Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناSunday 07/07/2013 Issue 14892 14892 الأحد 28 شعبان 1434 العدد

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

مصر التي فتحت ذراعيها وصدرها للإسلام، ودخلها عمر بن العاص ليرى خيراتها العديدة، كما جاءت في القرآن الكريم (وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ واحد فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الأرض مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتبدَّلونَ الَّذِي هُوَ أدنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فإنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ) البقرة 61.

هي أرض الكنانة التي قال تعالى: (فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آَوَى إليه أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إن شاء اللَّهُ آَمِنِينَ) يوسف 99 (وَأَوْحَيْنَا إلى مُوسَى وَأَخِيهِ أن تَبَوَّآَ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاة وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) يونس 87.

هذه البلاد وحضارتها العريقة وأهلها الطيبيِّن ونيلها العظيم حتَّى قيل عنها: إنَّها (هبة النيل) لكنَّها هبة الله، بأرضها المباركة وخيراتها المُتعدِّدة وعنصرها البشري متعدد المؤهلات والخبرات ومواردها الطبيعيَّة من نفط وغاز ومعادن نفيسة وموارد طبيعيَّة أخرى.

ذلك البلد الجميل بنسيمه العليل وآثاره التاريخية الفريدة وعلمائه ومفكريه وأدبائه وأهل الفكر والرأي السديد فيه تعرض لأزمات وتحدِّيات جسام خلال الستين عامًا الماضية وسجل التاريخ لشعب مصر وجيشها التصدّي بقوة الرِّجال وعزائم الأبطال لِكُلِّ محتل وكل غاز، ففي الخمسينيات من القرن المنصرم حمل المحتل الإنجليزي متاعه وغادر البلاد من غير رجعة، وفي عام 1956 كان العدوان الثُّلاثي مصيره الفشل وسوء المصير.

أما نكسة 1967 التي واجهت الشقيقة مصر فإنَّ الملك فيصل -رحمه الله- الذي عرف بالشجاعة والنخوة العربيَّة الأصيلة كان أول من وقف إلى جانب مصر وأول زعيم عربي يتبنى دعم مصر في مؤتمر الخرطوم الشهير 1967 واستمرَّ هذا الدَّعم الماديّ غير المحدود حتَّى حرب رمضان المبارك 1973 ليتحوّل الدَّعم إلى مادي وعسكري غير محدودين لتحقيق معجزة تحطيم خطّ بارليف والانتصار على العدو الصهيوني ليقول الرئيس محمد أنور السادات -رحمه الله- قولته الشهيرة (ان الملك فيصل هو بطل العبور).

مصر تَتَعرَّض إلى أحداث مصيرية منذ الثورة في 25 يناير 2010، تعطل البرلمان ولم يبق إلا مجلس شورى ضعيف ورئيس يمسك بزمام التشريع، بذلت محاولات عديدة لقصم ظهر القضاء المصري الذي عرف تاريخيًّا بالنزاهة وتحقيق العدل السلطة مستقلة، عزل النائب العام وعين بدلاً منه وحكمت محكمة النقض مؤخرًا بإعادته إلى منصبه، هذا هو القضاء المصري باستقلاليته وقُوَّته، واستمرت الأحداث متسارعة بعد اختيار الرئيس المصري السابق الدكتور محمد مرسي رئيسًا للبلاد، معارضة قوية اتحدت جميعها في صوت واحد، اهتز ميزان الاستقرار الأمني والسياسي، نائب الرئيس السيد مكي قدم استقالته وتبعه أحد مساعدي الرئيس وبعض الوزراء ولم تفلح الوزارة التي شكّلت برئاسة الدكتور قنديل أن تكبح جماح التردي الاقتصادي، أدخلت عليها تعديلات بوزراء جدَّد لكن الوضع استمرَّ يزداد سوءًا يومًا بعد آخر.

الميزانية سجَّلت عجزًا كبيرًا تخطى 130 مليار جنيه، الديون الداخليَّة والخارجيَّة تجاوزت 1.4 ترليون جنيه، الاحتياطي النقدي انحدر ليبلغ أكثر قليلاً من (13) مليار دولار، بعد أن كان عند مستوى (36) مليار دولار، السياحة وهي مورد أساسي حدث ولا حرج فقد أصبح وضعها خطيرًا بعد التدني الرهيب في عدد السائحين من العرب والأجانب أمام حالة الانفلات الأمني وعدم الاستقرار السياسي.

أما بورصة الأوراق الماليَّة فقد طالها خلال السنوات الماضية انحدار مستمر أفقدها المتعاملين من المصرين والأجانب وأفلست بعض شركات الوساطة بالأسهم، والدُّولار كسر حاجز (7) جنيهات مما أفقد العملة المصريَّة نسبة كبيرة من قيمتها وارتفع معه التضخَّم الذي انعكس على ارتفاع جميع أسعار المواد التي يحتاجها المواطنون بِشَكلٍّ غير مسبوق.

ولم يتبق داعمًا للاقتصاد سوى إيرادات قناة السويس التي تسجل سنويًّا مابين (5-6) مليارات دولار، ناهيك أن الدول المقرضة وصندوق النقد الدَّوْلي الذي وعد بإقراض البلاد (4.8) مليار دولار كل هؤلاء يتقدمون خطوة، ثمَّ يتأخرون خطوة أخرى أمام حالة عدم اليقين السياسي والأمني الذي يترك أثره على مسيرة عجلة الاستثمار الأجنبي التي توقفت تقريبًا هي الأخرى.

هذا المشهد السياسي والأمني والاقتصادي عاشه الشعب المصري على مدى سنوات ثلاث والبلاد تعيش فوضى عارمة، مظاهرات واعتصامات وعصيان مدني وتدمير لبعض المنشآت الحيويَّة والبنية الأساسيَّة ومحاصرة بعضها، فعانى الشعب ما عانى من ضيق العيش والفقر والبطالة والفساد ما لم يعانيه شعب آخر، كما دفع الشعب ضريبة التشتت والتَّفرّق والتمزق، والصراع بين المعارضة والإخوان.

وعندما رأى الجيش أن السَّيْل قد بلغ (الزبى) وبعد استنفاد جميع المحاولات من أجل حوار جاد يخرج البلاد والعباد من محنة كبرى ضرب موعدًا حدّده بـ(48) ساعة لاتفاق الفرقاء المتصارعين على السلطة للوصول إلى حلٍّ يكفل مصالح الدَّوْلة العليا وقُوَّتها وهيبتها، لكن لم تجر الرِّياح بما تشتهي السفن، فتوصل الجميع إلى طريق مسدود للأسف من قبل مؤسسة الرئاسة، هذا ما عبَّر عنه بيان الجيش للشعب المصري، حيث جاء فيه: لقد بذلت القوات المسلحة خلال الأشهر الماضية جهودًا مضنية بصورة مباشرة وغير مباشرة لاحتواء الموقف الداخلي وإجراء مصالحة وطنيَّة بين كافة القوى السياسيَّة بما فيها مؤسسة الرئاسة منذ شهر نوفمبر 2012 بدأت بالدعوة لحوار وطني استجابت له كل القوى السياسيَّة الوطنيَّة وقوبل بالرفض من مؤسسة الرئاسة في اللحظات الأخيرة.

وأضاف: لقد كان الأمل معقودًا على وفاق وطني يضع خريطة مستقبل ويوفر أسباب الثِّقة والطمأنينة والاستقرار لهذا الشعب بما يحقِّق طموحه ورجاءه، إلا أن خطاب السيد الرئيس ليلة أمس وقبل انتهاء مهلة الـ(48) ساعة جاء بما لا يلبي ويتوافق مع مطالب جموع الشعب، الأمر الذي استوجب من القوات المسلحة استنادًا على مسئوليتها الوطنيَّة والتاريخية التشاور مع بعض رموز القوى الوطنيَّة والسياسيَّة والشباب ودون استبعاد أو إقصاء لأحد، حيث اتفق المجتمعون على خريطة مستقبل تتَضمَّن خطوات أولية تحقَّق بناء مجتمع مصري قوي ومتماسك لا يقصي أحدًا من أبنائه وتياراته وينهي حالة الصراع والانقسام، وبعد صدور البيان التاريخي ومع أول جلسة للبورصة المصريَّة الخميس الماضي انعكس أثره على الاقتصاد المصري فمثلاً صعدت أسعار الأسهم بنسبة 8 في المئة.

ومن أهم بنود خريطة الطَّريق التي قدمها الجيش المصري بقيادة وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسي إقالة الرئيس الدكتور مرسي وتعطيل العمل بالدستور بِشَكلٍّ مؤقتٍ ويصبح رئيس المحكمة الدستورية العليا المستشار والفقيه القانوني المعروف الأستاذ عدلي محمود الذي أدَّى اليمين الدستورية أمام الجمعية العامَّة للمحكمة رئيسًا لمصر، يتولى إدارة البلاد خلال المرحلة الانتقالية حتَّى انتخاب رئيس جديد، من خلال انتخابات رئاسيَّة مبكِّرة ومن حقَّه إصدار إعلانات دستورية خلال المرحلة الانتقالية.

من المبادئ المهمَّة التي جاءت بالبيان التاريخي لجيش مصر تشكيل حكومة كفاءات تتمتع بجميع الصلاحيات لإدارة المرحلة، حكومة كفاءات وليست ولاءات فقط فالكفاءات في الإدارة هي الأهمّ فالعنصر البشري الذي يتوفر فيه الكفاءة والولاء هو الذي تقوم عليه أجهزة الإدارة في الدول.

أما التعديلات الدستورية المقترحة على الدستور فقد نالت نصيبها من الاهتمام حيث نصّ البيان على تشكيل لجنة تضم كافة الأطياف والخبرات، وهذا يعني الاستفادة من خبرات فقهاء القانون الدستوري والقانون العام وغيرهم من الخبراء في التخصصات الأخرى لصياغة دستور متكامل يخدم مصالح الجميع. ولأن مجلس الشعب أو مجلس النوَّاب هو السلطة التشريعيَّة فإنَّ البيان طالب المحكمة الدستورية بالإسراع في إقرار مشروع قانون انتخابات مجلس النوَّاب والبدء في إجراءات الإعداد للانتخابات البرلمانية، هذا لأن مجلس النوَّاب هو العمود الفقري للتشريع ولاختيار أعضاء الحكومة القادمة من الحزب الفائز بالأغلبية البرلمانية شريطة عدم إقصاء الآخرين.

وقد جاء البيان على أهمية تشكيل لجنة عليا للمصالحة الوطنيَّة من شخصيات تتمتع بمصداقية وقبول لدى جميع النُّخب الوطنيَّة وهذا هو مربط الفرس كما يقولون، وهو الحوار، ثمَّ الحوار فهو البوصلة التي تحدِّد الطَّريق الأمين للبلاد والعباد، وهذا ما قصدناه في مقالنا (المصريون الحوار قبل فوات الأوان) في هذا المكان بهذه الجريدة النشطة بتاريخ 30-12-2012م، ومقالنا بنفس الجريدة بتاريخ 24 - 3 - 2013م، (المصريون قوة وهيبة الدولة)، واليوم والجيش والشعب المصري وأهل الحل والعقد وقد اتفقوا على خريطة طريق لإنقاذ البلاد من مفترق الطرق الذي بلغته فإنَّ كل الأحزاب وكافة الشعب المصري بِكلِّ أطيافه هم شركاء أساسيون في صنع القرارات على مستوى الدَّوْلة لغدٍ أفضل كما جاء في البيان.

ويثور سؤال دستوري هنا حول تولي الجيش المصري الإطاحة برئيس منتخب واعتبره البعْض انقلابًا عسكريًّا، وعلى الجانب الآخر اختيار رئيس المحكمة الدستورية رئيسًا مؤقتًا للبلاد وحقيقة الأمر القانونية بالنِّسبة لرئيس المحكمة الدستورية أن الإجراء يُعدُّ دستوريًا في غياب مجلس نوَّاب منتخب، فرئيس مجلس النوَّاب (الشعب) طبقًا للدستور المصري في حالة وفاة الرئيس أو الإطاحة به، يصبح رئيس مجلس الشعب رئيسًا للبلاد لمدة (90) يومًا يختار خلالها رئيسًا للبلاد، وهذا ما تَمَّ عند وفاة السادات -رحمه الله-.

ولم يحدث ذلك عند تنحي الرئيس السابق مبارك لأن الجيش تولى السلطة وأن الخلاف كان حول عدم شرعيَّة مجلس الشعب السابق حيث اتهم الحزب الحاكم آنذاك بتزوير انتخاباته.

أما في شأن أن الجيش قد عزل الدكتور محمد مرسي فإنَّ التكييف القانوني لهذا يؤكِّد أن الجيش قرأ صرخات جماهير الشعب في مدن مصر وقراها المطالبة بنصرته ولبى الجيش مطالب الشعب، بالرغم من أن الرئيس الذي نحي جاء بالانتخابات، ويبدو أن الجيش أخذ بالمبدأ الديمقراطي الذي يقول: (إنه من الظُّلم أن تحكم الأغلبية الأقلية، ويقول ادموند بيرك (إن أغلبية المواطنين في أية ديمقراطية تستطيع أن تمارس أقسى أنواع الضغط على الأقلية).

وبالرغم من أن الشعب المصري انقسم حول الانتخابات الرئاسيَّة الأخيرة فإنَّه يمكن القول: إن الفارق بين من فاز بالانتخابات الذي يليه كان فارقا بسيطًا جدًا، ولذا فإنَّ جبهة الإخوان التي أزيحت عن السلطة يمكنها الاستعداد للانتخابات القادمة بتجميع صفوفها واتحادها، وهو أيضًا نفس الإجراء الذي يجب أن تركز عليه الأحزاب الأخرى استعدادًا لتلك الانتخابات والاستفادة من عبر ودروس الماضي، فالتاريخ لا يرحم من لم تكن لديهم أية أفكار وخبرة عن فن الحكم والإدارة في العصر الحديث.

Eml:dredaljhani@hotmail.com
رئيس مركز الخليج العربي للطاقة والدراسات الاستراتيجية

أرض الكنانة.. وغد أفضل
د.عيد بن مسعود الجهني

د.عيد بن مسعود الجهني

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة