Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناSunday 07/07/2013 Issue 14892 14892 الأحد 28 شعبان 1434 العدد

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

في النظم الديمقراطية أو الثورات الشعبية أو الحالات الطارئة، يحمل نزول الجيش للشوارع والميادين دلالة واضحة على أن هناك حدثاً كبيراً متوقعاً أو قراراً خطيراً سيصدر، كحماية انتخابات أو إجراء استفتاء عام أو إعلان حرب أو إسقاط نظام،

وهذا ما حدث بالفعل مع الجيش المصري عندما نزل خلال تداعيات ثورة 25 يناير 2011م، نتج عنه خلع الرئيس حسني مبارك، الذي هو ابن هذه المؤسسة العريقة، وكذلك عندما نزل مرة أخرى قبل أيام إلى شوارع مصر وميادينها بالتزامن مع الدعوة الشعبية لمظاهرات مليونية يوم 30 يونيه ضد الرئيس المنتخب مرسي، فكانت النتيجة مشابهة نوعاً ما للحالة الأولى ببيان القوات المسلحة مساء يوم الأربعاء 3 يوليو 2013م، القاضي بـ(تعيين رئيس المحكمة الدستورية رئيساً مؤقتاً للبلاد) وتعطيل الدستور بشكل مؤقت، حتى إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية، ما يعني (عزل الرئيس مرسي) وبهذا سقط نظام الإخوان الذي لم يمض عليه إلا عاماً واحداً، وبذلك طويت صفحة التجربة الإسلامية الأولى في مصر.

ما بين 25 يناير و30 يوليو كانت مرحلة غير مستقرة من عمر الثورة المصرية، خاصةً أنها كانت محكومة بحسابات داخلية وخارجية، وحافلة بالتعقيدات السياسية والقضايا الاقتصادية، وخاضعة للمطالب الشعبية بالدرجة الأولى، ومعرضة للمساومات على طاولة المصالح الحزبية، الأمر الذي لم يُدركه الإخوان المسلمين، سواءً على مستوى أداء رئيسهم المنتخب أو مشاركة ذراعهم السياسي حزب (الحرية والعدالة) في العملية السياسية برمتها.

هذه المشاركة التي بدأت بخطأ إستراتيجي كبير أثر على المسيرة السياسية الإخوانية ما أفضى إلى النهاية المتوقعة، التي شهدها العالم بعزل رئيسهم وإن كان منتخباً شرعياً، لأنه لم يحقق المطالب الشعبية بالدرجة الأولى وتصادم مع مؤسسات مهمة كالقضاء والجيش، فضلاً على عدم قدرته على احتواء شباب الثورة وقادة المعارضة، والخطأ يكمن أساساً في عدم اكتفاء جماعة الإخوان المسلمين بالمشاركة السياسية عبر انتخابات مجلسي الشعب والشورى (البرلمان)، وما يتمخض عنهما من تشكيل الحكومة وأعمال التشريع المرتبطة بإعداد الدستور، بحيث يحاولون مع أحزاب أخرى تحقيق إنجازات فعلية تمنحهم ثقة الناس، إنما تطلعوا إلى أعلى بالدخول في معترك الرئاسة العاصف في فترة قلقة من الثورة، ولأن الخطأ يجر الخطأ فقد اعتقدوا بعد فوزهم بالانتخابات الرئاسية أن الغليان الثوري سيهدأ مما يسهل مهمتهم في إدارة الدولة، بينما الواقع أنه هذا الغليان بدأ فعلياً بعد تولي مرشحهم مرسي إدارة الدولة، ومواجهة ملفات ثقيلة ومعقدة أبرزها تشكيل حكومة مقنعة للجميع وإعداد دستور جديد يكون مقبولاً لكل أطياف الشعب، ناهيك عن تحمل تركة ثقيلة للنظام السابق ومعالجة ملفات الفساد، وتلبية مطالب شعب ثائر بشكل ملموس وليس مجرد وعود انتخابية، وتجنب الصدام مع المؤسسة العسكرية التي تخلت عن الحكم بإرادتها، وإشراك الشباب الذين كانوا هم وقود الثورة، ومهادنة المعارضة المتوثبة، والتزام الحياد في صراع الأحزاب المختلفة.

كل هذا لم يتم بشكل إيجابي خلال مسيرة الأداء السياسي للرئيس مرسي، وما تم منه كان متواضعاً، لأن العمل في أجواء ثورة لازالت تهدر وخصوم لا يرحمون وشعب يريد أفعالاً لا مجرد وعود، هو من قبيل المجازفة الحزبية أو المغامرة السياسية، التي لم يُحسن مرسي والإخوان من ورائه التعامل معها بذكاء أو وعي سياسي قياساً بتجارب ثورية عالمية، معتقدين أنهم ما داموا يمثلون الشرعية فللرئيس أن يستمر بمدة رئاسته، وأن الجيش لن ينقلب عليهم أو يتدخل لفك الانسداد السياسي، الذي قد يتسبب بتعطيل مصالح الناس وبالتالي انهيار مؤسسات الدولة. وهذا غبش في الرؤية وخلل في القياس؛ فإن كان هناك دول صبرت على رئيسها الشرعي حتى أكمل ولايته رغم أخطائه وتعريض اقتصاد بلاده للخطر كجورج بوش الابن في أميركا، في المقابل توجد دول أسقطت رئيسها قبل نهاية مدته كما فعل الفرنسيون عندما أجبروا شارك ديغول الذي حررهم من حكومة عميلة للنازيين على التنحي عام 1969م.

من يتمعن مسيرة الحكم الإخواني برئاسة مرسي خلال عام يلحظ أنه بدأ بأخطاء سياسية نتجت عنه إخفاقات تنموية -وإن كانت هناك إنجازات وأعمال تحسب هنا وهناك- لأن البداية كانت في تقريب (أهل الثقة) من مؤيديه على حساب (أهل الخبرة) من خصومه، والنتيجة تخبط في القرارات الرئاسية، بل هذا انسحب على طريقة أداء الرئيس نفسه في مواجهة الجماهير، فلم يظهر أنه رئيس كل المصريين، ثم جاء الخطأ الثاني بعدم إشراك الشباب وبالذات شباب الثورة في العملية السياسية وصنع القرار الوطني وهذا ما تنبه إليه الرئيس مرسي نفسه واعترف به في خطابه الطويل بمناسبة عام على توليه الرئاسة. الخطأ الثالث كان في عدم إغلاق الملف الأمني وتعزيز العلاقة الإيجابية بين أفراد الشرطة والشعب لقطع الطريق على أعمال العنف والبطجة. الخطأ الرابع كان في عدم احتواء المعارضة من خلال المشاركة السياسية الفعلية بطريقة توزيع المصالح واقتسام الكعكة كما حدث في تونس. بل زاد على ذلك شعور كثير من قوى المعارضة والأحزاب السياسية أن الدولة صار تحت تأثير الجماعة بتدخلات رموز الإخوان المسلمين في قرارات الرئاسة، بينما احتواء المعارضة وإشراك شباب الثورة يمكن أن يُسهما مع الرئاسة في تحقيق مطالب الثورة، ولعل رفض قرار عزل النائب العام الذي أصدره الرئيس أبسط مثال رغم أن ذلك العزل كان من مطالب الثورة! ولكن لأن الرئيس اتخذه منفرداً.

فضلاً عن أن المعارضة والقوى الثورية يمكن أن تساعد الرئاسة على التعامل الواعي مع المؤسسة القضائية كونها تعتبر السلطة الثالثة في النظام الجمهوري وليس كما حدث في تداعيات الإعلان الدستوري المحصن لقرارات الرئيس ومحاصرة المحكمة الدستورية، ما جعل الرئاسة لوحدها في مواجهة القضاء. أما أهم خطأ وقع فيه الرئيس مرسي هو الصدام مع المؤسسة العسكرية، عندما نجح في إزاحة قيادات هذه المؤسسة العريقة بعد شهرين من استلام الرئاسة، بحجة إخفاق هذه القيادات في قضية مقتل جنود مصريين في رمضان الماضي، لتدور الأيام وتقوم هذه القيادة الجديدة بتنحية الرئيس تحت مطالب قطاع كبير من الشعب بحجة إخفاقات الرئيس وعدم تلبية المطالب الشعبية. بمعنى الرد بنفس الحجة. لهذا كان من الأفضل على الإسلاميين عموماً والإخوان بشكل خاص كونهم يمثلون قطاعاً عريضاً أن يستلهموا تجربة أردوغان في المشاركة السياسية من خلال البرلمان، لأنه قريب للناس. وبالذات في مخاض ثورة لازالت مستمرة. فإن حققوا إنجازات برلمانية أو حكومية يمكن أن يواصلوا عملهم السياسي، وإن فشلوا لم تسقط تجربتهم، وبغض النظر عن أن (عزل مرسي) انقلاب عسكري أو انقلاب محدود وناعم أو معالجة عسكرية لمشكلة ديمقراطية، أو أن شرعية الثورة أسقطت شرعية الدستور، فإن سقوط الإخوان كان متوقعاً وقد كتبت قبل ذلك بشهور هنا في (الجزيرة).

moh.alkanaan555@gmail.com
تويتر @moh_alkanaan

أسباب السقوط (المتوقع) للإخوان..!
محمد بن عيسى الكنعان

محمد بن عيسى الكنعان

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة