Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناMonday 03/06/2013 Issue 14858 14858 الأثنين 24 رجب 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

فتح صاحب تغريدة التحرش الجنسي أبواباً منسية في التراث، بعدما نشر رواية (منع الزبير زوجته من المساجد فأبت فقعد متنكرا في طريقها فلمسها، فتركت الخروج، وقالت: كنت أخرج والناس ناس وقد فسد الناس فبيتي أوسع لي) في تغريدة له، وقد فهم البعض من التغريدة أنها دعوة للتحرش الجنسي، وإن أنكر ذلك لاحقاً، لكن الجملة ربما خرجت عن سياقها، ولم تعد ملكاً لفهم صاحبها غير الظاهر في النص، فالمعاني واختلاف المفاهيم ملك الناس، وللناس فيما يفهمون مذاهب.

جوهر القضية ليس فقط في تغريدة قد يُفهم من معناها الظاهر جواز التحرش الجنسي، ولكن في تبعاتها التي تدخل القضية في إطار أوسع من ذلك، وهو هل جميع الأفعال والأقوال في صدر الإسلام تعتبر تشريعاً غير قابلاً للرد، أم أن الميزان في هذه الأقوال والأفعال يحتاج إلى تفصيل أكثر من مجرد فهم حرفي، وربما إلى ميزان الأخلاق والمفاهيم المتجددة عبر العصور، في إطار المقاصد السامية للدين الحنيف، ولو افترضنا أن حياتنا المعاصرة يجب أن يكون حسب الأثر الحرفي، لربما تعطلت حياتنا، وعدنا للخلف عشرات القرون..

ولو كان الأمر كذلك، فإنه حسب هذا الأثر قد يرى البعض جواز التحرش بالنساء من أجل إجبارهم على العودة إلى المنازل، وبالتالي فتح باب المعاكسة من خلال منظور شرعي يسمح للمراهقين والمنحرفين في مطاردة النساء في الشوارع، وذلك من أجل الوصول إلى المقصد الشرعي، وتطبيق الشريعة حسب الأثر.

أيضاً حسب الأثر الشهير قد يري البعض جواز رضاعة الكبير، وقد خرجت فتاوي تشرع ممارسته من أجل تجويز دخول غير المحرم إلى المنازل، وتحليل حرمة عمل السائقين والخادمات في المنازل، وربما يطالب البعض أنه حسب الأثر يجب فتح باب رضاعة الكبير على مصراعيه في مختلف أماكن العمل من أجل حل شرعي للإشكالية المعاصرة.

حسب الأثر (من أصاب منه بفيه من ذي حاجة غير متخذ خبنة فلا شيء عليه)، رأي بعضهم جواز سرقة الأشياء لحاجة إذ لم تكن في حرز، مثل ثمار البساتين والمعدات في قارعة الطريق، وقد أخرج البعض في العصر الحالي سرقة السيارات من باب السرقة التي حكمها القطع، وقد تم بالفعل تعطيل أحكام السرقة الشرعية في فاعليها، ويدخل في هذا التعطيل إعادة إنتاج مفاهيم لم تعد صالحة في عصر أصبحت السرقة فيه لها أساليب في غاية الذكاء والدهاء، وتحتاج إلى مزيد من الشروحات القانونية.

حسب الأثر أيضاً أفتى البعض بجواز إعادة إقتناء الجواري والعبيد، وهي ممارسة كانت مقبوله في صدر الإسلام، وتم تداول بيع وشراء الجواري والعبيد إلى زمن قريب، لكن قوانين الحقوق الإنسانية التي أقرتها الأمم المتحدة في القرن الماضي، مارست الضغوط على المجتمعات التي كانت تسمح بتملك الجواري والعبيد، وتم تحريرهم في قرار شجاع لا رجعة فيه، لكن مع ذلك لا زال البعض يرى أنها جائزة حسب الأثر.

حسب الأثر أفتى بعض علماء الدين أن تعدد الزوجات والتمتع بهن سنة يجب إحياؤها، وقد فتح هذا الاجتهاد أبواب المسيار والمسفار وغيرها من أنواع الزواج التي أصبحت أشبه بموديلات الموضة في العصر الحديث، وظهرت في البلاد سوق رائجة للزواج المؤقت، كما فتحت هذه الفتوى جواز السفر والترحال للرجال الطيبين إلى البلاد البعيدة من أجل الزواج المؤقت، ثم العودة في خشوع وطاعة لبيت الزوجية، بعد أن مارس حقه الطبيعي حسب الأثر.

حسب الأثر أفتى مشائخ بجواز الزواج من قاصر لا يتجاوز عمرها التسع سنوات، اعتقاداً منهم أنهم بذلك يحيون السنة بسلوك أصبح يدخل في حكم الجريمة الإنسانية في هذا العصر، وقد تزوج بالفعل رجل تسعيني بقاصر عمرها تسع سنوات منذ سنوات، وذلك دليل آخر على وجوب إعادة النظر في أشياء كثيرة وغير مقبولة من خلال أخلاق العصر، وليس فقط من زاوية أنها حسب الأثر كانت جائزة في عصور خلت.

حسب الأثر أفتى بعضهم بجواز قتل المدنيين الآمنين في المجمعات المسالمة، وذلك تطبيقاً لمبدأ إرهاب الأعداء، وقد تطايرت أشلاء الأجساد في شوارع المدينة، وذلك لأنهم أعتقدوا أن في الأثر ما يشفع لهم تلك الفعلة الشنيعة أمام الله عز وجل في اليوم الآخر، وأنهم سيُثابون على فعلتهم الإجرامية، لكنهم لم يدركوا أن هذه الجرائم تخالف بديهيات الدين الحنيف، فالدين يصون دماء وأموال الآمنين أياً كانوا.

حسب الأثر يرى بعضهم أن لصاحب الشأن الطاعة المطلقة مهما فعل، وإن جلدك على ظهرك وسرق مالك، وهو حكم لم يعد له مكان في أخلاقيات ومفاهيم العصر الحديث، وفي زمن أصبح مفهوم العدل فيه ليس في توزيع الأموال بسواسية، ولكن في المساواة المطلقة بين الناس أجمعين تحت مظلة القانون.

بين الكلمات
حسب الأثر..
عبدالعزيز السماري

عبدالعزيز السماري

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة