Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناSunday 11/08/2013 Issue 14927 14927 الأحد 04 شوال 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

وَرّاق الجزيرة

الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- من عظام رجالات العرب الذين أنجبتهم جزيرة العرب مع القرن التاسع عشر، وكان أصرح زعماء العرب قولاً وأبلغهم حكمة وأشدهم عزما، وأعدلهم حكمة وأكبرهم حلما، إنه محرر العرب من الاستعمار والاحتلال الأجنبي الذي مضى عليه قرون عديدة وقال: الإسلام يحرم ما يسمونه الغزو، فلا غزو بعد اليوم.

الملك عبدالعزيز كان أحد رجالات الدهر العربي والإسلامي وجدد إمارة آل سعود على شبه جزيرة العرب سنة 1319هـ (1902م)، ونظم بلاده وسن ما يلائمها من النظم.

وأكد الملك عبدالعزيز في مناسبات عديدة: أريد الصراحة في القول: لأن ثلاثة أكرههم ولا أقبلهم، رجل كذاب يكذب علي عن عمد، ورجل ذو هوى، ورجل متملق فهؤلاء أبغض الناس عندي.

لم تحظَ البلاد العربية بمثله، إنه بعيد المطامح، وحدد الملك عبدالعزيز واجبات كل أمة أن تنهض، لا بد لكل فرد فيها أن يقوم بواجبات ثلاثة: أولهم واجباته نحو الله والدين، وثانيهم واجباته في حفظ أمجاد أجداده وبلاده وثالثهم واجباته نحو شرفه الشخصي.

ومن أشد صفات الملك عبدالعزيز التي سجلها التاريخ: إيمانه السامي بعدالة الخالق الأبدية، وقال: لا يسأل أحد عن مذهبه، أو عقيدته ولكن لا يصح أن يتظاهر أحد بما يخالف إجماع المسلمين أو يثير الفتنة.

هذه الصفات التي أطلقها الملك عبدالعزيز إنما تمثل الحضارة الإسلامية، فالإسلام قيم ونظم وتشريع وإنسانيات، والصدق ينخلق التزاماً في نفس كل مسلم لأنه هو الحق في التعامل بين الحاكم والمحكوم لأن الحقيقة لا تسيء أبداً إلى قضية عادلة.

وعندما أكتب عن شخصية الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - باعتباري كنت شاهداً معاصرا لذلك التاريخ وبدأت العلم الصحفي في تلك الظروف الدقيقة التي تعرض لها العالم العربي في أعقاب نهاية الحرب العالمية المدمرة الثانية التي قام بها التحالف الدولي وقضى على الحكم النازي عام 1945م، وكان عقربا الساعة المقص الذي يقطع الوقت من جسد النهار والليل، ومن يقضي بعض الوقت أحياناً من غير أن يصنع شيئاً لا يمكن أن يكون رجلاً حراً، وفي ذلك التاريخ كان وطننا العربي مذبحة للفكر، ومن واجبنا المحافظة على أرض الوطن، لحماية أنفسنا وأولادنا، لأن أوطاننا العربية تتعرض لمن يريد أن يستبيحها، في رمن كان الوطن هو المكان الذي نشعر فيه بالعزة الكرامة والأوطان التي لا تقدم لمواطنيها الاحترام ليست أوطاناً.

وفي تلك المرحلة كان لي صديق عزيز وهو الأمير فواز الشعلان شيخ قبائل شمر في سورية رحمه الله وأتردد على قصره في مدينة دمشق وفي حي بوسط العاصمة أطلق عليه حي الشعلان تخليداً لذكرى هذه القبيلة العربية والتي لها تاريخ في الوطن السوري والعربي وأبواب القصر مفتوحة خلال 24 ساعة لاستقبال زواره من قبائل شمر من المحافظات السورية، وكان الكاتب السوري أحمد الشيباني يلازم في قصر الأمير فواز الشعلان باعتباره من أبناء عشائر شمر وتعرفت عليه في ذلك التاريخ ثم جمعتنا الصحافة ي جريدة تصدر باللغة الفرنسية اسمها les echos أي (صدى دمشق) باعتبارنا نتحدث اللغة الفرنسية وعملت فيها محرراً في الشأن السوري والاحتلال الفرنسي للوطن السوري والوضع العربي وكنت أعتني بنشاط الملك عبدالعزيز في المملكة العربية السعودية، وتوقفت الجريدة عام 1946م بمناسبة تحرير سورية والاحتفال بجلاء الوطن السوري في ذاك العام، ثم انتقل الكاتب الشيباني إلى المملكة العربية السعودية وحمل الجنسية السعودية.

وكان القائم بالأعمال السعودي في دمشق وبيروت الشيخ عبدالعزيز بن زيد رحمه الله من رجال الملك عبدالعزيز وهو من أنشط رجال السلك الدبلوماسي العربي في سورية، واختاره الملك عبدالعزيز بمناسبة التعاطف القوي بين المملكة العربية السعودية والوطن السوري وزاده قوة وانطلاقاً وكان بن زيد بحكم مواهبه وكفاءاته وخبرته وبعد نظره ودقته في معالجة الأمور خير رسول للمملكة في سورية ولبنان باعتباره يعمل في كلا البلدين، وفي الحقيقة كان خير رسول لسورية في المملكة، كما كان له دور بارز في التخفيف من حدة الخلافات التي كانت كثراً ما تنشب بين الدول العربية، ولولا هذا النشاط الذي كان يقوم به بن زيد لكان شأنها أكبر وخطرها أعظم.

وكان لابن زيد مجلس من الساعة السابعة صباحا وكنت أتردد على المجلس مع الأمير فواز الشعلان وتكون الجلسة في مطبخ سكن السفير ومكتبه أيضاً وهو يراقب تهيئة القهوة العربية ويحدثنا عن الوضع في المنطقة العربية وكان يزودني بجريدة أم القرى وببعض إصدارات الإعلام السعودي للاستفادة منها ومعرفة الموقف السعودي.

وكان الملك عبدالعزيز يعتمد على الصحف والمجلات المصرية لتغطية النشاط السعودي في ذلك التاريخ وبأهم الأحداث العربية والدولية، والملك عبدالعزيز يعبر عن مواقفه من خلال خطبه ويقول: إن المسلمين في خير ما داموا على كتاب الله وسنة رسوله، وما هم بالغين سعادة الدارين إلا بكلمة التوحيد الخالص فإني حينذاك أتقدم إليهم فأسير معهم لا بصفة ملك أو زعيم أو أمير بل بصفة خادم، أسير معهم أنا وأسرتي وجيشي وبنو قومي، والله على ما أقول شهيد وهو خير الشاهدين).

ويضيف القول: (إننا لا نبغي - التجديد - الذي يفقدنا ديننا وعقيدتنا، إننا نبغي مرضاة الله، ومن عمل ابتغاء مرضاة الله فهو حسبه، وهو ناصره، فالمسلمون لا يعوزهم التجديد وإنما تعوزهم العودة إلى ما كان عليه السلف الصالح، ولقد ابتعدوا عن العمل بما جاء في كتاب الله وسنة رسوله، فانغمسوا في حماة الشرور والآثام فخذلهم الله جل شأنه، وواصلوا إلى ما هو عليه من ذل وهوان، وإذا كان المسلمون والعرب في منعة من التعاضد والتكاتف، فليست هناك قوة في مقدورها مهاجمتهم وإذلالهم).

وقال الملك عبدالعزيز: (لقد كنت لا شي، وأصبحت في هذا الموقع وقد استوليت على بلاد شاسعة يحدها شمالاً العراق وبر الشام، وجنوباً اليمن، وغرباً البحر الأحمر، وشرقا الخليج، لقد فتحت هذه البلاد ولم يكن عندي من العتاد سوى قوة الإيمان وقوة التوحيد، ومن العدد، غير المتمسك بكتاب الله وسنة رسوله، فنصرني الله نصراً عزيزاً.

وأضاف: أجل إن المسلمين هم مصدر البلاء الذي أصابهم، وأكثر ذلك عن طريق أولئك الذين ينظرون إلى مصالحهم الخاصة ومنافعهم الذاتية، فيدوسون في سبيلها على كل شيء يعترضهم في الطريق، إن هؤلاء الذين يكنزون الذهب والفضة وينامون على الوثير من الفراش لا يفكرون إلا في أنفسهم ولم يحسبوا لله حساباً.

وأقام الملك عبدالعزيز علاقات أخوية مع العالم العربي وسياسياً مع العالم الخارجي، ولم تقم حزمة وطنية في بلد عربي، ألا شد أزرها وكان موفقاً ملهماً محبوباً وشجاعاً بطلاً إنه الإمام العادل مناقشاً أعماله بالروية مع رجال العلم والمعرفة.

(نقلاً عن الكتاب المصري - السنة الأولى - الجزء الرابع شهر صفر 1365هـ فبراير (شباط) 1946م للمستشار خير الدين الزركلي).

لذلك إن تاريخ العرب هو تاريخ شريعة الإسلام ولو حذفت عبارة التاريخ من الإسلام وما نشأ عنه لم يبق للعرب شيء، فالعرب لولا الإسلام ما انتشرت لغتهم ولا أقبل الناس عليها! واللسان العربي هو لسان القرآن الكريم، لذلك موطن العرب هو جزيرة العرب، فيها المقدسات الإسلامية وفيها قبلة المسلمين ويدعون إلى الصلاة إليها بلسان عربي والذي نزل بالقرآن العظيم.

إن الدعوة إلى الحق مفتاح مبارك يخول حامله شق طريق الخير، والبر وفتح باب الرحمة والرعاية الربانية لتلك الدعوة إلى الحق هي هدف كل مؤمن مصلح صبار.

إن المنصفين من المستشرقين الغربيين يعترفون للمسلمين والعرب بحقهم في التاريخ وبسبقهم إلى وضع العديد من العلوم العصرية والعلاقات الدولية.

لقد دخل العرب باب التاريخ الواسع مع نزول رسالة الإسلام الذي بعث به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ترتب على ذلك أنهم لما خرجوا إلى بلاد الله الشاسعة كان لهم دين توحيدي واضح المعالم بين الطرق والتعاون الأخلاقي مع بعضهم البعض.

وحددت لهم العبادات التي يتوجب عليهم أن يقوموا بها ابتغاء مرضاة الله تعالى لأن الدين الإسلامي الجديد وضع للناس قواعد خلقية وأسس لأعمال أدبية تحدد علاقة الإنسان مع الآخر.

لذلك كان الدين الإسلامي من أول أمره، واستمر على ذلك في تاريخه، يعين المسلم المؤمن في سبيل وجوده في الحياة الدنيا، ويمكن له من نصيبه في الحياة الآخرة، فلا يهمل الأولى في سبيل الثانية، ولهذا كانت العقيدة الإسلامية باعثة على العمل والسير قدماً إلى الإمام في طريق نشر الدين السماوي القويم.

وفي ظل الإسلام السماوي نشأت الدولة الإسلامية الأولى في المدينة المنورة من روح الإسلام وزخم من حيوته قامت تلك الحضارة وانتشرت بين الناطقين باللغة العربية وفي أرجاء المعمورة، فكانت حضارة إسلامية عربية في صبغتها وصيغتها لأن المجتمع الإسلامي هو الذي احتضن هذه الحضارة الحديثة.

ويقول الكاتب الفرنسي المشهور - ارنست رينان: (الأمة أسرة كبيرة، ولكنها ليست أسرة جمعتها المصاهرة، أو قرابة الدم، وإنما هي أسرة جمعتها قرابة الروح لم ترتجل ارتجالاً، ولم تفرض فرضا، وإنما صنعها تاريخ موصول، ويستديمها، أنها تريد أن تبقى هكذا إلى آخر الدهر، لأنها لا تريد - ولا تستطيع أن تريد لنفسها حياة مشتركة غير حياتها التي تحياها.

لذلك أحب علماء القانون أفكار الكاتب الفرنسي (رينان) ونشروا عنه فكرة الرغبة في الحياة المشتركة، التي استهوتهم فجعلوها سر الأسرار وجوهر الجواهر، في تعريف الأمة.

وعلماء القانون مجمعون على أن الأمة يصنعها عنصر واحد وتتوافر لها طائفة من العناصر الأساسية للمجتمع الواحد ومنها:

1- العرق وهو يدخل في تكوين الأمة.

2- الأرض وفضلها في تكوين الأمم لأن وحدة الأرض تقوي روابط الفكر والمصلحة.

3- الدين فالمسلمون أتباع ديانة واحدة وهي عنصر من عناصر الوحدة أو التوحيد.

4 - الأخلاق والعادات: إن الأخلاق والعادات والتقاليد وأساليب المعيشة والتراث، إنما هو عنصر عظيم الأثر لأنه من وضع الأجداد والآباء، وعندما ننطق به نشر أننا أسرة واحدة كبيرة تتحد في تكريم ماضيها المشترك.

5 - اللغة: لها تاريخها الأصيل لأنها تصنع الرجال أكثر مما يصنعونها لذلك فالشعوب التي تتكلم لغة واحدة إنما تؤلف أمة واحدة، صهرت طوائف الناس المختلفة في لغة واحدة أسلمها إلى الأجيال الصاعدة إرثاً مشاعاً غالباً وهكذا كان منبع اللغة العربية، إنها أعطت كل شيء من جمالها، وغيرت كل شيء وعمت بركتها كل شيء في عالمنا العربي والإسلامي.

وقال أرنست: (إن العرب هم في الواقع أساتذة أوروبا في جميع فروع المعرفة).

وبعد هذا التوضيح للكاتب الفرنسي عن الأمة العربية أقول بدوري: إن أوهام الغرب عن العرب مصدرها خرافات القرون الوسطى.

ومن فضل الله تعالى أن نزلت الشريعة الإسلامية في جزيرة العرب على أرضها الطاهرة في مكة المكرمة وعلى الرسول العربي الأمي محمد عليه الصلاة والسلام، وكانت لغة القرآن باللغة العربية التي تتحدث عنها قبائل العرب كما قال تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ، وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} سورة الزخرف (3 - 4).

إن تاريخ أمة الإسلام الذي سجله صحابة رسول الله عليه الصلاة والسلام والأئمة العلماء يؤكد أن انقياد العرب وإسلامهم منذ ظهور دعوة الإسلام كان من أرض جزيرة العرب، مقر قبائل العرب الأصليين، فظهور الرسالة المحمدية كان أعظم تاريخ حدث في تاريخ العرب عامة.

وإلى مقال آخر للحديث عن العلاقات التاريخية الوطيدة التي أقامها الملك عبدالعزيز مع المملكة المصرية في منتصف العقد الرابع من القرن الميلادي الماضي، تلك العلاقات التي نشهدها منذ ذاك التاريخ، وما زال امتدادها حتى عصرنا الحاضر في ظل أنجال الملك عبدالعزيز وهم سعود، وفيصل، وخالد، وفهد طيب الله ثراهم - وفي هذا العهد المبارك بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع - حفظهما الله - هذه المسيرة التي تجدد نظرة المؤسس الباني للدولة السعودية لوحدة العرب للعيش بكرامة في أوطانهم حيث ينبض قلب الملك عبدالعزيز قوة جبارة من نبض التاريخ العربي.

الملك عبدالعزيز: إذا كان المسلمون والعرب في منعة وتعاضد وتكاتف لا يمكن لقوة مهاجمتهم وإذلالهم
مطيع النونو

مطيع النونو

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة