Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناMonday 08/07/2013 Issue 14893 14893 الأثنين 29 شعبان 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

أكتب هذا المقال وأنا في إحدى دول القارة العجوز التي لقبت بهذا الاسم لارتفاع عدد المسنين فيها مقارنة بأعداد الشباب. في هذه القارة أمشي في المدن والساحات العامة ومن حولي وفرة في الشعر الأبيض، وثروة من التجاعيد التي تمثل تواقيع الزمن على وجوه المارين عليه.

مسنون تتزايد سنوات عمرهم، وتتناقص أيامهم كل يوم، ورغم ذلك تجد فيهم عزيمة وحباً لا يتوقف عن التجدد تجاه الحياة ومغامراتها.

أعمارهم في جوازات السفر تتجاوز السبعين والثمانين أحياناً, لكن أرواحهم ما برحت تواقة للحياة ومتفجرة بكل مفرداتها.

مشيتُ ذات صباح في أحد الشوارع، وإذا بجانبي رجل يبدو من شكله أنه تجاوز الخامسة والسبعين يركب دراجة هوائية، ويتنقل بها كشاب لم يتجاوز الثامنة عشرة, ويتلفت حوله مستمتعاً بالحياة ومشاهدها.

كما قابلت في مقر الأمم المتحدة في جنيف في زيارة تعريفية بمقر المنظمة ونشاطاتها داخل هذه المدينة المحايدة امرأة مسنة قادمة من بريطانيا, ورغم كل الآلام التي بدت واضحة من خلال خطواتها المتعثرة وأنفاسها المتقطعة, إلا أني لمحت في عينيها لمعة الشغف للحياة وحباً لا ينتهي للاكتشاف والتعلم.. كانت الأكثر تجاوباً وطرحاً للأسئلة.. لم تثنها سنواتها وتجربتها الطويلة في الحياة عن طلب المزيد منها؛ إذ لم تدَّعِ أنها كبرت على أن تجرب وتكتشف وتطرح الأسئلة الصعبة, بل كانت تتحلى بروح وحيوية فتاة يافعة. بينما، وفي الضفة الأخرى، نجد أن المسنين في عالمنا العربي، وخصوصاً في دول الخليج، يعتزلون الحياة مبكراً، ويقدمون أوراق طلب تقاعد مبكر من مؤسسة الحياة؛ إذ تنضب في داخلهم ينابيع التجديد والمغامرة، ويستولي الكسل والاكتئاب والشعور بالشيخوخة عليهم مبكراً؛ إذ يجبرهم المجتمع أحياناً لتبني هذا النوع من الأسلوب الهادئ حد الملل؛ إذ توضع الأم المسنة أو الجدة - بمباركة أبنائها - في قالب المرأة التي يجب أن تلازم بيتها ليل نهار، وتنتظر بفارغ الصبر أن يطل عليها أبناؤها متى ما سنحت لهم ظروفهم بذلك؛ لتسرق معهم لحظة فرح وأمان من أحضان الزمن, وإن أبدت أي نية للتغيير الذي قد يتطلب حركة ومجهوداً فردياً بادروها بالرفض والمعارضة خوفاً عليها من التعب وقلقاً على صحتها من آلام الرُّكَب والمفاصل، دون علم منهم أنهم بذلك الحرص والحذر يساهمون بمساعدة عوامل التعرية بالزحف المبكر على جسدها؛ وذلك لشح نشاطاتها البدنية؛ فتدق الشيخوخة أبوابها مبكراً، وتحط رحالها على حياة المسنين من حولنا.

فلا أذكر أني رأيت امرأة ترتاد نادياً رياضياً، أو تخطط لرحلة سياحية، ولم أرَ منذ فترة طويلة مسناً سعودياً يزاول هواية رياضية أو يتحدى نفسه باكتشاف وطن بعيد أو تنشيط ذاكرته بتعلم لغة جديدة أو خوض مغامرة فريدة من نوعها إلا ما ندر.. فلماذا يكبر المسنون لدينا قبل أوانهم؟ ولماذا يطفئون شموع حياتهم مبكراً؟ ويذبلون مبكراً؟ لماذا تطرأ عليهم عوامل التعرية قبل غيرهم من مسني العالم الذين تظهر عليهم علامات الرفاه والسعادة بمجرد أن يكبروا؛ إذ يتحررون من كثير من التزاماتهم, ويتفرغون لمزاولة هواياتهم وتحقيق أحلام لم تتسع سنوات الشباب لضمها.

على كل ابن وابنة أن يعيدوا النظر في تعاملهم مع آبائهم وأجدادهم.. ويسألوا هل ساهموا يوماً في تعليمهم علماً جديداً؟ أو أشركوهم في هواياتهم المحببة؟ أو دعوهم لممارسة رياضة معينة معاً؟ أم أن معاملتهم لهم زادتهم عزلة وتقوقعاً وذبولاً وانهزاماً؟ أجيبوا الآن، واحرصوا على فعل شيء بعد ذلك.. فمسنونا هم بركة الحياة ونبضها.

نبض الضمير:

“أنا لا أخاف من الموت؛ سيحملني يوماً ما عاجلاً أم آجلاً.. لكن لماذا أناديه قبل أوانه” تشو باو (83 عاماً).

Twitter:@lubnaalkhamis

ربيع الكلمة
ماذا يعني أن تكون مسناً؟!
لبنى الخميس

لبنى الخميس

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة