Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناSaturday 03/08/2013 Issue 14919 14919 السبت 25 رمضان 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

وجهات نظر

مفردة «قريباً» نجدها حاضرة بقوة في ثقافتنا المجتمعية، وأكثر ما تجد لها أرضاً خصبة، في الدوائر الحكومية، حتى باتت كالظل للمسئول، لا تنفك عنه، وعادة ما ينقلها الرجل لتكون معه، رقماً، كالجوكر، يتلاعب من خلاله بأعصاب أفراد أسرته، متى ما أراد التنصل من أمر ما، قد طلب منه أفراد أسرته أو بعضهم أو أحدهم، توفيره أو تحقيقه، وثمة مقولة متداولة، هي في الحقيقة من الأمثال العامية الحاضرة عادة في نجد، هي مقولة (قريّب بدو) إذا قال لك أحدهم، هل تتكرم عليّ وتوصلني للمكان الفلاني؟ وتقول له مكانك بعيد وإلا قريب؟ تقول له أخشى أن يكون (قريّب بدو) وأنا مشغول، يرد عليك فوراً بقوله (لا لا أبداً قريب) إذ لو قال لك (قريّب بدو) فقد أكلت المطب، وهو كذلك بالفعل، لأن القرب بمفهوم البدو (الأعراب) يعني البعد، كونهم معتادون على قطع المسافات البعيدة للرعي وطلب المعيشة، لذا قيل عنهم (البدو الرحّل) يقطعون الفيافي والقفار، ولا يجدون في ذلك غضاضة مثل الحضر، بل يشعرون بالمتعة، لو أردنا أن نسبر أغوار أغلب المسئولين في الدوائر الحكومية، وخاصة ممن له علاقة مباشرة بالمشاريع الحيوية والتي لها ارتباط بمصالح العباد، ومن خلال تصاريحهم لوسائل الإعلام المختلفة، لوجدت مقولة (قريّب بدو) معشعشة، بل مطبوعة في عقولهم، أتحدى أن تجد تصريحا لمسئول يتحدث عن مشروع مهم من مشاريع وزارته أو مصلحته الحكومية، وتكون مفردة (قريباً) غائبة عنه، وكم من المشاريع الحيوية التي تعد من البنى الأساسية، مكثت ردحاً من الزمن، ونامت، تلفها مفردة (قريباً) ودّعت كذا مسئول وهي تضحك عليهم، يذهب جيل ويأتي بعده جيل، و(قريباً) لم تصح من النوم، ومع الأيام والشهور والسنين و(ياحليلنا) تصبح (قريّب بدو) حقاً وحقيقة ماثلة، لقد تحوّلت (قريباً) في مجتمعنا (ماركة مسجلة) باتت كالسيل العرمرم، ترعى في مشاتل مشاريع الحياة بمختلفها، يتعاهد سقياها المسئول بعد المسئول، ويدفع ضريبتها المواطن المسكين، وهذا المسئول الذي يظن أنه خارج سرب المواطنة، وهو بالتأكيد مواطن خاسر مع الخاسرين، هذه المفردة المظلومة، أصبغ عليها ذلك المسئول، صبغة التزييف والتزوير، حتى باتت لا تنقل الحقائق في عالم الواقع، ولا تعبر عن آمال المواطنين بمجرد سماعها من ذلك المسئول، ذكرتني (قريباً) يا سبحان الله، وأنا أكتب هذا المقال بمفردة، كان يقولها لي والدي (رحمه الله) كلما أطلب منه شيئاً والحال مستورةقتها، يعدني رحمه الله، بقوله (إن شاء الله) فأقول له، لا تقل ذلك، بل قل نعم، في اعتقادي أن مفردة والدي (الشرعية) لن تحقق مرادي، فـ(قريباً) مثل (إن شاء الله) مساحتها واسعة، وفضفاضة، وغير ملزمة، فالمسئول عندما يعتمد مقولة (قريباً) هو في الحقيقة التي لا تقبل الجدل، لا يريد إلزام نفسه، ولا يريد أن يضع حبلاً في عنقه، يجره من ينتظر على أحر من الجمر. قريباً، التي أبعدت القريب المطلوب والمؤمل تحقيقه، صارت مع مرور الزمن، سلوكاً شائناً، غير مقبول لدى إنسان هذا العصر، نعم كانت هذه المفردة، تنطلي على البعض، في زمن التعتيم الإعلامي، أما في هذا العصر، عصر الانفتاح وتوفر وسائل الإعلام المتنوعة، والشفافية، التي كثيراً ما تطالب بها القيادة الرشيدة، فلا يسعني إلا أن أقول، الله يعين المسئول، فلم يعد للفهلوة والضحك، قبول في هذا الزمن، زمن الانفتاح الإعلامي، زمن التأكيد على توفر الشفافية، التي تؤكد عليها القيادة في كثير من المناسبات، وحان الوقت لأن يقوم المسئول في دائرته، باستبدال مفردة (قريباً) بمفردة (حالاً) ولعلنا نتذكر موقف خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله حفظه الله، إبان توسعة الحرم المكي الشريف، يوم أن قال لبكر بن لادن، حول مدة التنفيذ «جيبوا غيره الشركات كثيرة» المشكلة أن (قريباً) باتت كالشمّاعة، يعلق عليه المسئولون، تأخيرهم لتنفيذ مشاريع وزاراتهم الحيوية، والمواطنون المساكين، يؤملون عليها دون أدنى فائدة، فليت المسئولين، يعيدون النظر في (قريبا) هذه، لأن حاجات المواطن الضرورية، كالصحة، والتعليم، والأمن، والجوانب الأخرى التنموية، لا تحتمل تبعات (قريباً) العكسية.. فقط، لنعيد مفهومنا الخاطئ عن (قريباً) هذه، الذي لا يبتعد عن مفهومه عند أخينا الأعرابي (المهني الجاد) ولنبتعد عنها، كونها تشكل عوائق، أمام الطموحات والآمال الكبيرة، ولنبدأ بتحديد الزمن الفعلي لبداية المشروع ونهايته، ونطمس (قريباً) من قاموسنا العملي المهني، ونركب قطار الأمانة والجدية والإخلاص، في كافة مسئولياتنا.. ودمتم بخير.

dr-al-jwair@hotmail.com

(القريب .. البعيد!)
د. محمد أحمد الجوير

د. محمد أحمد  الجوير

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة