Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناTuesday 25/06/2013 Issue 14880 14880 الثلاثاء 16 شعبان 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

“الصيت ولا الغنى” مثل شعبي نردده كثيرا، وأحد معانيه: أن السمعة أهم من المال. ونحن بلا شك بلد أنعم الله عليه بكثير من الخيرات ولا يحتاج الآن على الأقل إلى أحد، و لدينا أغنياء يتصدرون قوائم الأثرياء في العالم،

ولدينا عدد كبير ممن يملكون المال بشكل يفوق حاجتهم وحاجات أبنائهم من بعدهم بكثير، ولكن ماذا عن صيتنا؟ أقصد سمعتنا في الخارج كسعوديين.

بالأمس قرأت في صحفات الإنترنت الرئيسة التي يشاهدها العالم في كل مكان عبارة تندر، يرددها شباب فيما بينهم في صورة كاريكاتورية، تقول “فلنسافر إلى حيث السعوديين، ثم نكرر الشكاوى عن ذلك فيما بعد كما تعودنا دائماً”. هكذا! عبارة في منتهى العنصرية. قرأت هذه العبارة العنصرية وتألمت كثيرًا، فنحن من أكرم الناس مالاً وأنبلهم خلقاً، وطيبتنا تتجاوز الحد المألوف دائماً لدرجة أن بعض الأجانب يعتبرها سذاجة في طبعنا. ومما يؤسف له أن بعض هذه الصورة العنصرية انعكست كذلك علينا نحن، فأصبحنا نردد عن أنفسنا عبارات مماثلة ولكن لأسباب أخرى. فبعض السعوديين، والسعوديات يعيشون حياة مختلفة في الخارج عما هي في الداخل، وأكثر ما يخشونه أن يشاهدهم سعوديون آخرون بشكل مختلف عن الصورة السطحية التي يعكسون بها أنفسهم في الداخل. فنحن نمارس نقداً عنيفاً لكل ما نراه مخالفًا لصورتنا النمطية عن أنفسنا. والسعودي لا يمانع مخالطة الغرباء بعائلته أو دعوتهم لمنزله، ولكن تقوم قيامته لو عرف أن صديقاً أو قريباً له شاهد زوجته أو بنته. والمرأة السعودية، كما يقال، تتكلم بأريحية مع بائع، أو زميل عمل، أو سائق تكسي أجنبي ولكن هيهات هيهات أن يبادلها التحية سعودي. هذه الازدواجية، أو ما يسميه الأجانب كره الذات جعلتنا ننفر من بعضنا أشد من نفر العنصريين منا مما جعلنا نرسخ الصورة النمطية عنا.

واليوم بعد الهجوم المكثف من الإعلام الدولي علينا بقيادة الإعلام الأمريكي بعد 11سبتمبر، وما تلى ذلك من حماقات تورط فيها شباب منا، ليس بسبب الجهاد كما يقال، بل بحب مرضي للأضواء، أصبحت صورتنا الخارجية أشد قتامة بالرغم من عدم صحة معظم ما ينسب لنا. وأصبحت هذه الصورة مؤلمة جدا بالرغم من أنها في معظمها غير صحيحة ومشوهة. ثم أتى دور بعض المبذرين من ميسورينا، الذين ينفقون أحيانا المال بلا حساب من قبيل التفاخر مما رسخ الجانب الآخر للصورة الإعلامية السلبية عنا كشعب غني مبذر. فالسعودي اليوم ينظر له إما كمتطرف أو غني لا يحسن التصرف بالمال.

هاتان الصورتان رسخهما الإعلام الدولي عنا. المحزن أنك ما أن تحط في مطار، أو تدخل مطعماً، أو حتى تسير في شارع إلا ولاحقتك أعين الحقد والريبة. وهذه وللأسف معضلة حقيقية لا بد وأن نعترف بوجودها للعمل على تغييرها. فهذه الصورة وللأسف بدأت تترسخ لدى شبابنا وشاباتنا بشكل انعكس على نفسياتهم، وعلى نظرتهم لأنفسهم، وأخذ البعض منهم ينظر لنفسه بنوع من مركب النقص، لأنه لا أحد يصادقهم بشكل عفوي كما يتصادق الشباب عادة. وأصبح عليهم في كل مرة أن يجدوا مبررات وأعذاراً، لا داعي لها غالبًا، في الدفاع عن هويتهم. ولا ننسى أيضا دور بعض العرب الآخرين الذي يتوددون للأجانب بالكلام السلبي عن السعوديين.

فعلى السعوديين، على ما أعتقد، أن يصححوا مفاهيمهم الخاطئة عن بعضهم، قبل تصحيح مفاهيم الآخرين عنهم. كما عليهم أن يبدأوا الالتمام بعضهم على بعض في الداخل قبل الخارج، أن يتعاضدوا، و يتكاتفوا، وأن يقللوا من الازدواجية في التعامل فيما بينهم. كما يجدر بهم ألا يتكلموا بسوء عن مواطنيهم لا في الداخل ولا في الخارج. فالبريطاني يسأل أين يسافر البريطانيون ويسافر معهم، ولذلك تحسب لهم الجهات السياحية أكبر حساب كبريطانيين، وعندما تسيء بلد لبريطاني لا يسافر البريطانيون لها تعاطفاً معه. والحال ذاته مع الفرنسيين والألمان وغيرهم. وهذا ما لا نجيده نحن السعوديون ولذلك لا أحد يحسب لنا حساباً، وفي أسوأ الأحوال يأخذون مالنا و لا يحسنون معاملتنا، لأننا لا يهمنا ما يحصل للسعوديين الآخرين.

كما نتمنى أن يفكر بعض المبذرين منا الذين ينفقون المال بلا حساب من قبيل التفاخر في الخارج أن هذا أمر مشين جداً في حق سمعة بلادهم، وأنه إنما يعزز الصورة النمطية عن الخليجي الثري، الغبي، المبذر. والأجانب، وعلى وجه الخصوص الأوربيون يزدرون في دواخلهم ممن يبذر المال بغباء؛ حتى المستفيدين منهم من تبذير بعضنا يأخذون المال ويضحكون في الوجه ثم يتندرون في القفاء. و من الغربيين من هو أكثر ثراء بكثير من بعض أثريائنا المبذرين ولكنهم لا يبذرون المال حرصا على سمعتهم وسمعة وطنهم. وهم يحترمون من يبذر في أوجه الخير أكثر ممن يبذر في أوجه البذخ للتظاهر. وكثير من الأثرياء الغربيين تبنوا تطوير وبناء مساقط روؤسهم بالجامعات، والمتاحف، والحدائق والمسارح، مثل: جيتي، وكارينيجي، ومورقان وغيرهم. فلو اقتفى بعض مبذرينا أثرهم لكسبوا الصيت، والوجاهة، ولخلدهم التاريخ بما قدموه لبلادهم.

ولا بد في كل حال من الأحوال من العمل بجد على تغيير النظرة السلبية للسعوديين في الخارج، وتبني برامج وسياسات تغير ذلك حتى ولو تطلب ذلك ملاحقة المسيئين لنا قضائياً مهما تكلف ذلك من مال، لأن ذلك سيسهم في إثارة النقاش والحوار حول التفاهات التي تردد عنا. وفي رأي الكاتب فإن تبني الحوارات على مستويات عليا، كحوار الأديان أو الحضارات، أمر ممتاز للدفاع عن الدين الإسلامي والحضارة الإسلامية، ولكننا بحاجة للدفاع عن هويتنا كسعوديين أيضا.

ولا شك أن هناك بعض المحاولات الجادة لإعطاء صورة حقيقية عن السعوديين في الخارج ولكنها في بعض الأحيان وللأسف تدار بشكل غير مهني، وبشكل باذخ ينم عن عدم فهم كامل للثقافات المتلقية مما يعزز الصورة السلبية عنا. وتتخذ هذه المناسبات مجالاً لنزهة بعض المسؤولين الذين يقيمون ويصرفون بشكل لا يعكس الصورة الحقيقية عن متوسط الشعب السعودي. وهي مناسبات تكلف الكثير وتعود بالنفع القليل. فالتواصل الحقيقي يجب أن يكون على مستوى الشعوب لا المسؤولين. على مستوى الفن، والثقافة، بشكل مدروس لا بشكل عشوائي. ويجب أن نركز على إظهار الجوانب الإنسانية في ثقافتنا وألا نكتفي برقصات السيوف والخناجر التي لا يفهم مغزاها من ليس لديه فهم عميق لتراثنا.

كما يجدر بنا أن نتعلم من أعدائنا في بناء فرق تكون دائما مستعدة للدفاع عن قضايانا بشكل فوري في الإعلام الخارجي، فرق تعرف منطق التعامل مع الإعلام الخارجي ومع العقلية الأجنبية، والأهم من ذلك أن تجيد التخاطب بلغة هذه الشعوب بأعلى درجات الإتقان، وألا يتصدى للدفاع عن قضايانا من يتكلم بشكل يستغفل الآخرين أو يستخف بفهمهم، فنحن لسنا شعباً كاملاً ولا معصوماً، والمبالغة في ادعاء الأفضلية أو الكمال كلفتنا الكثير فيما مضى، وقد آن الأوان لتبني سياسات إعلامية أكثر واقعية وفعالية. فنحن اليوم أحوج لذلك من أي وقت مضى.

latifmohammed@hotmail.com
Twitter @drmalabdullatif- أستاذ في جامعة الملك سعود

الصيت ولا الغنى
د. محمد بن عبدالله آل عبد اللطيف

د. محمد بن عبدالله آل عبد اللطيف

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة