Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناSaturday 03/08/2013 Issue 14919 14919 السبت 25 رمضان 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

رمضانيات

إنّ شهر رمضان هو شهر الدعاء والتضرُّع إلى الله عزّ وجلّ القائل: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}، قال الإمام ابن كثير - رحمه الله - (في ذكر هذه الآية الباعثة عن الدعاء متخللة بين أحكام الصيام إرشاد إلى الاجتهاد في الدعاء عند إكمال العدّة؛ بل وعند كل فطر لحديث «إنّ للصائم عند فطره دعوة ما تُرَد» وقال تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}، فجعل الله عزّ وجلّ الدعاءَ عبادةً من العباداتِ لقوله سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي} والدعاء أكرم شيء على الله تعالى؛ فقد ثبت في «السنن» من حديث النعمان بن بشير - رضي الله عنه - أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الدعاء هو العبادة) وفي «صحيح مسلم» من حديث عائشة - رضي الله عنها - أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن ابن جدعان؟ وهو عبد الله ابن جدعان، من أجواد العرب، ومن كرمائهم المشهورين؛ وكان رجلاً جواداً سمحاً، كريماً في الجاهلية، كان له داعيانِ في طرفِ مكةَ؛ داعٍ في الشمال؛ وداعٍ في الجنوب يقول: هلمّوا إلى الطعام في دار عبد الله بن جدعان؛ ولذلك مدحه الشاعر بقوله:

لَهُ دَاعٍ بِمَكَةَ مُشمعِلٌ

وآخَرُ فَوقَ دَارَتِهاَ يُنَادِي

إلى قِطَعٍ مِنْ الشيزا عليها

لُبَابُ الْبُرُ يُلْبَكُ بالشُهَادي

ففي «صحيح مسلم» أنّ عائشة - رضي الله عنها - سألت الرسول صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله؛ ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم، ويطعم المساكين، فهل ذلك نافعه؟ فقال عليه الصلاة والسلام: (لا يا عائشة إنه لم يقل يوماً ربي اغفر لي خطيئتي يوم الدين) فإنّ عدم التوجه بالدعاء إلى الله تعالى؛ قد خلد ابن جدعان في النار إنه لم يقل يوماً رب أغفر لي خطيئتي يوم القيامة؛ وهذا يجعلنا نفهم قوله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} ولما كان الدعاء هو العبادة؛ كان عدمه الكفر والاستكبار، وفي «المستدرك» من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أفضل العبادة الدعاء) ولما كان الدعاء عبادةٌ؛ وجب إخلاصه لله تعالى {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}، وفي «السنن» من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس شيء أكرم على الله تعالى من الدعاء) وقد قال تعالى: {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ} فالله عزّ وجلّ هو الذي يجيب دعوة المضطرين؛ وهو سبحانه ملجأ المهمومين والمكروبين، وهو سبحانه غياث المستغيثين:

يا من يجيب دعاء المضطر في الظلمِ

يا كاشف الضر والبلوى مع السقمِ

قد نام وفدك حول البيتِ وانتبهوا

وأنت يا حيُ يا قيوم لم تنم

إن كان جودك لا يرجوهُ ذو سفهِ

فمن يجود على العاصين بالكرم

فالدعاءُ عبادةٌ عظيمةٌ ومن أفضلِ العبادات، ولذلك نجد أنّ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كانوا يدعون الله سبحانه وتعالى، ويستغيثون به؛ فهذان الأبوانِ عليهما السلام يدعوان الله عزّ وجلّ ويقولان: {.. رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}، وهذا نبينا عليه الصلاة والسلام في معركةِ بدرٍ؛ يرفع يديه إلى السماء، ويدعو حتى سقط رداءهُ عن منكبه الشريف، فجاءه أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - والتزمه من خلفه وقال: «بأبي أنت وأمي يا رسول الله؛ كفاك مناشدتك ربك؛ فإنّ الله منجز لك ما وعد»؛ فأبو بكر الصديق يشفق على النبي صلى الله عليه وسلم من شدة ابتهاله ودعائهِ وتضرعهِ؛ فأيّ امرئ منا يبتهل ويدعو ويتضرّع إلى لله عزّ وجلّ؛ وفي حديث حذيفة - رضي الله عنه - قال: (يأتي على الناس زمان، لا ينجو فيه إلاّ من دعا دعاء الغريق)، ومن الدعاء أن يدعو الإنسان بما دعا به النبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث كان يدعو في صلاة الليل ويقول: (اللهم رب جبريل وإسرافيل وميكائيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون؛ إهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك؛ إنك تهدي إلى صراط مستقيم).

وعليه فلا ينبغي للمسلم أن يهوّن من شأن الدعاء؛ ولا أن يعتبره كما يقول بعض المتهاونين حيلة العاجز؛ بل الدعاء عبادة، وشأنه عظيم، وربما صلحت حال الإنسان بسبب دعوة:

أتهزأُ بالدُعَـاءِ وتزْدريهِ

وما تدري بِما صَنعَ الدُعَاءُ

سِهَامُ الليلِ لا تُخْطي ولكن

لَهَا أَمَدٌ وللأَمَدِ انْقِضَاءُ

آداب الدعاء:

أولاً: أن يكون الداعي على وضوء وطهارة: لما ثبت في «الصحيح» من حديث أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: لما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من حنين؛ بعث أبا عامر بجيش إلى أوطاس - وهي منطقة قريبة من الطائف - وبعثني معه؛ فرمي أبو عامر في ركبته ثم مات؛ فعدت وأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم؛ فدعا بإناءٍ فتوضأ؛ ثم رفع يديه إلى السماء وقال: (اللهم أغفر لعبدك أبا عَامِرٍ) قال الحافظ ابن حجر في «الفتح»: «ويستفاد منه استحباب التطهير عند إرادة الدعاء».

ثانياً: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيه: لما ثبت في «السنن» من حديث علي - رضي الله عنه - أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كل دُعَاءٍ محجوبٌ حتى يصلى عليّ).

ثالثاً: استقبال القبلة: لما ثبت في «الصحيحين» من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أنّ النبي صلى الله عليه وسلم: (استقبل القبلة ودعا على نفر من قريش).

رابعاً: رفع اليدين في الدعاء: لما ثبت عن سلمان الخير - رضي الله عنه - أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنّ الله عزّ وجلّ ليستحي من عبده إذا رفع إليه يديه أنّ يردهما صِفْراً).

خامساً: خفض الصوت بالدعاء: لأنّ رفع الصوت يعتبر من الاعتداء في الدعاء لقوله تعالى: {ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} ولما ثبت في «صحيح مسلم» من حديث أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أربعوا على أنفسكم؛ إنكم لا تدعون أصمَّ ولا غائباً؛ إنكم تدعون سميعاً بصيراً) ولنا في ذلك أسوةٌ وقدوةٌ بعبد الله زكريا: {إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيًّا}.

سادساً: أن يبدأ الداعي بنفسه قبل غَيرهِ: لقوله تعالى: {ربنا أغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان} وقوله: {ربنا أغفر لي ولوالديَّ وللمؤمنين} ولما ثبت في «الصحيحين» من حديث أُبيّ بن كعب - رضي الله عنه - أنّ النبي صلى الله عليه وسلم: (كان إذا أراد أن يدعو لأحد بدأ بنفسه):

يَا رَبَّ! هذا دُعَائِي كَيْفَ أرْفَعُهُ

إلَيْكَ وهُوَ عَلَى الآثَامِ مَحْمُولُ

لَوْلاَ التَأمُلُ فِي رُحْمَاكَ مَا انْفَرَجَتْ

نَفْسٌ وَلاَ كَانَ لِلْمَلْهُوفِ تَجْمِيلُ

يَا رَبّ! أَنْتَ وَلِي فَاهْدِنِي سُبُلاً

إلى الرَشَادِ؛ دُعَائِي فِيكَ مَأمُولُ

خَفْقُ القُلُوبِ دُعَاءٌ أنْتَ تَسْمَعُه

وَلِلْجَوَارِحِ تَسْبيحٌ وَتَهْلِيلُ

اللهم يَا وَلِيَّ الإِسلامِ وَأَهْلِهِ ثبِّتني على الإسلام حتى أَلقاكَ عليه.

- عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية وعضو الجمعية السعودية للدراسات الدعوية

لِلصَائِمِ دَعْوَةٌ لاَ تُرَدُ
خالد بن محمد الأنصاري

خالد بن محمد الأنصاري

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة