Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناTuesday 16/07/2013 Issue 14901 14901 الثلاثاء 07 رمضان 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

قد تلتبس الحقائق على المُتَلقِّي, فيخرج بتساؤله من الحقيقة إلى المجاز, ليكون تساؤله تساؤلَ استغراب, لا تساؤل استعلام. وفي الآثار الصحاح:- [وهل نحن مؤاخذون بما نقول؟], ويأتي الجواب الرادع:-[ثكلتك أمُّك, وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِى النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ, أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ].

ولمَّا كان الكلامُ كالفِعْل مسؤوليةً, وجب ألاَّ يقول المستبرئ لعرضه ودينه إلا مايُرضِي فِطرته السليمة التي فَطَره اللهُ عليها. ولأِهمِّيَّة الكلمة, تواترت التوجيهات, والتحذيرات, والحث على القول السديد, والكلم الطيب. فالمتكلم في شؤون غيره بِغير علم, يتحمل شطراً من الأوزار{مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}.

والفتن التي تعصف بعالمنا العربي, من قتل, وهدم, واختلال أمن, وتدمير اقتصاد, وإيغارٍ للصدور, وتنازع, وتدابر, وتفرق للكلمة, وتَعَصُّبٍ طائفي, وتكتل حزبي, وتحالف مريب, وتنازلات مخلة بالسيادة والكرامة, كل ذلك يَتِم بتحريضٍ من الكتبة الخلييِّن الذين يَتَفَوَّهون بالكلمة, لايلقون لها بالاً في شأن أمَّتِهم, تهوي بمثمناتها سبعين خريفاً في قعر الفتن.

والوطن العربي الذي عصفت به القلاقل, وانتابته المؤامرات من كل جانب, وأريقت على أديمه الدماء البريئة, وتفرقت كلمة أبنائه, وتصدعت وحدتهم الفكرية, والإقليمية, يتولى شطراً من الآثام مفكرون مجازفون, وخُطباءُ مُتحَزِّبون, وإعلاميون [متأدلجون], ظناً منهم أن كُلَّ مايجري من أحداث تتم بإرادة حرة, وتصرف حكيم. ومن لم يكن على عِلْم بقواعد اللعب السياسية, ونوايا الأحزاب النائمة, وتعارض المصالح, يكون ضرره أكبر من نَفْعِه.

و[مصر] عيبة الأمة, وصَمَّام أمانها, وسنَام صمودها, تجتاحها خلافات حِزْبية, وصدامات إعلامية, ماكنا نود أن تكون لأن الأمة العربية جَسَدٌ واحد, إذا اشتكى منه عُضْوٌ, تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى. والعقلاءُ المجربون أمام مايجري من تجاذبات حائِرون, يُقَدِّمون رِجْلاً, ويؤخرون أخرى. فالخطب جلل, والمصائر مُخِيفة, والنار من مستصغر الشرر:-

[... وأخْشَى أن يَكُون لها ضَرامُ]

ومع كل التحفظات لايسع القادرين السكوت، ومايتفوه به المتألمون معذرةٌ إلى رَبِّهم, ولعل أَحَداً من أطراف المشكلة يُذْعن للحق, ولَأَنْ يُنْقِذَ الكاتب مُواطِناً واحداً من تلك المصائر المظلمة خَيْرٌ له من حُمْرِ النَّعَم.

ولما كان للوضع في [مصر] ذيولٌ محلية وعربية وعالمية بدأ يذرُ قرنها, كان من واجب القائمين على وسائل الإعلام العربية, وسائر المؤسسات الفاعلة, أن يتقوا الله في كل المختصمين, لأنهَّم جميعاً في القُرْبِ سواء:-

[إذا احتَرَبتْ يَوْماً فَفَاضَتْ دِماؤها... تَذَكّرَتِ القُرْبَى فَفَاضَتْ دُمُوعُها].

فإن أمكن الإصلاح بين الأطراف المتنازعة, وإلا فالموعظة, والتحذير, والمناشدة، ومما يسوء الصديق, ويسر العدو أن الإعلام العربي يخوض في الأحداث للتأليب, والإثارة, دون النظر في العواقب الوخيمة التي تحيط بالأمة. وكأنَّ مايجري من سَفك للدِّماء, وهدم للممتلكات, وانتهاك للحرمات أمر عادي, لايَمَسُّ الآمنين. والله قد حَذَّرنا, ونَاشَدنا بِاتِّقاءِ الفتن التي تصيب المحسِن والمسيء على حَدٍّ سواء.

والعاقل المشفق على أمته يرى المصائر العصيبة رَأْيَ العين, وهي قائمةٌ عند الإقدام والإحجام:-

[...وقْعُ السِّهام ونَزْعُهُنَّ أليمُ]

ومع هذا اليأس, والإحباط لابد من تَصَرُّفٍ حكيم يبادره عُقلاءُ الأمة من المصريين, وسائر المُتنفذين, وبخاصة [دول الخليج], التي عُرِفَت بالتدخل المتوازن, والسَّعٌيِ الدؤوب, لِفَكِّ الاشتباكات, وتهدئة الأوضاع، إذ لم يعد هناك مجال للانحياز المطلق, ولا للحياد المطلق, ومن ثم لابد من أن يقف الوسطاء على مسافة متوازنة من كل الأطراف.

إِنَّ هناك أخطاءً مشتركةً, ومغامراتٍ غير محسوبة. والمسألةُ لاتتعلق بالبحث عن المخطئ, فالكل [في لُجَّةٍ أمْسِكْ فلاناً عَنْ فُلِ].

أَنْ يكون الرئيس المنتخب فاشلاً, فذلك حق لا مراء فيه. وأَنْ تكون الأوضاع السياسية والاقتصادية متردية, فتلك حقيقة لاجدال فيها، وأن يكون من الضروري التحرف لإنقاذ البلاد من الانحدار, فذلك عين الصواب.

لكن الأمور لاتُوردُ مواردَ الهلكة:-

[أَوْرَدَها سَعْدٌ, وسَعْدٌ مُشْتَمِلْ ... ماهكذا ياسعد تُوْرَدُ الإبل]

وعلى ضوء ذلك فإن بإمكان المشفقين على مصائر [مصر] من الأحزاب المتنازعة, والتجمعات المتناحرة, والمعارضين الأحرار أن يِتَجرَّعوا مرارات الصبر والتربص, حَتَّى تنتهي مُدَّةَ الرئيس المنتخب، ولاسيما أن الرئيس وصل إلى سِدَةِ الحكم بالانتخاب, والمُنتَخِبون حتماً سيمارسون الصدام تحت تلك الذريعة.

وكم من مريض يَخْتَلِفُ أطباؤه حول صيغة التدخل, لإنقاذ حياته, إذ لو تركوه لمات، ومع ذلك لايبادرون أي صيغة, حتى تكون احتمالات النجاح أقوى من احتمالات الإخفاق.

والمعارضة الشعبية التي حَرَّضت الجيش على حسم الموقف أمام انهيارٍ اقتصادي وسياسي, أو انهيار أَمنْي, وأَحَدُ الانهيارين حاصلٌ مع الإقدام, أو مع الإحجام. ولأِنِّي ضِدَّ التصعيد الإعلامي المؤَجِّجِ للمشاعر فإنني لن أجاهر باللوم, لأي طرف من الأطراف, إذ ليس كل مباح مُمْكِن. وكَم كان بودي ألا تكون الإجراءات المَصِيرِّيةُ بهذه السرعة, وبتلك المغامرة.

لقد وقع ماهو أسوأ من التربص, فالشعب المصري المتماسك, البعيد عن العنف تصدعت لحمته, وتفرقت كلمته, وأصابه ما أصاب غَيْرَه من عنف دموي, ما كنا نوده لدولة مِحْورية, وشعب عظيم.

والصدامُ الدموي الذي فرضته تلك الاجراءات سيُفقد الشعب إرادته, ويُنشئ فيه ثقافة العنف والحقد. وهي ثقافة شيطانية سريعة الانتشار, قوية التجذر, ومن العسير الخلوص من عقابيلها. لقد استوطنت في [العراق] و[أفغانستان] وستظل في [سوريا].

إن العنف, والعنف المضاد السائد في الساحات العربية, وفي وسائل الإعلام سوف يزداد, ويتشعب, مالم يتداركه عقلاء الأمة من مؤسسات, وحكومات, وعلماء.

وفي النهاية فالكاسب الوحيد هم أعداء الأمة المتربصون بها الدوائر.

و[ابن غوريون] الصهيوني سَوَّى بين التوفر على قوة الردع النووي, وتحييد [مصر] و[العراق] و[سوريا]. والصهيونية العالمية حَيَّدت[العراق], وهي بسبيل تحييد [سوريا] و[مصر] عن طريق العنف, والتدمير, والتفكيك.

لقد تابعتُ قَنواتٍ, واستعرضتُ تغريداتٍ, وتقصَّيت كلمات, واسْتَمعتُ لخطباء, وساءلت علماء, وتَحَسَّسْتُ عن الحقيقة, فلم تَلُح لي بارقةُ أمل. إذ كل يقول, ويعمل على شاكلته غَيْرَ عابئ بالنتائج. والضحية في النهاية وطن يضم الجميع, وسفينة يمخر بها المستهمون عُباب الفتن. وكأن آية [ وَاتَّقُوا فِتْنَةً ] تَتَنزَّل لِلتَّوِّ على أطياف مصر, وطوائفها, وأحزابها, وسائر مؤسساتها.

فهل من حكماء يتداركون أرض الكنانة, ويوردونها موارد النجاة؟.

أَوْرَدَها سَعْدٌ، وسَعْدٌ مُشْتَمِلْ
د. حسن بن فهد الهويمل

د. حسن بن فهد الهويمل

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة