Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناWednesday 26/06/2013 Issue 14881 14881 الاربعاء 17 شعبان 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

المبالغة في المخاوف ليست هي الأسلوب الأمثل لفهم الحقائق وتحليلها واستخلاص النتائج منها. ولكن عندما تكون الحقائق غائبة والنوايا غامضة أو ملتبسة،

فإنه حق الكاتب أن يعبِّر عن مخاوفه ولو بشيء من المبالغة، لعله يجد من يبددها ويبث الطمأنينة في النفس. باعث هذه المخاوف هو ما يخرق العيون من مناظر الرعب والتقتيل في سوريا التي نشاهدها على شاشات التلفزيون، وما نقرأ ونسمع من أخبار الفظائع التي يمارسها النظام الحاكم في سوريا ضد الشعب السوري. هذا النظام مُصِرّ على إبادة الجزء الأعظم من شعب سوريا، وليس فقط كسر عظام الثائرين. هل هذه مبالغه؟ النظام استخدم كل ما عند جيشه وطيرانه من سلاح فتاك لتدمير أحياء المدن على سكانها، وسلط شبيحته على من بقي من السكان فعاثوا فيهم ذبحاً، وهتكاً للأعراض، وتشريداً. وحاصر مدناً أخرى ومنع عن أهلها الماء والغذاء والدواء، وزودهم بالوقود، ولكن ليس عن طريق البر بناقلات التوزيع ليطبخوا ويستدفئوا، بل ألقى عليهم من الجو براميل متفجرة لتطبخهم وتقضي عليهم. لم تعد قوته الضاربة كافية، بعد أن أنهكها الثائرون، فاستعان بآلاف من مجندي حزب الله المدربين من لبنان، وآلاف غيرهم من متطوعي العراق (كما أقرت بذلك حكومته)، وفوق ذلك بمعدات عسكرية وضباط ومستشارين عسكريين من روسيا وإيران. ولم يتوان عن استخدام السلاح الكيماوي، ليرعب أو يقتل أكبر عدد من السكان. وحتى الذين نجوا من القتل في أماكن القتال أصبحوا مشردين بالملايين، إما في داخل سوريا أو خارجها في الدول المجاورة. أليس في كل ما جرى عمليات إبادة للشعب السوري العربي؟ حاكم سوريا - وإن كان لم يترك شيئاً من الجنون لهتلر في ألمانيا أو بول بوت في كمبوديا اللذين أبادا الملايين من سكان بلديهما - إلا أنه يدرك ما وراء ذلك بعقليته الطائفية؛ وهو أنه لو انتصر فستكون طائفته هي الغالبة والحاكمة، أما الطوائف الأخرى فهي إما من أقليات درزية أو كردية أو مسيحية أو من جماهير سنية مغلوبة على أمرها أو من فئات انتهازية مشغولة بمصالحها. ولو تحققت أماني بشار الأسد - والأرجح أنها لن تتحقق - فإن كابوساً مزعجاً سيرسم السيناريو التالي لما يمكن أن يحدث: سيحتفل بشار هو وقبيله حسن نصرالله باتساع المد الطائفي ليغطي مساحة جغرافية كبيرة ومتصلة طرفها الشرقي في إيران وطرفها الغربي في لبنان، ويسهل معه ابتلاع دولة لبنان لتصبح جزءًا من سورية الكبرى التي كان يحلم بها (أنطون سعادة) مؤسس الحزب القومي السوري ذي النزعة الشوفينية التي تنكر عروبة سوريا. إلا أن الأمر لن يقف عند حد تحقيق حلم قديم، بل إن الحلم سيتطر إلى أبعد من ذلك ليحقق ما خطط له الطائفيون المتطرفون في إيران وما يتمناه بشار الأسد لضمان حكمه مراهناً على خداع الطائفة العلوية والأقليات الأخرى. فبعد أن تنتهى المرحلة الأولى التي ينفذها الآن - مرحلة التدمير والإبادة الجسدية والمعنوية وتفريغ المدن من سكانها - سينتج عن ذلك فراغ سكاني كبير أو إعادة لتوزيع السكان (عن طريق التهجير كما كان يفعل ستالين)، مما يمهد للمرحلة الثانية من هذا السناريو - وهي الجزء الأهم من الحلم الطائفي - فيسعى إلى ملء الفراغ السكاني بجلب الآلاف من العمالة الإيرانية، متذرعاً بإعادة بناء ما تم تدميره والعمل في المصانع التي شرد عمالها، والآلاف من الفنيين والخبراء العسكريين والمهندسين والأطباء والممرضين والتجار ورجال الدين الذين سيكملون ما بدأوه من تبشير بالمذهب الشيعي لتغليب السيادة الطائفية، والآلاف من مجندي حزب الله والحرس الثوري ليقوموا بالضبط الأمني. وسيتوطن هؤلاء وأولئك لأن يقاءهم سيطول، وسوف يشترون الأراضي والبيوت والمزارع أو يستولون عليها، وخصوصاً حين لا يتيسر عودة أصحابها إليها، أو عندما يضطر بعض السوريين بسبب البؤس والفاقة إلى بيع خرائب بيوتهم أو مزارعهم إلى الإيرانيين المستقدمين. وما إن تمضى سنوات قليلة حتى تنشأ مستوطنات وأحياء في المدن من الإيرانيين الذين لن يتوقف سيل هجرتهم إلى سوريا؛ فإيران بلد كثيف السكان (به ما يقارب 80 مليوناً). وسوف يسود ذلك النوع المذهبي المسيس المصبوغ بالقومية الفارسية، وقد تصبح اللغة العربية هي اللغة الثانية في البلاد. وهكذا يتكرر السيناريو الرهيب بالطريقة التي نشأت بها إسرائيل واستولت على الوطن الفلسطيني وشردت أهله حتى أصبح مئات الآلاف منهم لاجئين لا وطن لهم. تحويل هذا السيناريو (الحلم) إلى واقع فعلي، إنما هو إرادة مشتركة بين نظام الأسد - ليضمن بقاء حكمه- وبين نظام الحكم المتطرف في إيران - ليطبق الهدف المعلن منذ بداية حكم (الولي الفقيه) في عام 1979 بتصدير ما يُسمى (الثورة الإسلامية). فهذا ليس وليد صدفة تاريخية، فإنه لما كان لبنان في حقبة الحرب الأهلية منهكاً وممزقاً بين طوائفه، وحركة أمل الشيعية التي أنشأها موسى الصدر في منتصف السبعينات انقسمت على نفسها، وإسرائيل في هجومها على لبنان عام 1982 قد اكتسحت جنوبه وفرغته من المقاومة الفلسطينية، فقد خلا الجو والأرض للتيار الشيعي المتشدد لإنشاء حزب الله في العام نفسهدعم من السفارة الإيرانية في دمشق ومن الحكومة الإيرانية التي أرسلت ضباط الحرس الثوري لتدريبه ومكنته من المشاركة في الحرب العراقية-الإيرانية فاكتسب مزيداً من التدريب والخبرة في الحرب (الشرق الأوسط: أترى: حزب الله وحماس والجهاد أبناء شرعيين للثورة الإيرانية - 8-5-1429هـ)، وأيضاً مزيداً من الولاء؛ إذ أعلن بيان للحزب عام 1985 التزامه بأوامر ولاية الفقيه التي تتجسد في آية الله الخميني (بتصرف واختصار عن ويكيبيديا).

إن هذا الترابط الطائفي يصبح محكماً ومتصلاً - بافتراض تحقق سيناريو الحلم - ويمتد من لبنان إلى سوريا ثم العراق لينتهى في إيران. وهذا الوضع سيكون مناسباً لطموحات القابضين على السلطة الفعلية في إيران الذين يثيرون لدوافع قومية شوفينية النزعات الطائفية ويركبونها لتصل بهم إلى الهدف الحقيقي، وهو إنشاء منطقة نفوذ إستراتيجية يهيمنون عليها. وهي الطموحات نفسها التي جرتهم إلى التضحية بالنمو الاقتصادي لشعبهم من أجل إنتاج القنبلة الذرية. والوضع نفسه مناسب لروسيا التي تحتاج إليها إيران لأنه يمنحها منطقة نفوذ سياسي تنافس به الغرب في هذا المكان من العالم. على أن انتخاب الرئيس الجديد لإيران (حسن روحاني) - وهو المنتمي للتيار الإصلاحي- قد يكون مؤشراً على الاتجاه للحد من الطموحات الشوفينية اللاعقلانية.

فالشعب الإيراني شعب متحضر أنجب مفكرين وشعراء وعلماء، وليس هناك ما يوحي بأنه كان منساقاً وراء أطماع حكومته المتطرفة السابقة.

نذكر في هذا الصدد المظاهرات العارمة التي ثارت في عام 2009 والتي قمعها النظام بالقوة. أما الشيعة العرب - وهم في غالبيتهم ينتمون إلى أصول وثقافة عربية - فلن يتقبلوا التضحية بانتمائهم الأصيل وأن يكون مصيرهم الذوبان في قومية أخرى. وأما الشعب السوري الذي حرر بلاده من الاستعمار الفرنسي فلن يكون من السهل هزيمته.

هل يريد الأسد (إسرائيل) إيرانية في سوريا؟
د. عثمان عبدالعزيز الربيعة

د. عثمان عبدالعزيز الربيعة

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة