Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناThursday 27/06/2013 Issue 14882 14882 الخميس 18 شعبان 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

تقارير

التلاعب بسيادة القانون
آنا بالاسيو

رجوع

ذات يوم كان الطغاة يتصرفون ببساطة كما يتصرف الطغاة. أما اليوم، فإنه يلبسون طغيانهم زخارف سيادة القانون.

ولنتأمل هنا حالة الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش. فبعد مرور أقل من عام على فوزه بهامش ضيق على زعيمة المعارضة يوليا تيموشينكو في انتخابات 2010 الرئاسية، ألقي القبض على تيموشينكو باتهامات ملفقة. وهي الآن تنفذ حكماً بالسجن لمدة سبع سنوات بزعم استغلال منصبها كرئيسة للوزراء والتوقيع على عقد للغاز مع روسيا - وتنتظر انتهاء محاكمتين أخريين.

وخلافاً لأغلب المحاكمات ذات الدوافع السياسية، فإن قضية تيموشينكو تستفيد من إشراف المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، التي قضت مؤخراً بأن احتجازها السابق للمحاكمة كان مخالفاً للاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان. ولكن يانوكوفيتش يواصل تصنع احترام سيادة القانون، ويصر على أنه لا يستطيع أن ينظر في منحها عفواً رئاسياً إلى أن يتم الانتهاء من الإجراءات القانونية.

وهذا النوع من استغلال سيادة القانون لا تنفرد به أوكرانيا. فقد دأب الرئيس الروسي فلاديمير بوتن على استخدام المحاكم لتحييد خصومه. وفي الوقت الحالي، تجري محاكمة الناشط المناهض للفساد وواحد من أبرز المنتقدين لنظام بوتن أليكسي نافالني، بتهمة التآمر للاختلاس من شركة أخشاب مملوكة للدولة، في حين يحاكم سيرجي ماجنيتسكي، المحامي الذي توفي في السجن بعد اتهامه للعديد من المسؤولين الروس بالاختلاس على نطاق واسع، بتهمة التآمر حتى بعد وفاته.

وعلى نحو مماثل، يحاكم زعماء المعارضة في زيمبابوي بتهمة الخيانة؛ كما وجهت تهمة اللواط إلى زعيم المعارضة الماليزي أنور إبراهيم؛ وأرسل إلى السجن بتهمة تنظيم احتجاجات حاشدة المرشح الرئاسي السابق في بيلاروسيا أندريه سانيكوف. وتواصل إيران ملاحقاتها القضائية الجماعية لمنتقدي الحكومة في أعقاب إعادة انتخاب الرئيس محمود أحمدي نجاد المثيرة للجدال في عام 2009، والآن يبدو أن بعض حلفاء أحمدي نجاد ربما يتحولون أنفسهم إلى ضحايا جانبيين في صراعه مع المرشد الأعلى آية الله علي حسيني خامئني، فيواجهون محاكمات سياسية ذات دوافع سياسية.

والتاريخ حافل بطبيعة الحال بالأمثلة لحكام مستبدين يحرفون العدالة: فأقام ستالين محاكمات موسكو، وأقام هتلر محكمة الشعب. ولكن سلطة أمثال هؤلاء الطغاة لم تكن تستند في الأساس إلى سيادة القانون؛ التي يستند إليها أقرانهم في العصر الحديث.

وصف عالم الاجتماع ماكس ويبر ثلاث ركائز للسلطة: التقليدية، والكاريزمية، والعقلانية (القانونية). وقد اختفت الركيزة الأولى، وحل محل هياكلها الاجتماعية المصاحبة التصنيع والتوسع الحضري وتأنيث القوة العاملة، في حين كان الارتباط الواضح بين الثانية والاستبداد سبباً في إفقادها شرعيتها.

ونتيجة لهذا، برز الالتزام بالقانون بوصفه المصدر الرئيسي للشرعية السياسية في العالم الحديث. وبالتالي فإن هؤلاء الذين يهتمون بالسلطة التعسفية أكثر من اهتمامهم بالالتزام بالقانون يستخدمون لغية القانون لإضفاء الشرعية على تصرفاتهم - فيضعفون سيادة القانون في هذه العملية.

فبعد أسبوع بالكاد من توجيه الاتهام إلى تيموشينكو من قِبَل النيابة -استناداً مرة أخرى إلى مجرد أقاويل- بتنظيم عملية اغتيال أحد أعضاء البرلمان في عام 1996، صرح يانوكوفيتش قائلا: «إن هدفنا يتلخص في ضمان الاستقلال الاقتصادي والسياسي الحقيقي، وتعزيز الديمقراطية وسيادة القانون، وتأسيس أوكرانيا الدولة الحديثة الشابة الفتية». والواقع أن هذا الانفصام الشائع إلى حد مزعج بين الكلمات الرسمية والأفعال يحط من قدر سيادة القانون في نظر عامة الناس.

وفي الوقت الحالي تجري مناقشتان منفصلتان حول سيادة القانون: الأولى مناقشة نظرية مثقفة بين أهل النخبة في المراكز البحثية والجامعات، والثانية «محادثة» شعبية أكثر عموما -وأكثر أهمية من حيث العواقب- وتستند إلى الإحباط إزاء التجاوزات القانونية. فمن جنوب أوروبا إلى ماليزيا والصين، ينزل المواطنون إلى الشوارع للأعراب عن رغبتهم في تحقيق المساواة والعدالة. وقد لا يكون بوسعهم أن يحددوا تعريفاً دقيقاً لسيادة القانون، ولكنهم يعرفون متى ينحرف القانون.

وفي الدول حيث يشارك المجتمع المدني بقوة ويتوفر المجال للحوار، فإن الحديث عن سيادة القانون قد يصبح واسع النطاق وموضوعيا. ولكن في كثير من الأحيان تتجاهل الحكومات تطلعات الناس أو تشوهها، فتجرد المناقشة من كل شيء عدا الابتذال المقبول رسميا.

ومن أجل عكس هذا الاتجاه، فإن الأمر يتطلب مناقشة ثالثة يشارك فيها المجتمع الدولي. ورغم أن مثل هذه المناقشة بدأت تظهر في الاستجابة لقضية تيموشينكو، فإن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان تشكل صوتاً وحيدا، وكان المجتمع الدولي حتى الآن متردداً في تحدي انتهاكات سيادة القانون علنا.

ومن ناحية أخرى، فإن بعض المؤسسات القادرة على توفير الرقابة الدولية الفعّالة أصبحت مستقطبة، كما أظهرت قيادة ليبيا للجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في حين كانت ليبيا تحت سيطرة الدكتاتور المخلوع معمر القذافي. وكان آخرون على استعداد تام لتقبل طلبات الالتحاق من دول حيث تنتهك سيادة القانون بشكل روتيني. على سبيل المثال، برغم رفض الإنتربول مؤخراً الطلب المقدم من روسيا لملاحقة المصرفي الاستثماري وليام ف. برودر (المنتقد الشرس للحكومة الروسية منذ وفاة محاميه ماجنيتسكي)، فمن الواجب على هذه المنظمة أن تطبق المادة الثالثة من دستورها، التي تمنعها من المشاركة في الأمور السياسية، بقدر أعظم من الدقة.

كانت الاستجابة للانتهاكات القانونية خجولة أو استعراضية، وتولى تنفيذها دول فردية أو مجتمعات مثل الاتحاد الأوروبي في الرد على انتهاكات محددة. على سبيل المثال، حظرت الولايات المتحدة مؤخراً على 18 مسؤولاً روسياً أغلبهم ارتبطوا طبقاً للمزاعم بوفاة ماجنيتسكي من السفر إلى الولايات المتحدة وجمدت كل أصولهم لديها.

ولكن برغم أن الضغوط الأحادية قد تحدث فارقا، فإن المدافعين عن سيادة القانون لا بد أن يكونوا على استعداد لتطبيقها بشكل مقنع. فتمثل محادثات الاتحاد الأوروبي مع الأوكرانيين بشأن إبرام اتفاقية شراكة مقترحة، على سبيل المثال، فرصة لفرض بعض النفوذ، ولا ينبغي للاتحاد الأوروبي أن يتردد في انتهاز هذه الفرصة.

ومن ناحية أخرى، فإن التأثير المحتمل لبعض الإجراءات المستهدفة من جانب الحكومات الفردية ليس كافيا. فلا بد أن تصبح حماية سيادة القانون أولوية دولية -وهذا يحتاج إلى زعامة قوية. والواقع أن الاتحاد الأوروبي- الذي لم يتأسس استناداً إلى سيادة القانون فحسب، بل وأيضاً كان من بين أشد المتحمسين في الدفاع عنها في علاقاته الدبلوماسية - يستطيع أن يضطلع بهذا الدور. وبعيداً عن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان وأحكامها في قضايا مثل قضية تيموشينكو، فإن الصوت الأوروبي القوي قد يقطع شوطاً طويلاً نحو حشد الجهود الدولية الأوسع نطاقا.

مدريد - الجزيرة (خاص)
آنا بالاسيو وزيرة الخارجية الإسبانية السابقة، ونائبة رئيس البنك الدولي سابقا، وعضو مجلس الدولة الإسباني حاليا.
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2013.
Ana_Palacio

www.project-syndicate.org

رجوع

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة