Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناThursday 20/06/2013 Issue 14875 14875 الخميس 11 شعبان 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

أشفق على المؤرخ الذي يعكف هذه الأيام على تتبع الأحداث، ورصد التحولات، ومحاولة قراءة مستقبل العالم ومنطقة الشرق الأوسط على وجه الخصوص.. ليس فقط لتشابك ما هو جاثم على أرض الواقع من صراع وعنف، وسرعته، واختلاف وجهات النظر الرسمية حوله، ولكن للمشاركة الشعبية الواسعة فيه قولاً وفعلاً، وتحدث الكل عنه حتى من هم خارج الحدود وممن لا يفقهون في السياسة وتربيطاتها سواء أكانوا من أنصاف المثقفين أو صغار الكتاب والمغردين الذين انبروا للتحليل والربط بين ما كان وما هو كائن وما سيكون بلغة الجزم المطلق التي لا يقدر على تحمل تبعات التفوه فيها وتبنيها إلا أكبر الساسة وأعمق المحللين.

إن المهمة الأصعب التي تقف في وجه المؤرخ الحقيقي الذي ينشد رواية الأحداث وتسطير الكتب والمؤلفات للقادم من الأجيال بكل أمانة وصدق ومصداقية وتجرد وشفافية هي في ظني تكمن أولاً في الجرح والتعديل سنداً ومتناً، وفرز الغث من السمين “كلاماً وصورة”، ليس فقط ما يقوله الساسة والمفكرون أو يكتبه الكتاب والتويتريون بل وحتى ما يصدر عن المراكز المتخصصة والدوائر الرسمية العربية والدولية، والجهات الأهلية والأحزاب والجمعيات والتيارات والمذاهب ذات الصلة المباشرة بمجريات الأحداث على أرض الواقع المشهود..

وهذه -في نظري- مهمة شاقة جداً في عالم لا يعترف بالحدود ولا يؤمن بالتخصص وليس للسن والقدر وزن أو اعتبار.

ولذا كثيراً ما تظلم الحقائق وتداس المعارف والوثائق في ظل الصراخ والضجيج الذي يراد منه ألا يكون للبؤساء والمظلومين وجود أو اعتراف حتى في سجل التاريخ الذي سيقرأ في قادم الأزمان.

إنني حين أتأمل وأمعن النظر فيما أقرأ هذه الأيام وأسمع من أطراف النزاع والصدام سواء السياسي أو الاقتصادي أو الفكري الثقافي الأيديولوجي أو الطائفي المذهبي أو العنصري العرقي أو الذكوري الأنثوي أو الإسلامي الليبرالي أو.. محلياً وخليجياً وعربياً وعالمياً..

حين يكون مني ذلك يساورني الشك وبنسبة كبيرة في قدرة المؤرخ الشخص أو حتى المؤسسة المتخصصة التجرد في نقل الحقائق وسرد الأحداث والتمتع بعدم الانحياز لأي طرف من أطراف الصراع قوياً كان هذا الصراع وعنيفاً أو أنه مجرد تراشق بالأقوال، دائماً ومستمراً أو أنه مجرد حدث عارض سرعان ما يزول، ينتظم فيه شريحة عريضة من بني آدم “ذكوراً وإناثاً” ومن أطياف مختلفة وطبقات متعددة أو أنه بين قوتين مستقلتين ذات اليمين وذات الشمال، مسرحية كان هذا الصراع أو الصدام أو أنه حقيقية لا يمكن الشك فيها حين التفرس في مجريات الأحداث والتقلب في الأقوال والأفعال المنقول منها والمحكي.

إن عليك ولدي العزيز وحفيدي الغالي الذي ما زال في رحم الغيب ولم ير نور الحياة بعد ألا تصدق كل ما يكتبه المؤرخون، وأن تكون حذراً حين يعجبك تحليل شخص ما وقراءته للأحداث، حتى الصور والأفلام الوثائقية قد تتدخل فيها يد الإنسان وتحرفها التقنية ويلعب فيها ويوظفها الساسة وأصحاب المصالح والرغبات والأهواء، وغالباً ما يكون هذا من القوي المنتصر الذي يجعل ما يكتب وينقل غطاء ثقيلاً لعقول بني الإنسان الأحياء منهم ومن هم في الأصلاب!

إن التاريخ خطير وهو في الحقيقية سلاح ذو حدين، والمؤرخ عندي غربي أو هو عربي مؤتمن على الحقيقية التي ينشدها الكل، والتاريخ الإسلامي بشكل خاص ليس هو التاريخ السياسي -تاريخ الدولة بأجهزتها المتعددة- وإنما هو تاريخ الأمة بشكل عام، لذا فإن من الخطأ العلمي الاقتصار حين كتابة التاريخ على الجانب السياسي، كما أنه من الخطأ الاقتصار على إبراز الجوانب المشرقة وتضخيمها في تاريخنا المجيد، وتغييب أو إسقاط فترات الانكسار والهزيمة والسقوط التي قد تمثل النقاط السوداء والسلبية في مسيرة الأمة، ذلك أن التاريخ وعاء لفعل الأمة، وتسجيل لحركتها ومدى فهمها لقيمها، واستجابتها لها، وقدراتها على تنزيلها على الواقع.

وهذا الوعاء لا بد أن يسجل بأمانة ودقة ومسؤولية، ذلك أن الانحياز العاطفي حين كتابة التاريخ ومحاولة إيجاد المسوغات والمبررات العاطفية والحماسية غير الموضوعية العلمية لبعض السلبيات سوف يساهم باستمرار حالة الركود والتخلف التي تعاني منها الأمة الإسلامية اليوم، وحاجتنا لمعرفة الشر ودراسة أسبابه لا تقل أهمية في المجال التربوي والثقافي بل وحتى السياسي والاقتصادي وإعادة البناء للحاضر واستشراف المستقبل عن حاجتنا لمعرفة الخير ودراسة أسبابه والطرق الموصلة إليه، وقد يكون من أبرز خصائص هذه الأمة وجود المعايير الثابتة الضابطة والمعصومة العاصمة لمسيرة العقل الإنساني والفعل البشري المنبثقة عن الوحي الإلهي، كقيم معيارية خارجة عن وضع الإنسان غير منحازة لفعله، أو تبريره، وغير متأثرة بتكوينه وظروفه، والتي يمكن من خلالها تحديد مواطن الخطأ والصواب، والسداد والانحراف، والتعرف إلى أسبابهما وكيفية التعامل مع آثارهما.

هذا ما أردت تسجيله للتاريخ وتذكير أهل الاختصاص به.. دمتم بخير وإلى لقاء والسلام.

الحبر الأخضر
قراءة في جدار الزمن
د.عثمان بن صالح العامر

د.عثمان بن صالح  العامر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة