Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناMonday 05/08/2013 Issue 14921 14921 الأثنين 27 رمضان 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

تُعتبر دعوة مترائي الهلال بالانضمام إلى اللجان المُشكَّلة في المناطق، بناءً على الأمر السامي لهذا الغرض، دعوة ضرورية، من أجل تفعيل دور اللجان الخاصة بتحري رؤية الهلال، والمؤلفة من خبراء بعلم الفلك، ورصد الأهلة،

واتخاذ قرارات بالإجماع حول رؤية الهلال من عدمها، دون الاعتماد على أشخاص عابرين يشهدون برؤية الهلال، وهو ما أصبح مطلباً ملحاً.. فالعلم الحديث أثبت بشكل دقيق رؤية الهلال، وما يترتب عليه من بداية دخول شهر رمضان، ونهايته، وتحديد أيام الحج، وتحديد مدة انقضاء الحول لوجوب الزكاة، وغيرها من الأمور الشرعية الأخرى.

لن أبالغ إن وصفت قضية الأهلة، بأنها: من النوازل العصرية الفقهية نظراً، لارتباطها بمواقيت شرعية، وهو ما يستدعي من أهل العلم، والتخصص، أن يتناولوا هذه القضية تناولاً يتجلى فيه الاجتهاد الجماعي، كونه تمس الحاجة إليه، وتدعو إليه الظروف المعاصرة.. وهو ما أكدت عليه توصيات مؤتمر مكة قبل سنة - تقريباً -، حيث جاء في البند الرابع من توصيات المؤتمر، الذي يجب مراعاته، والعمل به: أن الحساب الفلكي علم قائم بذاته، له أصوله، وقواعده.. وقد كان للمسلمين فيه إسهام متميز، وكان محل اهتمام من الفقهاء المسلمين، وبعض نتائجه ينبغي مراعاتها، ومن ذلك: معرفة وقت الاقتران، ومعرفة غياب القمر قبل الشمس، أو بعده، وأن ارتفاع القمر في الأفق في الليلة التي تعقب اقترانه، قد يكون بدرجة، أو أقل، أو أكثر، ولذلك يلزم لقبول الشهادة برؤية الهلال، ألا تكون الرؤية مستحيلة حسب حقائق العلم الصحيحة، وحسب ما يصدر من المؤسسات الفلكية المعتمدة، وذلك في مثل عدم حدوث الاقتران، أو في حالة غروب القمر قبل غياب الشمس.

إذن، هي قضية مهمة، تحتاج إلى إعادة النظر في تحري الرؤية الصحيحة للهلال، فنحن في عصر الاكتشافات العلمية المذهلة، التي ترصد حركة الأفلاك، والنجوم بدقة متناهية.. وأصبح علم الفلك حقيقة، إذ الخلاف فيها أمر غير مستساغ، - لذا - ينبغي القيام بكل الوسائل المتاحة، والمباحة، التي تمنحنا النتائج العلمية الدقيقة، ولا أدل على ذلك من اعتمادنا على قول علماء الفلك في صلاتي الخسوف، والكسوف، وتحديدهما ابتداءً، وانتهاءً، - ومثله - اعتمادنا عليهم في تحديد أوقات الصلوات الخمس، التي تحدد وقت شروق الشمس، وغروبها، والزوال، وانتصاف الليل بدقة متناهية.

قبل أيام، أثبت المشروع الإسلامي لرؤية الأهلة، بأن رؤية الهلال - يوم الأربعاء السابع من أغسطس -، تستحيل في شمال آسيا، وجميع أوروبا، وكندا، وذلك بسبب غروب القمر قبل الشمس في هذه المناطق، في حين أن رؤية الهلال غير ممكنة لا بالعين المجردة، ولا باستخدام التلسكوب - على الرغم من غروب القمر بعد الشمس -، في كل من قارة آسيا - عدا شمالها -، وقارة أستراليا - عدا أقصى الغرب -، وشمال أفريقيا، والولايات المتحدة. وتكون رؤية الهلال ممكنة باستخدام التلسكوب - فقط - من وسط أفريقيا، وأمريكا الوسطى، في حين أن رؤية الهلال ممكنة بالعين المجردة بصعوبة من أقصى جنوب أفريقيا، ومعظم أمريكا الجنوبية.. أما الأماكن التي يمكن منها رؤية الهلال بالعين المجردة بسهولة، فهي تشيلي، والأرجنتين، والمحيط الهادئ - فقط -.

وبالنسبة لوضع الهلال - يوم الأربعاء السابع من أغسطس -، في بعض المدن العربية، والإسلامية، نجد أن الحسابات السطحية للهلال عند غروب الشمس، كما يلي:

جاكرتا: يغيب القمر بعد 18 دقيقة من غروب الشمس، ويكون عمره 14 ساعة و33 دقيقة.

أبو ظبي: يغيب القمر بعد 07 دقائق من غروب الشمس، ويكون عمره 17 ساعة و55 دقيقة.

مكة المكرمة: يغيب القمر بعد 11 دقيقة من غروب الشمس، ويكون عمره 18 ساعة و30 دقيقة.

عمّان: يغيب القمر بعد 04 دقائق من غروب الشمس، ويكون عمره 19 ساعة و04 دقائق.

القاهرة: يغيب القمر بعد 06 دقائق من غروب الشمس، ويكون عمره 19 ساعة و08 دقائق.

الرباط: يغيب القمر بعد 06 دقائق من غروب الشمس، ويكون عمره 21 ساعة و06 دقائق.

وتكون رؤية الهلال - يوم الأربعاء السابع من أغسطس -، في جميع هذه المدن غير ممكنة، لا بالعين المجردة، ولا باستخدام التلسكوب.

ولمعرفة معاني هذه الأرقام، تجدر الإشارة إلى أن أقل مكث لهلال أمكنت رؤيته بالعين المجردة، كان 29 دقيقة، وتمت رؤيته يوم 20 سبتمبر 1990م من فلسطين، أما أقل عمر هلال أمكنت رؤيته بالعين المجردة، فكان 15 ساعة و 33 دقيقة، وتمت رؤيته يوم 25 فبراير 1990م من الولايات المتحدة، ولا يكفي أن يزيد مكث الهلال، وعمره عن هذه القيم، لتمكن رؤيته، إذ إن رؤية الهلال متعلقة بعوامل أخرى، كبعده الزاوي عن الشمس، وبعده عن الأفق لحظة رصده.

كتبت مرات عديدة، أن سبب الإشكال في موضوع الأهلة، الذي يتكرر في كل عام، - لا سيما - تلك الشهور المرتبطة بالعبادات، هو عدم الاعتبار لرأي الهيئات العلمية التي لديها علماء، ومختصون في علم الفلك، وحقائق الكون، ودقائقه، - إضافة - إلى قول بعضهم: إن الأخذ بالعلم الفلكي يتعارض مع قوله صلى الله عليه وسلم: “صوموا لرؤيته، وافطروا لرؤيته”، مع أن الحسابات الفلكية ليست إهمالاً للرؤية الشرعية، بل هي وسيلة إثبات لا مفر منها، للتأكد من شهادة الشهود، فتتبع الهلال بدقة متناهية، وتحديد ارتفاعه، ومقدار إضاءته، وإعطاء بيانات دقيقة حول الهلال، وإثبات صحة حساب موقع القمر في الأفق، ووقت ولادة الهلال بما لا يدع مجالاً للشك، أو الجدل، أصبحت مسلَّمات حقيقية، وإعجازاً علمياً هائلاً.

في المقابل، فإن إيضاح الوظيفة العلمية للاجتهاد، وعلاقته بمقاصد الشريعة الإسلامية، يستلزم الاجتهاد المطلوب، وهو استفراغ الوسع، وبذل المجهود في نيل حكم شرعي عملي بطريق الاستنباط من المتمكن، الذي يستجمع شروط الاجتهاد في طلب المقصود من جهة الاستدلال، ولا يتأتى ذلك إلا ممن خبروا المقاصد، وأحكموا بالكليات، ثم نظروا في الأحكام من خلال ذلك، وهذا هو المقصود بأثر تغير الاجتهاد في الفتوى، وهو يُعتبر من محاسن الشريعة الإسلامية، لتعريف الأمة بمسائل دينها، وما يرتبط من أحكام دنياها.

يحدونا الأمل، أن تخرج رؤية علمية لإشكالية التشرذم حول تحري رؤية الهلال، الذي نشهده كل عام، لإثبات الشهور القمرية، وتحديد المواقيت الشرعية لبدء دخول شهر رمضان، وخروجه، وشهر ذي الحجة، وشهر الله المحرم، والاستفادة من المعطيات الفلكية في تقليل الخلاف بين الأقطار الإسلامية، فالرؤية الشرعية الصحيحة للهلال تكون بعيد المغيب، ولا يُرى الهلال إلاّ بشروط، أهمها: ولادته، ومكثه بعد غروب الشمس، وهذان الشرطان يعرفهما علماء الفلك بكل دقة، تصل إلى أجزاء من الثانية، لتأتي النتائج القطعية مصداقاً لقول الله - تبارك وتعالى :{الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ}، أي: بحساب دقيق جداً، - إضافة - إلى تشجيع البحث العلمي في مجالات الفقه الإسلامي، وجمع الفتاوى، والآراء الفقهية المعتبرة للعلماء المحققين في القضايا المستجدة المعاصرة، والتصدي لما يثار من شبهات حولها، وما يرد من إشكالات على أحكام الشريعة الإسلامية.

drsasq@gmail.com
باحث في السياسة الشرعية

ضبط رؤية الهلال!
سعد بن عبدالقادر القويعي

سعد بن عبدالقادر القويعي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة