Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناSunday 09/06/2013 Issue 14864 14864 الأحد 30 رجب 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

البيئة هي الأشياء التي تحيط بنا وتؤثر على وجود الكائنات الحية على سطح الأرض، متضمنة الماء والهواء والتربة والمعادن والمناخ والكائنات أنفسها، كما يمكن وصفها بأنها مجموعة من الأنظمة المتشابكة مع بعضها بعضاً لدرجة التعقيد والتي تؤثر وتحدد بقاءنا في هذا العالم الصغير والتي نتعامل معها بشكل دوري. ولذلك حرصت هيئة

الأمم المتحدة ومؤسسات المجتمعات المدنية وبعض المتطوعين على الاهتمام بها، وتعزيز كل ما من شأنه يرفع الوعي لدى الشعوب، ويقف أمام عبث المغامرين والمخربين، وحرصت كل الدول في دساتيرها وأنظمة حكمها أن تخصص مواد مكتوبة تلزم بها مواطنيها ومن يقيمون معهم على تلك الأرض للاهتمام بالبيئة وما يتعلق بها، وتولت القيادة في هذا الوطن العزيز مسؤوليات الحفاظ على البيئة عن طريق إنشاء الهيئة السعودية لحماية الحياة الفطرية وإنمائها بإشراف من عرابها الأمير سعود الفيصل ورئيسها الحالي الأمير بندر بن سعود بن محمد، ذلك المسؤول الذي لا يفتأ يدافع عن احتياجات الهيئة فلم يقل عزمه ولم يضعف حماسه، ورغم كل التحديات التي تعترض طريق الهيئة، فإنها تحتاج منا جميعاً إلى بذل مزيد من الجهود للحفاظ على البيئة بزيادة ميزانيات الهيئة ومخصصاتها مقارنة بما تخصصه الدول الأقل اقتصاداً منا للسيطرة على معوقات العمل البيئي المتمثل في المناخ الجاف وزيادة حجم الوطن وقلة الوعي والحاجة الماسة لمزيد من الموظفين والمشرفين ورجال الأمن البيئي لحماية المحميات والتعامل السريع مع المخالفين لأنظمة البيئة، وما أكثرهم...

إنّ أكثر ما تميّزت به الأمم المتمدنة أنها لم تنس ما حولها، فحرصت على كل علاقة بينها وبين مكوّنات الحياة من حيوانات وأشجار وبيئة، وغير ذلك من مخلوقات الله جل وعلا أن تكون علاقة حميمية، في منظومة تكاملية، ابتداءً من ذات الفرد وانتهاءً بالمجتمع ومؤسساته بعامة وهذا المعيار الذي تختلف فيه الشعوب ويقاس عليه تمدنها وتحضرها، فحينما نرى اليابان على كثرة أمطارها ومسطحاتها الخضراء مثلاً تحرص على ألا يختلط البلاستك في ترابها، فتضع في المطاعم والأسواق والتجمعات البشرية صندوقين أحدهما للفضلات والآخر للبلاستيك، الذي إن اختلط في الأرض سيسبب التصحر لمئات السنين نجد في الوقت نفسه وعلى قلة الأمطار وغلبة الجفاف، أن البراري والصحاري والفياض عندنا قد امتلأت بأكياس الشعير الخضراء، وأكياس القمامة والعلب وبقايا الرحلات البرية وهي من الحديد والبلاستيك الذي يضر بالبيئة على المدى البعيد في مكان أحوج ما يكون إليه من ألقاها بجانبه وحول بيته وبعثرها بطريقة فوضوية، في صورة تؤكد على أن بيننا وبين تلك الشعوب مراحل وسنين لتقليص الفارق حضارياً على الأقل...

إن هذه الأمم باختلاف مشاربها لا تسمح بإبادة الحيوانات، ومن تجاوز الحد في الصيد إلى العبث والجور تعرّض للمساءلة القانونية المشددة، وفي الوقت نفسه نجد أيضا عندنا صوراً مخيفة من إبادة للأشجار تحت ما يسمّى بالاحتطاب، ومشاهد مؤلمة من الإفراط في صيد الضبان والطيور المهاجرة وغير ذلك مما يحقق وجوده التوازن البيئي، والعجب أن الناس ينقلون هذا التصرف غير الإنساني بينهم في رسائل الجوال دونما شعور بالمسؤولية الاجتماعية، والإسلام حرّم الإبادة لأي مجموعات حيوانية، فإذا حرم الإسلام إبادة النمل وترويع الحمام والحمر فغيرها من الحيوانات من باب أولى، فعن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : “ نزل نبي من الأنبياء تحت شجرة , فلدغته نملة , فأمر بجهازه فأخرج من تحتها , ثم أمر ببيتها فأحرق بالنار , فأوحى الله إليه : فهلا نملة واحدة “ وفي رواية: “فأوحى الله تعالى إليه: في أن قرصتك نملة أهلكت أمة من الأمم تسبح”، وروى الترمذي قال: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ مَحْبُوبُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَقَ الْفَزَارِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَقَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ ابْنِ سَعْدٍ قَالَ غَيْرُ أَبِي صَالِحٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ :” كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ فَانْطَلَقَ لِحَاجَتِهِ فَرَأَيْنَا حُمَرَةً مَعَهَا فَرْخَانِ فَأَخَذْنَا فَرْخَيْهَا فَجَاءَتْ الْحُمَرَةُ فَجَعَلَتْ تَفْرِشُ فَجَاءَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ مَنْ فَجَعَ هَذِهِ بِوَلَدِهَا رُدُّوا وَلَدَهَا إِلَيْهَا وَرَأَى قَرْيَةَ نَمْلٍ قَدْ حَرَّقْنَاهَا فَقَالَ مَنْ حَرَّقَ هَذِهِ قُلْنَا نَحْنُ قَالَ إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَذِّبَ بِالنَّارِ إِلَّا رَبُّ النَّارِ”... كما أن الإسلام حرّم قطع الأشجار وهدم الآبار في حالة الحرب والتي لا يستطيع أحد ما أن يتصرف في أحوالها كما كان في السلم وخير دليل على ذلك وصية أبي بكر رضي الله عنه للجيش الإسلامي “ لا تقطعوا شجرة ولا تهدموا بئراً ولا تقتلوا ...” مستحضراً رسالة الإسلام الخالدة في الحفاظ على البيئة ومقوماتها في صورة تتناقض مع من يطاردون الغزلان في المحميات التي رسمتها الدولة في تحد صريح للنظام، بل إن تلك الحيوانات من الضبان والطيور المهاجرة قد تكون سبباً للغيث والمطإذ ورد في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما قَالَ: كنت عاشر عشرة رهط من المهاجرين عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: “ يا معشر المهاجرين خمسٌ إذا ابتليتم بهن، وأعوذ بالله أن تدركوهُنَّ : لم تظهر الفاحشة في قومٍ قطُ حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاعُ التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أُخذُوا بالسنين وشدة المئونة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائمُ لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدواً من غيرهم فأخذوا بعض ما في أَيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أَنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم “ أخرجه ابنُ ماجه وهو صحيح..، بل إنني سمعت من بعضهم من يطلق صافرة أشبه بصوت الأنثى لطائر مهاجر فتجتمع الطيور في شباك الإبادة، وهذا من الكذب الذي ترك بسببه الصحابة أخذ الحديث من رجل كان يكذب على دابة بأن يقدم لها الإناء فارغاً ليمسكها.

كما أن القضية التي يجب علينا ألا نغفل عنها وتؤرق العقلاء هي قضية التراب والبيئة وما فيها من جبال وسهول وأنهار وتخوم لمحاذير شرعية، إذ ورد عن ابن عباس رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ملعون من سب أباه ملعون من سب أمه ملعون من ذبح لغير الله ملعون من غير من تخوم الأرض ملعون من كمه أعمى عن طريق ملعون من وقع على بهجة ملعون من عمل بعمل قوم لوط “، رواه أحمد وصححه الألبانى في صحيح الجامع . وتخوم الأرض أي معالمها وحدودها، وأحدها تخم، قيل : أراد حدود الحرم خاصة : وقيل هو عام في جميع الأرض، وأراد المعالم التي يهتدى بها في الطريق . وقيل هو أن يدخل الرجل في ملك غيره فيقتطعه ظلماً...

فالتراب عنوان السيادة عند الأمم كلها، فلا تسمح بتصديره ولا ترضى باختلاطه، ولا ترضى بدفن النفايات الضارة فيه، ويكفينا ما ورد من مضامين تاريخية في معركة القادسية، إذ نصت المصادر على أن رستم قال لـ ربعي بعد أن حلف بإلهه: لا تغادر خيمتي حتى تحمل من تراب الخيمة على رأسك - إهانة له - فضحك ربعي بن عامر، وقال: هذا أول النصر إن شاء الله. ولما مضى التفت إليه الوزراء، وقالوا له: أسأت، إن هذا معناه أنهم سوف يملكون أرضنا، قالوا: ردوه إلينا، فذهبوا وراءه فلم يجدوه؛ لأنه قد وصل إلى جيش الإسلام. فلما رآه سعد أقبل، قال: ماذا على رأسك؟ قال ربعي: تراب سلمنيه من أرضه. قال سعد : الله أكبر! إنا إذا دخلنا قرية قوم فساء صباح المنذرين، فكبر المسلمون.

أيها السادة إن النهضة التي يشهدها الوطن العزيز في المجالات كافة ومنها القطاع الصناعي وبناء المدن الصناعية والتي تستبيح البيئة وما فيها من حيوانات ونباتات ومراع تحتم علينا أن تصرف هذه الشركات العملاقة جزءاً من جهودها المادية والمعنوية لعلاج تلك الآثار في التصحر والجفاف والصحة، وأن توقع شراكات فعالة مع الهيئة السعودية لحماية الحياة الفطرية لصرف مزيد من الاهتمام بالإنسان والحيوان والنبات والبيئة التي يعيشون عليها، وكانت لنا تجربة سابقة ناجحة مع أرامكو التي ضربت أروع الأمثلة في الخدمة المجتمعية برعاية الدولة أعزّها الله جلّ وعلا ...

والله من وراء القصد..

abnthani@hotmail.com
عميد الموهبة والإبداع والتميز البحثي بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

إبادة الطيور والضبان والبلاستيك كارثة على البيئة والحياة الفطرية
د. عبدالله بن ثاني

د. عبدالله بن ثاني

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة