Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناThursday 18/07/2013 Issue 14903 14903 الخميس 09 رمضان 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الثقافية

فاجأني سائقي الذي كنت أتأكد من أنه يجيد قيادة السيارة، بأن لديه مشكلة -من وجهة نظري- تتمثل في كونه يتوقف إذا رأى الإشارة خضراء، ويسرع إذا رآها حمراء. في الواقع لم يكن لديه جهل بأن الخضراء للانطلاق والحمراء للتوقف؛ وهي في كل أنظمة مرور العالم كذلك، بل كانت عنده حالة عسر في التأقلم مع السلوك المفترض في حالة رؤية أي من اللونين من بعيد (قبل وصوله إلى التقاطع). نحن الذين كنا نرى الأسهل علينا أن نصنف سلوكه المرتبك، بأنه جهل بمعنى كل من اللونين في نظام إشارات المرور.

فالمشكلة كانت في أنواع الطرق الواسعة لدينا، وسرعة المركبات التي لم يعتد على مثلها في بلده في داخل المدن، وأشياء ثقافية واجتماعية أخرى؛ كخوفه من طريقة تعامل السلطات السعودية معه بوصفه أجنبياًً، خلافاً لتعاملهم مع السعوديين. وهذا الأمر قبل استقدام «نظام ساهر» الذي لم تكن لديه عنصرية البشر، فساوى في المخالفات بين السائقين جميعاً، ولم يعطف على مواطن، أو يميزه عن وافد.

إذاً فاللون الأحمر، رغم دلالته الواضحة، ومن فرط وضوحها لا ينتبه إلى تعقيدها كثير من الناس؛ لا يعني مباشرة الوقوف، أو وجوب الوقوف، أو ضرورة الوقوف، أو خطورة الوقوف، فعند شخص نظامي تربى في بلد يحترم فيه النظام، سيعني له ذلك الوقوف مباشرة؛ وفي حالة غير النظامي سيكون وجوب الوقوف مقترناً بشيء آخر غير اللون كأن يكون في التقاطع رجل مرور يعاقب، أو رادار يلتقط صورة المركبة؛ وفي حالة المستهتر الذي لا يستطيع الوصول إلى التقاطع لوجود سيارات أخرى أمامه، يعني له ذلك ضرورة الوقوف؛ أما في حالة وجود بعض المجانين الذين يسيرون بسرعة فائقة رغم تحول الإشارة إلى الحمراء خلف أحدكم، فإن ذلك يعني موازنة أخف الشرين من قطع الإشارة، أو التجاوز على أقل تقدير، لئلا يطحنه ذلك المتهور من خلفه، فيكون الوقوف عند الحمراء خطرا على المتقدم.

وللون الأخضر كذلك في أنظمة مرور ببيئة ثقافية مضطربة دلالات متعددة؛ فإذا كان المرء في مقدمة السيارات أمام تقاطع كبير، فإن وجود هذا اللون لا يعني الانطلاق بالمطلق، إذ قد يدفع المرء حياته ثمناً لذلك الالتزام بدلالاته السيميائية. لذا فإن العاقل يرى في الأمور نسبية؛ نعم عبور التقاطع أصبح غير محظور عليّ الآن، لكن بشرط أن يكون خالياً من مستدركي آخر رمق في الجهة الأخرى، ممن يظن أنه ملك الطريق عندما رأى اللون الأخضر قبل دقائق من وصوله إلى التقاطع.

تذكرت ما قام به أحد المسؤولين الذي كان راعياً لمناسبة رياضية؛ فبعد أن انتهت المباراة بفوز أحد الفريقين، وهو يضم عدداً من اللاعبين ذوي البشرة السوداء، وقد أخذ ذلك المسؤول يسلم لاعبي ذلك الفريق الكأس وميدالياتهم مردداً عند تحية كل منهم: «بيّض الله وجيهكم»!

بالطبع ذلك الرجل لم يبتكر تلك العبارة من عنده، أو محبة منه للون الأبيض، ولكنها ثقافة بأن البياض دلالة علو همة في الأفعال، ونصاعة من دنس الرذائل؛ ولذلك أصبح الدعاء بهذه الصفة محمدة، وعكسها بسواد الوجه. وفي الدين يدل على الخلو من الخطايا؛ مثلما يوضحه الدعاء المستخدم في التراث الإسلامي: «اللهم نقني من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس»! كما لم يؤثر أن المسلمين يضعون في الحالات الاعتيادية لوناً آخر للكفن غير الأبيض. فهل هي قيمة بيئية، أم موروث ديني له دلالة رمزية؟ والأيادي البيضاء هي علامة فضل لأحد على غيره؛ فمن أين أتت دلالة البياض أيضاً في الفضل؟

الرياض

رؤية
اللون والثقافة.. أيهما الأسبق؟
أ. د. فالح العجمي

أ. د. فالح العجمي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة