Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناThursday 11/07/2013 Issue 14896 14896 الخميس 02 رمضان 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الثقافية

لفت نظري أن عدداً كبيراً من اللغات باختلاف الشعوب التي تستخدمها عرقياً وجغرافياً تحتوي صوت النون في بداية أداة النفي الرئيسة، مع افتراق بينها في أدوات الإيجاب (حتى في بعض لغات العائلة الواحدة كالفرنسية، التي تبدأ أداة الإيجاب فيها بصوت الواو، خلافاً لبقية العائلة اللاتينية). وخلافاً لتلك اللغات البشرية الكثيرة، كانت العائلة السامية (ومنها العربية) تتميز أداة النفي فيها بالبدء بصوت اللام، مع اختلاف أيضاً بين لغات هذه العائلة فيما يخص أداة الإيجاب.

حاولت أن أجد تبريراً منطقياً، حتى وإن كان ذا صبغة تاريخية موروثة في أي من الفئتين اللتين وإن جمع فئة اللغات السامية تاريخ وإرث مشترك، إلا أن الفئة الأخرى التي تبدأ أدوات النفي فيها بصوت النون (وهي تزيد على سبعين لغة رئيسة) لا يجمعها أي تاريخ مشترك، ولا تقارب في الثقافات. لكني لم أجد ذلك التبرير؛ فطفقت أحلل الأمر من منطلق أنثروبولوجي، ربما تهديني إليه قيم كل من الصوتين. إذ نظرت إلى النون (وهو صوت لثوي أنفي)، فوجدت أن تلك الشعوب ربما لجأت إليه لتبدأ به أداة النفي من أجل التخفيف من حدة الرفض الذي تتضمن أغلب أساليبه أداة من أدوات النفي (إما الأداة الرئيسة، أو أداة أخرى خاصة بالأفعال لاصقة أو مستقلة). لماذا يخفف هذا الصوت من تلك الحدة؟ أظن خروج جزء من هواء الزفير أثناء نطق الأداة من الأنف يجعل وقع اللفظ أقل حدة مما لوكانت أصواتاً فموية خالصة.

كما نظرت إلى اللام (وهو صوت وسطي المخرج، لكنه جانبي في طريقة خروج الهواء)؛ إذ يخرج الهواء عند نطقه من جانبي الفم، فكأن هذه الشعوب السامية (والعرب أكثرهم استخداماً للأدوات التي تحتوي اللام: لا، لن، لم، ليس) تريد أن تُشعر المخاطب بأنها تزمجر عندما تتلفظ بأداة النفي، أو ترفض فعل شيء بشكل قاطع، خاصة مع استخدام أداة النفي «كلا» (بتشديد اللام)، التي أذكر أن ابني كان يعلق ضاحكاً، كلما سمعني أنطق بهذه الأداة في محادثة عادية. ومن هنا يمكننا قراءة مطلع معلقة عمرو بن كلثوم الشهيرة: التي يحفظها ويدرسها كثير من العرب، لإعجابهم بما تحتويه من أدوات النفي الفارهة:

ألا لا يجهلن أحد علينا

فنجهل فوق جهل الجاهلينا

فلننظر كم من اللامات احتوت، حتى في غير أدوات النفي!

لكن هل يتعدى ذلك الأثر الصوتي زمن التلفظ بها؟ أو هل تبقى في النصوص المكتوبة؟ أو هل تخيف الأعداء فعلاً، كما يتصور العرب بطنطنتهم المعتادة؟ أظن كثير منا لا ينسى اللاءات الثلاث الشهيرة، التي كان يطلقها كل من الرئيس المصري السابق جمال عبد الناصر، أو رئيس منظمة التحرير الفلسطينية السابق ياسر عرفات، والتي لم تردع أياً من الجيوش الإسرائيلية خلال العقود الثلاثة، التي كان يتملك في ذينك الخطيبان أعناق الميكروفونات،كما أن لاءات زعيم ميليشيا حزب الله إزاء إسرائيل في عام 2006م قد تحولت إلى ناءات في صيف ذلك العام. ومنذ ذلك الحين وميليشياته تتوجه إلى داخل لبنان، ثم في 2013م إلى الاتجاه المعاكس نحو سوريا.

وفي المقابل فإن أداة النفي الرقيقة التي تبدأ بصوت النون في اللغة الروسية قد تحولت على لسان خروتشوف في اعتراضه الشديد على قرارات مجلس الأمن، التي تسعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى استصدارها، باستخدامه أداة النفي الشهيرة (Njet). فقد أصبحت أقوى وقعاً من لاءات عبد الناصر أو عرفات أو نصر الله. سؤال أخير: هل عدم احتواء اليابانية على صوت اللام هو سبب لباقة اليابانيين الشديدة؟

الرياض

رؤية
استغراق أنثروبولوجي في النفي
أ. د. فالح العجمي

أ. د. فالح العجمي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة