Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناThursday 22/08/2013 Issue 14938 14938 الخميس 15 شوال 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

محليــات

نوَّارة ..

الآن أقول لكِ ما قلتِه لي يوماً، وأنتِ تربتين على رأسي بين يديك ِ: «حين تدلهم الأيام، وتهربُ النسمة في طيّات الصّمت، تعالي لهاتين الكفّين بنيّتي، فإن لم تجديهما، فاغمضي عينيك وتعالي..»..

ادلهمّت الحياة أمي بالناس، ولحق جوفي أسى عليها..،

إذ اختلف الناس كثيراً، تاهت الحقائق..، تشابكت النوايا..،

هربت النّسمة ...،

وانحت الياسمينة..

ودارك أمّاه بقيت عبقة بغصونها ... توحّد الله في سكينة غيابكِ..

كفَّاكِ لم تعودا هنا..،

وهاأنذا أغمض عينيّ ... وأهرول إليكِ..!

تبقين المأوى لأحلامي التي كانت كبيرة شاسعة...،

لم تتقلّص..، لكنها لم تجد فضاءً يسعها فاندسّت في قبضتيك مغمضة العينين...، فللأحلام أيضاً عيونٌ يا نوَّارة.. أنتِ ذات يوم أريتني إيّاها..

اليوم، حتى الواحد أصبح يحدِّث نفسه :

ما الذي اعترى هدوء الأرض..، وأصاب مقلة الطير، وألهب مجرى النهر..؟

ما الذي تشظّى في الصبر..، وعاث في الفرح..، وحرّك قلب الثقاب..؟

الإنسان يا نوّارة كُثر ما يطمح يمرح..، كُثر ما يريد يفرِّط..، كُثر ما يخاف يجترئ..، والأدهى أنه كُثر ما يجهل يكابر..!

إنسان العصر يحمل على نفسه ويجلدها..، ما أتعسه غيرُها، نفسُه هذه...

مع أنها قد فتحت له الدنيا كلَّ إغواءاتها ..، أشرعت له كامل إغراءاتها، ..جذبته بتيّارات غرورها ..، وغروره..

ظنّ أنه قادرٌ عليها فنحرها واقفاً على مجرى الدماء يتلذّذ بأحقاده..، يكابر بجهله..، مفتون بفوضاه..!

يغذي بالفتيل عروقَه..، ويقيمُ الأسوارَ بينه وبين عَمارِها.. مفتون بالدّمار..!

ومثل هذا كثير عليَّ نوارة..، كثيرٌ ...

فتحتُ صندوقي الصغير الذي دسستُ فيه أول أسئلتي بين يديكِ..، وجدته قد تعبّأ بها..،

وجدتها كبرت كثيراً ..، طالت أشجارها ...، توالدت طيورها..، نافت أبنيتها..، عتمت غيماتها..

أصبحت شعوباً، وقبائل..

كبر الصندوق يا نوَّارة .. لم يَعُد ذلك الصغير بين يديَّ...

لم أجد له مكاناً على رفِّ حجرتي في بيتكِ الصّامت العابق حين غادرتِني، وتوسَّدتِ التراب..

فحملته منذه إلى صدري ..، حيث كما قلتِ لي : إنّ الصدر متّسع لا نهاية لمساحاته..

فهو كونُ الله العظيم فينا...

له درّك..

الآن، فتحته وهاأنذا يا نوّارة أتسلّى بالتجوُّل في هذا الكون ..أزور أسئلتي، أجلس إلى صغارها ..، وكبارها..

أتجوّل في حدائقها.. أتأمّل طيورها ..

واستمطر غيماتها..

تارة أتبسّم..، وتارة أحزن.. يا نوَّارة..

هنا، أبترد من حرِّ الدنيا التي يلهبها الناس بكفَّيكِ...!

عنوان المراسلة: الرياض 11683 **** ص.ب 93855

لما هو آت
لكِ وحدكِ...
د. خيرية ابراهيم السقاف

د. خيرية ابراهيم السقاف

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة