Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناMonday 15/07/2013 Issue 14900 14900 الأثنين 06 رمضان 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

وجهات نظر

الحث على بِرِّ الوالدين
عبد الرحمن بن محمد بن إبراهيم الريس

رجوع

الحمد لله العظيم في قَدْرِهِ، العزيزِ في قَهْرِهِ، العليمِ بحالِ العبدِ في سرِّهِ وجهره، وما يجري عليه في يومِهِ ودَهْرِهِ، المُنْعِمِ على العاصيِ بِسترِهِ، الحليم على مَنْ عصاه، القريب ممن دعاه، يجودُ على عبدهِ بالنَّوالِ قبلَ السؤال، ويغفر الذنوب ولو بَلغت عددَ الأمواجِ والحصى والرمال، فسبحانهُ مِنْ إلهٍ عظيم، رؤوفٍ رحيم، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العليمِ الحليم، وأشهدُ أن نبينا محمدًا عبده ورسوله النبيُّ الكريم، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيراً.

قال الله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا. وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} (الإسراء: 23-24).

إخواني: إن من الأعمال الصالحة الجليلة التي شرعها الله تعالى، وأوجب على عباده رعايتها والقيام بها بر الوالدين، فهو يأتي في طليعة الأعمال الصالحة التي يحبها الله ?، وفي مقدمة الأخلاق الفاضلة التي تُكسب حُسْنَ الخُلُق في الدنيا، ورضا الله في الآخرة.

فعن ابن مسعود ت قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم أيُّ العمل أحب إلى الله قال: «الصلاة على وقتها»، قلت ثم أيٌّ قال: «بر الوالدين»، قلت ثم أيٌّ قال: «الجهاد في سبيل الله» (رواه مسلم).

واعلموا -رحمكم الله- أن البر بالوالدين يكون بالإحسان إليهما، والعطف عليهما، واحترامهما، وطاعة قولهما، بِرُّ الوالدين يكون ببذل المعروف والإحسان إليهما بالقول والفعل والمال، جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: مَنْ أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: «أمك»، قال: ثم مَنْ؟ قال: «أمك»، قال: ثم مَنْ؟ قال: «أمك»، قال: ثم مَنْ؟ قال: «أبوك» (متفق عليه).

فبر الوالدين له شأن عظيم عند الله ?، وقد قرنه مع الإيمان به، ونهى عن الشرك ثم أوصى بالإحسان إلى الوالدين، فقال تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا} (النساء:36). وقرن شكره سبحانه بشكرهما، فقال تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} (لقمان:14).

واعلم أن مخاطبة الوالدين يجب أن تكون بأسلوب اللطف واللِّيْن، والقول الكريم، والكلام الهادي الجميل، وليحذر الإنسان من كلمات التأفف والضَّجَر لوالديه، أو أن ينهرهما بشدة وزَجْر، وليخفض لهما جناحه بذُلٍّ ورحمة وحنان، وتواضعٍ وحُبٍّ وإحسان، وليَدْعُ لهما بالمغفرة والرحمة، وحسن الجزاء والمثوبة، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «رضى الله في رضى الوالدين، وسخط الله في سخط الوالدين» (أخرجه الترمذي).

إن بِرَّ الوالدين يكون برعاية شؤونهما؛ خصوصًا إن كانا كبيريْن، والإحسان إليهما بالمعونة والمال إن كانا محتاجيْن، فهذا أفضل من الجهاد في سبيل الله، جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنه في الجهاد فقال: «أَحَيٌّ والداك؟» قال: نعم، قال: «ففيهما فجاهد»، وفي رواية، واستأذنه آخر في الجهاد فقال: «هل لك من أم؟» قال: نعم، قال: «فالزمها، فإن الجنة عند رجليها»، وقال -صلى الله عليه وسلم-: «من سَرَّه أن يُمَدَّ له في عمره، ويُزاد له في رزقه، فليَبَرَّ والديه، ولْيَصِلْ رَحِمَه» (رواه أحمد).

والإنسان مهما بالغ في بر الوالدين والإحسان إليهما فلن يستطيع أن يؤدي واجب الشكر لهما، أو يصل إلى حد الجزاء على صنيعهما، ولكن عليه أن يفعل معهما ما يستطيع، ويطلب من ربه أن يجزيهما عنه أحسن الجزاء.

وبر الوالدين كما يكون في حياتهما يكون أيضًا بعد مماتهما، جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، هل بَقِيَ من بِرِّ أَبَويَّ شيء أَبرُّهما بعد موتهما؟ قال: «نعم، الصلاة عليهما -يعني: الدعاء لهما- والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما -أي وَصِيَّتهما من بعدهما- وصلةِ الرحمِ التي لا توصل إلا بهما، وإكرامِ صديقهما» (رواه أبو داود).

وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمر بن الخطاب ب أنه كان يسير في طريق مكة راكبًا على حمار يتروَّح عليه إذا مَلَّ الركوب على الراحلة، فَمَرَّ به أعرابي فقال: أنت فلان بن فلان، قال: بلى، فأعطاه الحمار وقال: اركب هذا، وأعطاه عمامة كانت عليه وقال: أشدد بها رأسك، فقالوا لابن عمر: غفر الله لك، أعطيته حمارًا كنت تَرَوَّح عليه، وعمامة تشد بها رأسك، فقال ابن عمر إن هذا كان صديقًا لِعُمَر، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن من أَبَرِّ البر، صلة الرجل أهل وِدِّ أبيه».

إخواني: طوبى لعبد عرف ما لوالديه من العطف والحنان والإشفاق، وما أبدياه له من التربية والإحسان والإنفاق، فرأى من نِعَم الله عليه أن أدركهما أو أحدهما، فتمكن من برهما، وأحسن إليهما ببدنه وماله، وتحرَّى رضاهما، وتجنب سخطهما في جميع أحواله، وتلطَّف لهما في أقواله وأفعاله، فَقَرَّت عيون والديه بِبِرِّهِ وإحسانه، أما تذكر رحمة الآباء والأمهات، وما قاسته الأم من ثقلِ الحَمْل وكَرْبِ الولادة وأنواع المشقات؟ فكم أَسْهَرْتَ لَيْلَها، وأَتْعَبْت نهارها! وكم مَنَعْتها راحتها وأَزْعَجْتَ قرارها! وإذا أنابك الألم لازَمَت أحزانها وأكدارها، وكم للأب عليك من إحسانٍ وإنعام! وكم له عليك من أيادٍ جسام! أما كرر عليك النفقة والكسوة، وغذَّاك بأطيب الطعام، أما تَرَبَّيْت بنعمته صغيرا، وتقلَّبت بمعروفه كبيراً؟ أما علَّمك الكتابة وأقرأك القرآن، وبذل ماله وبدنه في تهذيبك وتأديبك، وأحسن إليك غاية الإحسان، أَفَيَجْمُلُ بك أن تُقابل الإحسان بغير الإحسان؟ أم يليق بمن له عقل ودين أن يستبدل ذلك بالقطيعة والعدوان؟

قال الله تعالى: {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} (الرحمن:60).

فاجعلوا -رحمكم الله- بر الوالدين من أَجَلِّ قُرُباتكم، والقيام بشأنهما من أعظم أعمالكم، والسَّهَر على مصالحهما من أفضل حسناتكم، ففي البِرِّ سَعَة الرِّزق، وطول العُمُر، وحسن الخاتمة، أكرموهما يكرمكم مولاكم، فما أشرف من أكرمه المولى العظيم! وما أسعد من خَصَّهُ بالتَّشريف والتَّعظيم! وما أَجلَّ من أثنى عليه العزيز الرحيم! إن الأبرار لفي نعيم.

واعلموا أن برَّ الوالدين منهجُ الأنبياءِ والمرسلين، وعملُ الكرامِ والصالحين، قال الله تعالى عن عيسى ؛: {وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا} (مريم:32)، وقال عن يحي بن زكريا -عليهما السلام-: {وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا} (مريم:14). وقال عن نوح ؛: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا} (نوح:28). وقال عن إبراهيم؛: {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} (إبراهيم:41).

فيا أيها الأبناء، ويا أيتها البنات، اتقوا الله في الآباء والأمهات، برُّوا آباءَكم تَبَرَّكم أبناؤكم.

العيشُ ماضٍ فأكرم والديكَ به

والأم أولى بإكرامٍ وإحسانِ

وحَسْبُها الحمل والإرضاعُ تُدْمِنُهُ

أمرانِ بالفَضْل نالا كُلَّ إنسانِ

اللهم يا من عَمَّ البريَّة جوده وإحسانه، تَفَضَّل علينا بعفوك وجودك وإحسانك، واجعل مآلنا إلى جناتك، وأعذنا من نيرانك، اللهم اجعلنا لوالدينا من البارين، واجعلنا في هذا الشهر من المقبولين، ومن عتقائك من النار يا رب العالمين، واجعلنا ممن يدرك ليلة القدر ويقومها إيمانًا واحتسابا، واغفر اللهم لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين، الأحياء منهم والميتين، برحمتك يا أرحم الراحمين.. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

* الإدارة العامة لتطوير الخطط والمناهج بوكالة الجامعة لشئون المعاهد العلميةبجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

a.m.alrayes@hotmail.com

رجوع

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة