Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناSaturday 13/07/2013 Issue 14898 14898 السبت 04 رمضان 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

يعتبر المغرب من بين الأمم القديمة في العالم، بل وجد قبل أغلبية الدول الأوروبية والكثير من غيرها في القارات الأخرى. لهذا لا يطرح الانتماء مشكلا لرعاياه. فضلا عن ذلك، فالمحاولات الإجرامية للمستعمر بخلق التفرقة وسط الشعب وخاصة مع الظهير البربري لسنة 1930 والتي فشلت لحسن الحظ،

يسمح لنا بالقول إن المشكل قد تم حله. فنحن نعلم أنه في هذا المجال، لا توجد تسوية للمشكل بشكل نهائي، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار الحركية العامة في العالم والتي تحاول التصعيد من قوة مطالبها من طرف كل مجموعة، من أجل الحصول على اعتراف بخصوصياتها. ومهما كانت الدوافع، فإن ظهور (الفصل 5 ) حول اللغات الرسمية في الدستور الجديد الذي صادق عليه المغاربة في يوليوز 2011 يمثل تجديدا عميقا وتغييرا مهما. ونعلم جميعا ما للغة العربية من دور في جمع وتوحيد الصفوف المغاربية ضد المستعمر والشعور بالانتماء إلى الأمة العربية.

بعد التأكيد على أن «العربية تظل اللغة الرسمية للدولة» (الفصل 5)، وبعد التأكيد على ما يلزم الدولة من «حماية اللغة العربية وتطويرها وتنمية استعمالها»، تمت الإشارة بالتساوي إلى أن «اللغة الأمازيغية تمثل لغة رسمية للدولة باعتبارها تراثا مشتركا لجميع المغاربة بدون استثناء».

فكل كلمة في هذه الجملة الأخيرة تستحق تعليقا، ونفس إلزامية التعليق ينطبق على الفقرات التالية. وسنكتفي بالإشارة إلى صيغة تراث مشترك التي تذكرنا بالصيغة التي استعملها حديثا الفصل 75 من الدستور الفرنسي والذي يقدم اللغات الجهوية على أنها «تنتمي إلى تراث فرنسا» وهو أمر لا يضفي قيمة ولا بوعد بارز على مستوى مكانتها، غير أن الأمر مختلف بالنسبة للمغرب.

فهناك عرف دولي يقضي بأن كل ما يمس الأمة يجب أن يدخل في إطار الحفاظ على الوحدة. لهذا ففي الفقرة التالية التي تنص على قانون يحدد مراحل إضفاء الطابع الرسمي على الأمازيغية وطرق إدماجها في التعليم وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولويات، نسجل هنا الصيغة النهائية التي تنص على أن الأمازيغية يجب «أن تتمكن من القيام بوظيفتها باعتبارها لغة رسمية». فالمشرع الدستوري ينص لا محالة على الآجال الضرورية لذلك. ثم إن الفقرة ما قبل الأخيرة تفتح اتجاهات أخرى للسياسة اللغوية أي الحفاظ على اللغة الحسانية «باعتبارها جزءا لا يتجزأ من الهوية المغربية الموحدة»، حماية اللهجات والتعبيرات المستعملة في المغرب، إتقان اللغات الأجنبية الأكثر تداولا في العالم، وذلك لأجل ثلاثة أهداف وهي التواصل مع مجتمع المعرفة والتفاعل معه والانفتاح على ثقافات أخرى. وقد انتهى هذا الفصل بالإعلان عن إنشاء المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية. فالسلطة الدستورية تتشبث هنا بالبحث عن التوازن اللغوي لتجنب بذور الانقسام، وبالتالي تمنع تأسيس الأحزاب على أساس من هذا النوع (الفصل 7)، وتفرض على الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري السهر على احترام التعددية اللغوية (الفصل 28).

وموازاة مع ذلك، يعمل المشرع الدستوري جاهدا على إدماج هذا البعد الجديد للأمة بالتركيز على التلاحم الذي يجب أن يتولد عن هذا التنوع المقبول والجامع لوحدة الدولة. ف»المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة، متشبثة بوحدتها الوطنية والترابية، وبصيانة تلاحم وتنوع مقومات هويتها الوطنية، الموحدة بانصهار كل مكوناتها، العربية - الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الحسانية، والغنية بروافدها الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية. كما أن الهوية المغربية تتميز بتبوإ الدين الإسلامي مكانة الصدارة فيها، وذلك في ظل تشبت الشعب المغربي بقيم الانفتاح والاعتدال والتسامح والحوار، والتفاهم المتبادل بين الثقافات والحضارات الإنسانية جمعاء».

ففي الديباجة، تمت الإشارة بشكل واضح إلى الاهتمام بالانفتاح مع تدرج في سرد الشركاء المعترف بهم. هذا السرد الذي يعكس شكل التوسع التدريجي لمجال المحاورين المحتملين. ففي الدرجة الأولى هناك أولا أعضاء اتحاد المغرب العربي ثم الشعوب الأشقاء للأمة العربية والإسلامية، ثانيا الشعوب والدول الإفريقية خاصة دول الساحل والصحراء، ثالثا دول الجوار أي الأورو- متوسطية، وأخيرا «كل دول العالم». وهناك نوع من المنظور الاستراتيجي الذي يعطى الأولوية لبعض المناطق الجغرافية على أخرى بحكم عوامل الجوار.

ولكي يضمن بشكل أفضل تماسك هذه الأمة المغربية التي يمجد فيها الفصل الأول «الحياة الجماعية [التي تستند] على ثوابت موحدة»، يقر الدستور سلسلة من الحقوق لصالح الأسرة والشباب والأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة. ففيما يتعلق بالأسرة، هناك أولا الفصل 32، الذي يعطي صورة كلاسيكية شيئا ما عن الأسرة، علما أنه فيما يتعلق بوضعية المرأة لا يجب البحث عنه هنا، وإنما في التطورات التي المتعلقة بمفهوم المساواة.

أما فيما يخص الشباب (الفصل 33)، فأغلب الإجراءات المنصوص عليها، تتعلق بحقوق الشباب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وهذه النعوت الثلاثة توجد بشكل أو بآخر في مختلف الأوجه التي تناولها هذا الفصل، أي مساهمة الشباب في تنمية البلد من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وأيضا السياسية، وولوجهم إلى المعرفة في هذه المجالات، إضافة إلى الرياضة والترفيه...ويبدو الإدماج هنا أمرا حاسما جعل منه الدستور مسألة جوهرية بالنسبة «للحياة النشيطة والجمعوية» حيث يدرك الجميع أن الأمر يتعلق برهان حاسم في بلد يتسم بساكنة شابة وتطلعات جد هامة. وقد أحدث هنا أيضا مجلس استشاري.

ولا يجب أن نتجاهل هنا ما يتعلق بالسياسات «الموجهة إلى أشخاص وفئات من ذوي الاحتياجات الخاصة» (الفصل 34). وهنا نوعان من المشاكل المختلفة والتي تتعلق من جهة بوضعيات تطرح مشكلا في حد ذاتها ولكن من الممكن أن تصير كذلك ما دام الأمر يتعلق بالنساء والأمهات والأطفال وكبار السن، ومن جهة أخرى بالضحايا الحقيقيين للإعاقة الجسدية والعقلية وغيرها. فبالنسبة للفئة الأولى، تم إعطاء الوعود بمعالجة أوضاعهم الهشة واحتوائها، أما بالنسبة للفئة الثانية، فالمسألة أكثر طموحا وتتعلق بإعادة إدماجهم في الحياة الاجتماعية والمدنية وتيسير تمتعهم بالحقوق والحريات المعترف بها للجميع. ويمكننا أن نلاحظ أنه فيما يتعلق بالأشخاص الذين يستحقون الشفقة، فالدستور كان حذرا ويقظا حيث لم يعط وعودا إلا بما يمكن للسلطات العمومية توفيره لهذه الفئة، لكنه بدا كريما في التزاماته الحازمة التي يمكن للمستفيدين المحتملين المطالبة بها أمام المحاكم.

وسيرا مع منطق تقوية فكرة الأمة ولكن مع التوجه نحو الانفتاح، حدد القانون الأسمى المغربي الحالي الأولويات الكبيرة للسياسة الدولية للبلد. فمع دستور سنة 2011، سيؤكد المشرع الدستوري على «ضرورة تعزيز دور المغرب في الساحة الدولية». فكما رأينا، تعلن الديباجة سلسلة من الشركاء حسب تدرج دقيق، خاصة وأنها تنتهي بالتأكيد على سمو المواثيق الدولية المصادق عليها على القانون الداخلي للبلد. فهذا التجديد مهم جدا ما عدا إذا استعمل مفهومان ومبدآن يمكن الاتكاء عليهما: أما الأول، فيربط هذا السمو «باحترام هوية المغرب الثابتة»، مما قد يؤدي إلى استثناءات مرتبطة بالخصوص لاعتبارات دينية وهذا أمر مفهوم، والثاني ينص على ملاءمة أحكام التشريع الوطني مع القانون الدولي مما قد يؤدي إلى التأخير وآماد طويلة لإحداث مثل هاته الملاءمة . وعلى الرغم من هذا، وما دامت الديباجة تشير إلى أنها «جزء لا يتجزأ من الدستور الحالي»، فهي تؤكد على إرادة المشرع الدستوري في إعطاء القوة الإلزامية لهذه الأحكام.

كيف عالج الدستور المغربي الجديد مسالة الهوية؟
د. عبد الحق عزوزي

د. عبد الحق عزوزي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة