من جهة أخرى، وهذه من سمات المجتمعات المتقدمة كما لايخفى على وعي القراء الأكارم، بينما مشكلة المجتمعات والدول المتأخرة هي العكس، مع ضعف الجوانب البحثية وقلة مراكزها أصلا في بعض الدول (النامية). اذا فالألمان أسسوا المراكز التي تعنى بمرضى التوحد وعلاجهم ودعمهم ودعم أسرهم وما يتعلق بذلك من أبحاث وغيرها، ثم تجاوزوا ذلك إلى تشغيل المرضى المصابين في مجالات تقنية الحاسب، استفادة من تميزهم في هذا الجانب.

هنا لابد من الاشادة بتأسيس مركز أبحاث التوحد بمستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض والشد على أيدي من بادر بذلك، وهي شركة (سابك) انطلاقا من استشعار مسئوليتها الاجتماعية وهذا هو التحضر حقيقة، مقدمة 45 مليون ريال منحة بحثية لهذا الغرض العلمي الطبي والانساني، وعلى أيدي القائمين على هذا المركز من أطباء واداريين في هذا المستشفى العريق. وما أجدر هذا المركز بالاستفادة من آخر الأبحاث العالمية ومنها الألمانية، وبالافادة من مبادرتهم وكشفهم لقدرات التوحديين رغم مرضهم المستعصي، واذا كنا نشيد بالألمان فاننا نشيد أيضا بهذا التكاتف بين الكيانات الصناعية ونظيرتها الطبية لدينا وهذا كما قلت هو التحضر والتقدم الحقيقي، اذ تشييد الصروح الخرسانية والحديدية ليس هو التقدم بعينه وان كان ذلك مطلبا، انما توظيف هذه الصروح للنهوض وتنمية الانسان العلمية والاجتماعية والطبيه هو التقدم الحقيقي. ونشد على أيدي من يعمل بهذا المركز ونقول لهم (الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهي له) وهذه حكمة ألمانية عليكم بها، شفى الله وأعان كل مصاب وذويه انه على كل شيء قدير، والله يرعاكم.

omar800@hotmail.com
تويتر @romanticmind1

وقفة
التوحديون الألمان
عمر إبراهيم الرشيد

عمر إبراهيم الرشيد

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة