Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناThursday 20/06/2013 Issue 14875 14875 الخميس 11 شعبان 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

كتبت مرارًا في صفحات هاته الجريدة الغرَّاء أن الوطن العربي تنقصه دراسات إستراتيجيَّة متمكنة وهادفة تعطي الحصيلة بطريقة علميَّة وموضوعية وتستشرف المستقبل بحرفية أكاديمية وتقويم مُتَّزن ورشيد

بعيدًا عن الارتجالية الفكريَّة والشطحات الزائفة؛ وتحدَّثت فيما سبق عن الدَّليل المغربي للإستراتيجيَّة والعلاقات الدوليَّة لسنة 2012م؛ ولقد لقي هذا الدَّليل في عدده الأول نجاحًا قلّ نظيره، إِذْ وزع في أكثر من مائة دولة وأصبح مرجعًا فكريًّا وأكاديميًّا وعلميًّا عن المغرب والوطن العربي والعالم بأسره، كما أضحى مرجعًا يحتذى بتوفير المعلومات والمعطيات والتحاليل الواقعية والاستشرافية، وكتابًا لا محيد عنه في الكلِّيات والجامعات والمعاهد والمؤسسات البنكية والماليَّة العالميَّة والوزارات ورفيقًا أليفًا للدبلوماسيين وآخذي القرار في العالم، وسيصدر في الأسابيع المقبلة بإذن الله عن دار النشر الفرنسية لارمتان الدَّليل المغربي الجديد لسنة 2013 بالعربيَّة والفرنسية والإنجليزية، الذي هو بدوره مفعم بالدِّراسات والتحاليل لما استجدَّ من وقائع وأحداث ولمَّا رأيناه جديرًا بالمتابعة والنقد والاستشراف، وكما يكتب الأستاذ والزميل صباح ياسين في مجلة المستقبل العربي لشهر نيسان 2013 في مقالة نقدية عنه، فإنَّ هذا المنتج الفكري السياسي الذي يحيط بقضايا عربيَّة ودوليَّة راهنة يسمح بقراءات مُتعدِّدة المداخل والرؤى، إِذْ يتسع لقضايا عربيَّة ودوليَّة، ابتداءً من قضايا المغرب العربي ومصالحه الوطنيَّة والإقليميَّة، إلى العلاقات العربيَّة والدوليَّة، مع تركيز خاص على المسائل الاقتصاديَّة والثقافيَّة والإعلاميَّة، في مقارنة موسوعيَّة معرفيَّة تلخص التفاعلات القائمة باتجاه بناء الوعي الإستراتيجي السياسي والفكري والثقافي والاقتصادي الشمولي.

وإذ يقدم هذا الدليل، في محصلة الإنتاج الفكري للمركز المغربي متعدًّد التخصصات للدِّراسات الإستراتيجيَّة والدوليَّة، نموذجًا مماثلاً لتجربة متميزة في التأليف، على غرار التجربة الفرنسية في إصدار الدَّليل الفرنسي للقانون الدولي، أو الدَّليل الفرنسي للعلاقات الدوليَّة، أو النسخة العربيَّة من الكتاب السنوي سيبري الذي يصدر عن معهد استوكهلم لأبحاث السَّلام الدولي، وهو مؤسسة مستقلة معنية بقضايا ومشكلات الأمن والسَّلام والصراع والحروب في العالم، الذي يترجم وينشر سنويًّا باللُّغة العربيَّة من قبل مركز دراسات الوحدة العربيَّة، إلا أنَّه تجاوز ذلك نحو بناء موقف فكري شمولي للقضايا العربيَّة، وبوجه خاص المغاربية، في اتِّصالها بالشأن الدولي، والتوجُّه نحو إنتاج عقل إستراتيجي سياسي عربي حداثي قابل لأن يتداخل ويتفاعل نظريًّا وعمليًا مع المعضلات السياسيَّة الداخليَّة والخارجيَّة وقضايا الاقتصاد والدَّوْلة والمجتمع، فيقدم خلالها معرفة منهجيَّة، يسهم بها في ترشيد التَّوجيه والممارسة: ممارسة علميَّة التغيير والتقدم، فالخطوة الأولى في كلِّ عمل فكري منهجي هي الخطوة التي تتسم بشجاعة أكثر وقلق مشروع في الوقت ذاته، ومع ذلك كان الدَّليل المغربي للإستراتيجيَّة والعلاقات الدوليَّة خطوة متميزة في قدرتها على الإحاطة بتلك الموضوعات ذات الراهنية والحداثة بالشأن المغربي والوطن العربي في الوقت ذاته. ولا شكَّ في أن هذه النسخة هي تأسيس لمواصلة جادة أكبر وأفضل، وقدرة على التنوّع في تناول موضوعات متَّصلة بالمستقبل المغاربي والعربي والدولي.

ولقد درج المركز المغربي متعدّد التخصصات للدِّراسات الإستراتيجيَّة والدوليَّة على أن يكون حاضرًا علميًّا وأكاديميًّا والتزاميًّا في النقاش الفكري الدَّوْلي وفي الإنتاج العلمي العالمي المعتمد ليتابع الأحداث بالبحث والتحليل والتنقيب والرصد والاستشراف البناء خدمة للعلوم الاجتماعيَّة والإِنسانيَّة وبالضبط العلوم السياسيَّة والاقتصاديَّة والعلاقات الدوليَّة. وهو عن هذا الخيار الفكري الهادف لن يحيد. وسواء أكانت تلك المحطَّات مما يصعب إدراكها وتناولها أو مما تنشرح به الصدور فإنَّ المركز المغربي متعدّد التخصصات للدِّراسات الإستراتيجيَّة والدوليَّة لم ولن يتخل عن عمله الفكري الدؤوب ووظيفته الأكاديميَّة البناءة في قراءة واستشراف ما يطرأ على المشهد المغربي والمغاربي والعربي والعالمي من أحداث ووقائع، بقلم وروح وفكر أكاديمية لا نساوم على عمليتها تحت أيّ ضغط، وتتغيا العلميَّة بحرفية عالميَّة ورفيعة المستوى والشفافية والموضوعيَّة والدِّقة ليجد الخاص والعام ضالته في موادّ هذا الدَّليل في مجالاته الدبلوماسية والسياسيَّة والقانونية والمؤسساتية والعلاقات الدوليَّة المتنوّعة والعلوم السياسيَّة المقارنة والاقتصاد والمجتمع والتنمية، فالطالب والأستاذ والباحث يجد فيه ضالته المنشودة ويعتمد عليه كمرجع يفتح له الآفاق ويعطي له الأرقام والتحاليل ويسهم في إيجاد نظرة تحليلية للماضي والحاضر بموضوعية ونقد هادف ويستشرف المستقبل برخاء فكري كبير.

كما أن الدبلوماسي المغربي والأجنبي سيجد في موادّ هذا الدَّليل كما كان قد وجد في سلفه معطيات شاملة ومجموعة في وحدات فكريَّة تغنيه أشهرًا، بل سنوات من البحث والفهم، وغبطتنا كانت كبيرة عند توصلنا برسائل من كل حدب وصوب تحيي هذا المنتج الفكري الذي لا يعلى عليه ومن القارات الخمس؛ كما أن آخذي القرار والاقتصاديين والماليين الوطنيين والدوليين وجدوا فيه كما سيجدون في هذا العدد تراكمًا معرفيًّا ونموًّا مطردًا في البيانات والكشوفات والإحصاءات والتقارير والبحوث بأرقامها ومراجعها وتاريخها وتداعياتها وطنيًّا وعربيًّا ودوليًّا...

ولا غرو أن الساحة الفكريَّة والأكاديمية تفتقر أيما افتقار إلى هذا النَّوع من المنتوَّج الفكري ينشر في آن واحد بالعربيَّة والفرنسية والإنجليزية وهو عمل ليس بالهين إطلاقًا لا من جانب كاتب هاته السطور ولا من أعضاء مكتب المركز المغربي متعدًد التخصصات للدِّراسات والعلاقات الإستراتيجيَّة والدوليَّة الجامعيين الساهرين على أن يخرج هذا الدَّليل في أحسن صيغة أسلوبًا ومضمونًا، ولأننا نؤمن أيما إيمان أننا يجب ألا نتراجع لحظة عن اختيارنا الإستراتيجي الأكاديمي كجمعية فكريَّة علميَّة ذات النَّفع العام تنأى بنفسها عن تقاليد المنابر السياسيَّة والإيديولوجية.. وأنا مع زميلنا الأستاذ خير الدين حسيب على توافق عندما يكتب أن مثل هاته المراكز في حاجة إلى أن تقوم على الحكمة والمعرفة والرُّؤْية الموضوعية الشَّاملة لتنجح وليكون لها بقاء بين الأمم وفي التاريخ.

والأمة العربيَّة الآن تمرّ بمحطة تاريخية مفصلية وحاسمة تحتاج إلى علماء ومُنظِّرين مقتدرين، فالوقت لا يسمح بالارتجال والشعبوية بل إلى رجال أكفاء ومؤسسات مقتدرة وميكانزمات جديدة ووعي سياسي وفكري جديدين وثقافة تصنَّع مستقبلاً ومصيرًا... والدَّليل المغربي للدِّراسات الإستراتيجيَّة ولدوليَّة يريد أن يكون في موقع الراصد والمتفكر في اللَّحْظَة التاريخيَّة، بوعي وفكر الباحث المتقد، وموقع الملتزم اليقظ الذي لا يخاف في الحقِّيقة والموضوعية لومة لائم؛ لأنّها الطريقة المثلى لبناء صرح مؤسساتي قويم وخدمة للشعوب والأوطان.

فالدول العربيَّة التي عرفت تغييرات سياسيَّة أدركت اليوم أن تجذير لبنات الديمقراطية من أصعب الأمور خاصة فيما يتعلّق ببناء وعي سياسي جديد بالمجال السياسي، فهذا الوعي الذي يجب أن تليه تطبيقات فعلية في المجال العمومي- السياسي يستدعي جهدًا فعليًّا، لا مُجرَّد إعلان نيات أو خواطر أو تركيب أساليب رنانة ومُدوِّية أو استبدالات لغوية يجد فيها المتفحص اللبيب علامات الانحطاط ما دامت تنتبه إلى القشور وتذهل عن المضامين الحقيقية، فالتبشير بأفكار السابقين الأولين من فلاسفة التنوير فيما يخص الانتخابات النزيهة وحكم الشعب بالشعب وتصور دستور من المستوى الرَّفيع لم يعد يكفي، فالأمر أكبر من مُجرَّد زرع مبادئ ونشرها... إنَّه إنتاج عقل سياسي عربي حديث قابل لأن يشتبك اشتباكًا نظريًّا تاريخيًّا ناجحًا مع معضلات الدَّوْلة والمجتمع في البلاد العربيَّة المعاصرة فيقدم حولها معرفة علميَّة، ويسهم بها في ترشيد الممارسة: ممارسة عملية التغيير والتقدم.

عن الدليل المغربي للاستراتيجية والعلاقات الدولية لسنة 2013
د. عبد الحق عزوزي

د. عبد الحق عزوزي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة