Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناSaturday 24/08/2013 Issue 14940 14940 السبت 17 شوال 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

لا غرو أنه خلال الخمسين سنة القادمة، ستكون المجتمعات المهيمنة أكثر على العالم هي المجتمعات المبنية على المعرفة والمهارات، ومن هنا دور الجامعة بالخصوص في أدائها واجتهادها والتي عليهما مستقبل البلدان والشعوب.

ولا يعتمد أداء جامعة ما وإنتاجية بحثها، في خلاصة مجموعة بحوث انجزناها تحت إشرافنا وهي قيد الطبع وبمساهمة الخبير الدولي ريتي ك. شهام، على جذورها وتطورها التاريخي فقط، وإنما أيضا على جغرافية العلوم في مرحلة محددة. بعبارة أخرى، يتم إنتاج المعارف العلمية في أماكن معينة وفي ظروف تاريخية خاصة، علما أن البعد التاريخي - الجغرافي محدد أساسي من أجل الفهم العميق للجامعات باعتبارها مكانا لإنتاج المعارف العلمية.

يرى دفيد ليفينغستون (David Livingstone) عالم الجغرافيا بجامعة كوين (Queens) ببلفاست، أن جغرافية الممارسات العلمية داخل شبكة حضرية دولية، مع تحرك علمائها وتداول المعارف، هي التي تحدد ازدهار العلم الحديث. وهكذا، ففي القرن السادس عشر، تمركز العلم الأوروبي في بادو Padoue بإيطاليا، لتنضم إلى هذه الشبكة كل من لندن ولييدن وباريس وجينا في القرن السابع عشر، ثم لندن ولييدن وباريس وبرلين في القرن الثامن عشر. أما القرن التاسع عشر، فسيسجل نقطة تحول قاطعة حيث ستخطف برلين مشعل العلم الحديث وتحدد المسار المدهش للممارسة العلمية الأوروبية.

أما القرن المنتهي للتو، فسيعرف انتقال مركز جاذبية إنتاج المعرفة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، مع الحفاظ على روابطه مع أوروبا، وسيدخل فاعل جديد إلى هذه الشبكة الدولية الحضرية ويتعلق الأمر باليابان ما بعد عصر ميجي (Meiji).

وتظهر دراسة المشهد العلمي ابتداء من سنة 1996 اضطرابا لا مثيل له في تصنيف أحسن المدن في نشر العلم في العالم. وهكذا، فقد حسنت كل من نانجين Nanjing وشنغاي Shanghai وساو باولو Sao Paulo من رتبتها بنسبة 20، وسيول Seoul وطايبي Taipei بنسبة 10 إلى 20 رتبة، هونغ كونغ Hong-kong وبيجين Beijing بنسبة 5 إلى 10 رتبة، في حين تراجعت أو ظلت في مكانها كل من لندن وباريس ونيويورك وبسطن وتورونتو وبرلين وموسكو.

فبفهم جيد واستيعاب لهذا السياق التاريخي- الجغرافي، يمكن لقادة الجامعات طرح السؤال الأساسي الذي يواجه كل جامعة تطمح للعالمية، ويتعلق الأمر بكيفية ضمان حضور فعال في الدائرة العالمية للمعارف، حيث دون هذا الحضور ستظل المعارف المنتجة محلية، وطنية أو جهوية، وستظل، بالتأكيد، هذه المعارف مفيدة في المكان الذي أنتجت فيه لكن نشرها سيظل محدودا. لكن، كيف يمكن لهذه المعارف أن تساهم في تطوير الاقتصاد المحلي والجهوي أمام المنافسة الشرسة في إطار عولمة اقتصاد المعارف ؟ كل شيء يتعلق بطرح السؤال الأساسي التالي: ما هي جامعة القرن الواحد والعشرين ؟

إن تطور الجامعة يكمن في استجابتها الفعالة ودون تخوف من التحديات التي تطرحها كل من :

1 - العولمة

2 - التدويل

3 - تكتل التعليم العالي

4 - تقدم تقنيات المعلومات والاتصال

5 - تسويق المعرفة

1 - العولمة: إن التوجهات الاقتصادية والتكنولوجية والعلمية لا مفر منها، وهي تؤثر مباشرة على التعليم العالي. أما التحديات التي يجب مواجهتها والأكثر إلحاحا فهي الأوبئة والأمراض المعدية والتغيرات المناخية والأمن الطاقي والكوارث الطبيعية والإنسانية. وفي هذا الإطار تواجه قادة الجامعات مسألتين هامتين: 1. كيف ندخل هذه المشاكل ذات البعد العالمي في مناهج الجامعات مع إدماج أخلاق ذات حمولة عالمية؟ 2. كيف ننتج شواهد قادرة على رفع التحديات العالمية المطروحة؟

ففيما يتعلق بمناهج الجامعات، يجب اقتراح برامج تعليمية وأبحاث مبنية على حاجيات اقتصاد المعارف (مع احترام العلوم الإنسانية والاجتماعية). إن الأمر يتعلق أساسا بتحديد مؤهلات الخريجين وذلك بمساعدتهم على أن يصبحوا مواطنين «عالميين» ومسؤولين.

2 - التدويل: وهو جزء لا يتجزأ من الجامعة التي تستجيب لتحديات العولمة في شكل سياسات وبرامج حكومية أو أكاديمية. فكيف للجامعة أن تعرف نفسها في الخارج ؟ كيف تقيم شراكات مع عالم الأعمال أو الجامعات الأجنبية؟ كيف تسهل حركية الأساتذة والباحثين والطلاب؟ يجب على الثقافة التنظيمية أن تعكس هذا التدويل وأن يكون قابلا للتطبيق في جميع قطاعات الجامعة (الموارد البشرية، المناهج إلخ). فالتعليم العالي، خارج الحدود الوطنية، يشمل بعدا ثالثا وهو التدويل.

إن هذا النوع من التعاون يدعو بالضرورة إلى إقامة شبكة جهوية تضمن الجودة والارتكاز على أنظمة الاعتماد والبحث والإبداع إضافة إلى الحكامة. فالتعاون يجب أن يكون متينا في كل المنطقة، سواء أكان التعاون وطنيا، جهويا أو دوليا.

3 - تكتل التعليم العالي: إنه أمر لا مفر منه، وهو الذي حول بشكل عميق بنية التعليم العالي خلال العقدين الأخيرين. وأفضل إجابة على ذلك هو تنويع التعليم الخصوصي، كلية المجتمع community college، عبر النت on-line، أما الحل الآخر فهو جعل حركية الطلاب مرنة داخل النظام التربوي أو بين مختلف الدول والمناطق. غير أن هذا التحول يطرح تساؤلا جوهريا مرتبطا بالحفاظ على جودة الجامعات وباقي مؤسسات التعليم العالي الأخرى. هناك وسيلة أخرى للتقليل من الفوارق بين الجودة والكمية في التعليم العالي، وهي القيام بدراسات قبلية لمعرفة حاجيات السوق، ومن ثم وضع البرامج التعليمية الملائمة. لكن هل الجامعة مكان يتعلم فيه الطلاب طريقة التفكير أو مكان لاكتساب القدرات لولوج سوق الشغل بعد ذلك؟ إنه السؤال الفلسفي الأساسي الذي يطرح نفسه. وهنا أيضا، على الجامعة أن تحدد مسبقا وبوضوح رؤيتها ومهمتها. وعلى العموم تطرح الجامعة سؤالين بسيطين على نفسها: من نحن ؟ وماذا نفعل ؟

4 - تقدم تكنولوجيا المعلومة والاتصال: لقد خلخل تقدم تكنولوجيا المعلومة والاتصال مناهج التعليم والتعلم، حيث أصبح من الصعب على أستاذ الجامعات العصرية، الغير ملم بالتقنيات الجديدة للتواصل مثل iTune ، الحياة الثانية second life، يوتيوب Youtube أو الدروس المجانية عبر الخط مثل MIT Open courseware أو edX أو khan Academy، أن يتماشى مع طلاب هم على دراية كبيرة بوسائل الإعلام الاجتماعية. علاوة على ذلك، فاللغة المهيمنة على مواقع الإنترنيت هي الانجليزية (57 في المائة)، متبوعة بشكل بعيد باللغات الأخرى: الألمانية (6,5 في المائة)، والروسية واليابانية والإسبانية والصينية (4 و5 في المائة) وأخيرا الفرنسية بنسبة (3,9 في المائة). وهذه أحد التحديات الرئيسية التي تواجهها الجامعات الحديثة النشأة وتتمثل في إقامة أرضية تكنولوجية تمكن الطلاب والأساتذة من الوصول إلى المعارف المتوفرة والمجانية. وهكذا، يمكن للأساتذة التحرر من قيد إعادة خلق الدروس، وبالتالي استغلال وقتهم في تدريب الطلاب بدل إغراقهم بمعلومات متوفرة في الإنترنيت.

6 - تسويق المعارف: إذا كان تسويق المعارف أحد أولويات الجامعة، فيجب أن تكون هذه الثقافة حاضرة في حكامة الجامعة في شكل مكتب للعلاقة بين الصناعة والجامعة. فالمثلث جامعة - حكامة - صناعة، يجب أن يكون عمليا، كما يجب أن تتحمل البرامج ذات التمويل الملائم نمو البحث والتنمية (RالجزيرةD)، ثم إن تكوين الأساتذة والطلاب على مبادئ وممارسات تسويق المعارف، يساهم في نجاح هذه البرامج. إضافة إلى ذلك، فقد تبين أن الأساتذة ذوي الخبرة في المقاولات الخاصة (المهندسين مثلا) هم الأكفأ لتحويل نتائج البحث إلى منتجات قابلة للتسويق.

عن مستقبل الجامعة
د. عبد الحق عزوزي

د. عبد الحق عزوزي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة