Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناFriday 21/06/2013 Issue 14876 14876 الجمعة 12 شعبان 1434 العدد

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

واحد من كبار التابعين المشهورين، أصله من بلاد الرأي، ونشأ وتوفي في الكوفة، إنه سليمان بن مهران الأسدي بالولاء المولود عام 61هـ، كان عالماً بالقرآن الكريم والحديث والفرائض، حتى قيل إنه يروي 1300 حديث قال عنه الذهبي: كان رأساً في العلم النافع والعمل الصالح، وقال

السخاوي: لم ير السلاطين والملوك والأغنياء في مجلس أحقر منهم في مجلس الأعمش، مع شدة حاجته وفقره، وكان من كبار المحدثين والفقهاء في عصره، وقد رفع الله قدره بالعلم وأعلا مكانته بالورع وأنزل مهابته بالزهد، وقد عُرف باسم الأعمش، حدث محمد بن جرير قال: قال عيسى بن موسى لابن أبي ليلى القاضي: أجمع الفقهاء مجمعهم فجاء الأعمش في جبة وفرو وقد ربط وسطه بشريط فأبطأوا فقام الأعمش فقال: إن أردتم أن تعطونا شيئاً وإلا فخلوا سبيلنا، فقال عيسى المذكور: قلت لك تأتي بالفقهاء، فتأتي بهذا؟ فقال ابن أبي ليلى: هذا سيدنا هذا الأعمش.

وعن عبادته قال وكيع: كان الأعمش قريباً من سبعين سنة، لم تفته التكبيرة الأولى، واختلفت عليه أكثر من ستين سنة، فما رأيته يقضي ركعة، وكان الأعمش مرحاً يحب المزاح.

فقد جاء رجل يطلبه في منزله، ووصل وقد خرج مع امرأته إلى المسجد، فوجدهما يمشيان في الطريق فقال: أيكما الأعمش؟ فقال الأعمش: هذه وأشار إلى المرأة.

وفي هذا حدث جرير قال: حدثنا الأعمش يوماً فوجدناه قاعداً في ناحية، فجلسنا في ناحية أخرى، وفي الموضع خليج من ماء المطر، فجاء إلى الأعمش رجل عليه سواد، فلما بصر بالأعمش وعليه فروة حقيرة، استهان به وقال له: قم فعبرني هذا الخليج، وجذب يده وأقامه، وركب على ظهره، وقال: امش {سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} فمضى به الأعمش حتى توسط به الخليج، فرمى به فيه، وقال: {وَقُل رَّبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلاً مُّبَارَكاً وَأَنتَ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ}، ثم خرج وترك الأسود يخبط في الماء. ومع هذا فقد كانت له منزلة عند العلماء، حيث كان مجاهد يقول: لو كنت أطيق المشي لأتيتك.

وكشأن كثير من الرجال، يحصل بينه وبين زوجته خلاف وسوء تفاهم، فقد روي أنه حصل بينهما خلاف وكانت من أجمل أهل الكوفة كلاماً، وكان يأتيه رجل يقال له أبو ليلى، مكفوف البصر فصيح يتكلم بالإعراب، يتطلب الحديث منه، فقال له الأعمش: امرأتي نشِزَت علي يا أبا ليلى، وأنا أحب أن تدخل عليها فتخبرها مكاني في الناس، وموضعي عندهم فدخل عليها وقال: يا أم فلان إن الله قد أحسن قسمك هذا شيخنا وسيدنا عنه نأخذ أصل ديننا وحلالنا وحرامنا فلا يغرنك عموشة عينيه ولا حموشة ساقيه.

فغضب الأعمش فقال: يا أعمى يا خبيث، أعمى الله قلبك كما أعمى عينيك، قد أخبرتها بعيوبي كلها اخرج من بيتي فضحكت زوجته ورضيت عنه.

وكان الأعمش لطيف الخلق محباً للمزاح، ولا يقول إلا حقاً، قدوته في ذلك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. وله نوادر كثيرة قال له داود بن عمر الحائك: ما تقول في الصلاة خلف الحائك؟ فقال: لا بأس بها على غير وضوء فقال: وما تقول في شهادة الحائك قال: تقبل مع عدلين. ويقال إن الامام أبا حنيفة رضي الله عنه عاده يوماً في مرضه فطول القعود عنده، فلما عزم على القيام قال له: ما كأني إلا ثَقُلت عليك فقال: والله إنك لتثقل علي وأنت في بيتك. وعاده أيضاً جماعة فأطالوا الجلوس عنده فضجر منهم فأخذ وسادته وقام وقال: شفى الله مريضكم بالعافية، وقيل عنده يوماًً قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من نام عن قيام الليل بال الشيطان في أذنه، فقال: ما عمشت عيني إلا من بول الشيطان في أذني.

ولكنه حسن التصرف سريع الحجة، كما في هذه الحكاية، قال أبو معاوية الضرير: بعث هشام بن عبد الملك إلى الأعمش أن اكتب لي مناقب عثمان، ومساوىء علي، فأخذ الأعمش القرطاس، وأدخلها في فم شاة فلاكتها، وقال لرسوله: قل له هذا جوابك فقال له الرسول: إنه قد آلى أن يقتلني إن لم آته بجوابك، وتحمل عليه أحد إخوانه، فقال له: يا أبا محمد افتده من القتل، فلما ألحوا عليه كتب له: بسم الله الرحن الرحيم أما بعد:

يا أمير المؤمنين فلو كانت لعثمان رضي الله عنه مناقب أهل الأرض ما نفعتك، ولو كانت لعلي مساوىء أهل الأرض ما ضرتك، فعليك بخويصة نفسك والسلام.

ومن أحسن ما قيل في التعزية، ما كتبه إلى بعض إخوانه يعزيه في عزيز لديه:

إنا نعزيك لا إنا على ثقة

من البقاء ولكن سنة الدين

فلا المعزي بباق بعد معيشة

ولا المعزّى وإن عاشا إلى حين

بل إن الأكثر أثراً، والأشد تمكيناً أسلوبه في تعزية نفسه، بشيء عملي يرقق القلوب، يقول ابن قدامة: تبعت الأعمش يوماً، فأتى المقابر، فدخل في قبر محفور، فاضطجع فيه ثم خرج منه، وهو ينفض التراب عن رأسه ويقول: وا ضيق مسكناه.

ولأنه مشهور بالقراءة فقد أراد أن يوثق قراءته وتسلسلها فقال: قرأت القرآن على يحيى بن وثاب وقرأ يحيى على علقمة أو مسروق، وقرأ هو على عبد الله بن مسعود وقرأ عبد الله بن مسعود على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وكان حريصاً على أداء العلم وإجابة السائلين، خوفاً من الإثم ويلوم نفسه إذا هو نسي شيئاً قال جرير حسبما روى أبو نعيم في الحلية: كان الأعمش إذا خرج فسألوه عن حديث فلم يحفظه، كان يجلس في الشمس يقول بيديه في عينيه، فلا يزال يوعلهما ويعركهما حتى يذكره، فإذا ذكره قال: هات عن أي شيء سألت فيجيبه، وقد رآه ابن عيينة لابساً فرواً مقلوباً، وتبانا تسيل خيوطه على رجليه، فقال: أرأيتم لولا أني تعلمت العلم من كان يأتيني؟ لو كنت بقالاً كان يقذرني الناس أن يشتروا مني.

وموقف: فقد مر بالأعمش يدل على ورعه، وخوفه على نفسه من الوقوع فيما حرم الله ورسوله: قال ابن تمير جاء رجل إلى الأعمش فقال: كلم لي فلاناً - لرجل كان يشرب الخمر - قال: والله ما كلمته قط، قال: إنه قد أخذني في الخراج فأرجو إن كلمته أن يقبل.

قال: فجاءه وكان بين أيديهم خمراً يشربونه، فقال الرجل لبعض جلسائه لأسقينه قبل أن يخرج خمراً، ولما أقبل عليهم الأعمش رفعوا الخمر فدخل الأعمش وكلمه، قال الرجل: نعم فدعا بالصحيفة فمحا ما على الرجال، وقال للأعمش تقدم يا أبا محمد، فتعرى وقال: أسقوني ماء. فقال صاحب الدار: هات نبيذاً يا غلام. قال الأعمش: لا اسقوني ماء فلم يأتوا به، ثم قال: اسقوني ماء، فقال الرجل: هات نبيذاً يا غلام، فقال الأعمش: لا اسقوني ماء، فقال الرجل: أليس يقال: إذا دخلت على أخيك فكل من طعامه واشرب من شرابه؟ فقال الأعمش: لست أنت من أولئك. ثم خرج الأعمش ولم يشرب إلا الماء.

وكان الأعمش ورعاً في علمه وعبادته، وشجاعاً في أموره، فقد بعث إليه عيسى بن موسى بألف درهم وصحيفة ليكتب له فيها حديثاً فأخذ الأعمش يكتب في الصحيفة: بسم الله الرحمن الرحيم، قل هو الله أحد حتى ختمها وطوى الصحيفة، وبعث بها إليه، فلما نظر فيها بعث إليه: يا ابن الفاعلة ظننت أني لا أحسن كتاب الله؟ فكتب إليه الأعمش أظننت أني أبيع الحديث؟ ولم يكتب له وحبس المال لنفسه.

قال عبد الرزاق: أخبرني بعض أصحابنا: أن الأعمش قام من النوم لحاجة، فلم يُصب ماء حتى يتوضأ فوضع يده على الجدار فتيمم ثم نام، فقيل له في ذلك قال: أخاف أن أموت على غير وضوء. قال عبد الرزاق وربما فعله معمر وفي عبادته أخبر عنه يحيى القطان بقوله: إذا ذكر الأعمش قال: كان من النساك وكان محافظاً على الصلاة وعلى الصف الأول.

وكان الأعمش يعبر عن ورع أهل زمانه بقوله: إن كنا لنشهد الجنازة فلا ندري من نعزي من حزن القوم. ومما نسب إليه في موعظة قوله: كان فيمن قبلنا ملك من الملوك كافر ظالم فخرج إلى منتزه له، فمطر الملك فرفع رأسه وقال: لئن لمن تكف المطر عني لأوذنيك، فأمطر المطر فقيل له: أي شيء أردت أن تصنع؟ قال: أردت أن لا أدع من يوحده إلا قتلته، فعلم أن الله سبحانه يحفظ عباده المؤمنين، وروي مثل الحكاية عن الفضيل بن عياض قال: تعبد رجل من بني إسرائيل في غار فبعث إليه شيطاناً فدخل الغار يصلي معه فقال له العابد: من أنت؟ قال أتعبد معك ثم قال: هل أدبك على أفضل مما نحن فيه؟ قال: وما هو؟ قال: اخرج بنا نطلب قرية فنأمر بالمعروف فأطاعه فأقبل رجل إليهما عند باب القرية فجعل الشيطان حين رآه يفرط فأخذه الرجل وذبحه، فقال له العابد: ما صنعت قتلت خير الناس فأجابه إنما هو شيطان، وأنا رحمة رحمك الله بها. وقال سفيان الثوري عن الأعمش: قال: كان ملك الموت عليه السلام نظيراً للناس فيأتي الرجل فيقول: اقض حاجتك فإني أريد أن أقبض روحك فشكى إلى ربه فأنزل الله عز وجل الداء وجعل الموت خفاء.

mshuwaier@hotmail.com

رجال صدقوا.. (سليمان الأعمش)
د.محمد بن سعد الشويعر

د.محمد  بن سعد الشويعر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة