Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناWednesday 05/06/2013 Issue 14860 14860 الاربعاء 26 رجب 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

كم هو جميل أن يلتقي العلماء والباحثون وطلاب المعرفة ورجال الفكر والأدب من أنحاء متفرقة من مملكتنا الحبيبة، في طيبة الطيبة مدينة المصطفى صلى الله عليه وسلم ومهاجره، وعاصمة الإسلام الأولى، ومنها شع نور الإسلام وامتد إلى أرجاء الأرض، فكانت الحضارة الإسلامية

التي انصهرت فيها ثقافات متنوعة من الشرق والغرب وتجارب إنسانية فريدة، كيف لا وديننا الإسلامي هو دين العلم والتسامح، دين العقل والحكمة.

لقد ظلت المدينة المنورة على مر العصور حاضنة للعلم والعلماء، والمسجد النبوي الشريف منار إشعاع للقرآن والسنة، والتاريخ الإسلامي وحضارته. وقد نبغ من أبناء المدينة علماء أجلاء تركوا لنا إرثاً علمياً وثقافياً وأدبياً متنوعاً، ومن أولئك الرواد الأوائل السيد أمين بن عبدالله مدني- رحمه الله - الذي تلقى تعليمه المبكر في رحاب المسجد النبوي، وفي مدارسها، خدم دينه ووطنه في مراكز عدة، ومنها رئاسته لبلدية المدينة المنورة، وكان شغوفاً بالأدب والتاريخ والفكر الإسلامي وهو أول رئيس تحرير لصحيفة المدينة بعد تأسيسها على يد الأستاذين عثمان وعلي حافظ، عام 1356هـ - 1937م.

تفرغ أمين مدني للكتابة والبحث، وسافر إلى أقطار عديدة وزار مكتباتها ومتاحفها، وحضر منتديات علمائها وجادلهم بالحسنى ودافع عن تاريخ جزيرة العرب وحضارتها. جعل من منزله العامر بالمدينة المنورة ملتقى للأدباء والمثقفين من أبنائها ومن زوارها من داخل المملكة وخارجها،وكانت القضايا التي تطرح تنم على حس بالمسؤولية تجاه الوطن والهموم المشتركة عن أحوال الأمة العربية والإسلامية.

ترك أمين مدني إرثاً علمياً وثقافياً ثميناً، تمثل في العمل الموسوعي الكبير: التاريخ العربي وبدايته، والتاريخ العربي ومصادره، والتاريخ العربي وجغرافيته. وظهرت هذه الأعمال تباعاً مع بدايات نمو التعليم وانتشاره على امتداد رقعة الوطن من عهد الملك عبد العزيز - رحمه الله - وتأسيس المعاهد والكليات ثم الجامعات.

لقد نافح أمين مدني في مؤلفاته عن الجزيرة العربية وحضارتها، ونقد ما كتبه المستشرقون والعرب الذين انتقصوا من حضارة العرب والإسلام في جزيرتهم العربية، كما أنه لاحظ على المؤلفات العربية المتأخرة تعلقها بآراء المستشرقين فيما يخص التاريخ العربي ومصادره، ولهذا نجده -رحمه الله- يُنْصف جزيرة العرب من منظور العالم المتمكن إذ يقول:

« إن أحداث الجزيرة العربية لها شأنها الكبير في تاريخ هذا الشرق وأممه من فجر الحياة، فلقد تحملت الجزيرة العربية جزءا كبيراً من مسؤولية التاريخ العربي منذ أذن إبراهيم بالحج بجانب البيت العتيق، ولقد تحمل أبناء الجزيرة العربية العبء جميعه منذ نزل القرآن بلسان عربي مبين».

إن أمين مدني له من اسمه نصيب فقد كان أميناً في رصد الأحداث التاريخية وشرح جغرافية جزيرة العرب وسكانها وأقاليمها، وعرض مقوماتها الحضارية من تراث مادي من عمارة وكتابات ونقوش وإرث أدبي غزير، وأبحر في مؤلفات المؤرخين والجغرافيين المسلمين، واطلع على مؤلفات المستشرقين والرحالة الغربيين لجزيرة العرب، وتعامل مع تلك الجهود السابقة باحترام العالم الحصيف، فأخذ المفيد وفق النهج العلمي الرصين، وانتقد بموضوعية الاستنتاجات والآراء التي رأى أنها لا تنسجم مع الحقائق والشواهد الجلية. كما أنه لم يدّع الكمال في بحوثه ودراساته، فبالرغم من المصاعب التي واجهها كان حريصاً على إبراز تاريخ الجزيرة العربية وحضارتها والتطور الجغرافي -كما يقول- في أرض تصدرت أنباؤها تاريخ العصور الخوالي، وما زالت بعقائدها ومقدساتها وثرواتها تتصدر التاريخ العالمي.

وفي كلام أمين مدني هذا استشراف لما نلمسه اليوم على هذه الأرض الطيبة المملكة العربية السعودية وقيادتها الحكيمة، لنرى ونعايش إنجازات غير مسبوقة في مختلف مناحي الحياة ويأتي في مقدمتها التعليم والصحة والأمن والانفتاح الثقافي الموزون على العالم وتشجيع البحث العلمي وتشييد أرقى الجامعات والمعاهد وبناء المصانع والمعامل، وإرساء البنى التحية ضمن تنمية مستديمة متوازنة شملت أرجاء الوطن، وفوق هذا وذاك بناء جيل متسلح بالعلم والمعرفة، متمسك بدينه مدرك لمكتسبات وخيرات بلده. وإذا كان أمين مدني قد شهد في حياته بدايات اهتمام الدولة بالتراث الثقافي والتشجيع على اكتشافه والتعريف به، فها نحن اليوم نلمس ما كان يتمناه أمين مدني قد أصبح واقعاً ملموساً نعيشه على أرض الواقع، إذ تم الكشف عن حضارات عربية وإسلامية ومواقع استقرار بشري تعود إلى عصور لما قبل التاريخ وأصبح تحت نظر الباحثين مصادر موثوقة لكتابة تاريخ العرب والإسلام في جزيرة العرب وكانت جسرا للتواصل الحضاري مع الأمم الأخرى البعيدة والقريبة، وقد أكرم الله هذه الأرض بأن تكون موطن رسالة الإسلام الخالدة، ومهوى أفئدة المسلمين، ومن نعم الله على بلادنا وقادتها من عهد مؤسسها الملك عبد العزيز - رحمه الله - إلى عهد الملك عبد الله - أيده الله- أن جعلهم خداماً للحرمين الشريفين وحجاج بيت الله والزائرين والمعتمرين، والمسلمون اليوم يشاهدون الإنجازات الكبرى للحرم المكي والمسجد النبوي الشريف، في توسعتهما والعناية بهما تسهيلاً للحجاج والمعتمرين والركع السجود.

إنه شرف لي أن أتحدث نيابة عن رئيس وأعضاء اللجنة العلمية لجائزة أمين مدني للبحث في تاريخ الجزيرة العربية، في احتفالها الخامس الذي يقام ضمن فعاليات المدينة عاصمة للثقافة الإسلامية، وقد أحسنت الأمانة العامة لهذه الفعاليات بتنظيم سلسلة من الأمسيات تكرم فيها أعلام المدينة المنورة في القرن الماضي وما أجمله من تكريم لواحد من رواد الأدب والعلم والثقافة - أمين مدني رحمه الله - كما أن أمانة الجائزة وبالمشاركة مع نادي المدينة المنورة الأدبي، تحتفي كذلك بمنح الجائزة لباحث وعالم في التاريخ، من أبناء المملكة العربية السعودية، له مكانته المرموقة في مجال تخصصه، وحضوره الأكاديمي المميز في الجامعات السعودية وفي الأوساط العلمية داخل المملكة وخارجها، وهو الأستاذ الدكتور عبد الله عقيل عنقاوي.

إن جائزة أمين مدني أسست لتبقى وتستمر إن شاء الله جائزة متألقة تسهم في تشجيع النشاط البحثي ودعم الحركة الثقافية والعلمية في المملكة وفي تأهيل التراث والإسهام في تعميق معرفة الأجيال القادمة بتاريخه وحضارتها وتراثها وحفز همم الأجيال الحاضرة والقادمة في التعرف على تاريخها وحضارتها، كما أن أمانة الجائزة وأبناء أمين مدني- رحمه الله- تشعر أن إسهامها في الحركة العلمية والثقافة هو امتداد لاهتمام الدولة أيدها الله وقيادتها الحكيمة في تشجيع الأعمال الثقافية في كل ما يعود على بلادنا وأبناء الوطن بالخير والبركة.

****

* ألقيت هذه الكلمة في المناسبة الاحتفالية لجائزة أمين مدني للبحث في تاريخ الجزيرة العربية - الاحتفال الخامس- برعاية كريمة من صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة المدينة المنورة- الأحد 23 رجب 1434هـ (02 يونيو 2013م).

alrashidsaad348@gml.com

أمين مدني وتاريخ الجزيرة العربية
أ.د. سعد بن عبد العزيز الراشد

أ.د. سعد بن عبد العزيز الراشد

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة