Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناSaturday 24/08/2013 Issue 14940 14940 السبت 17 شوال 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

متابعة

رحل سميط.. وأحيا أمة

رجوع

أمتنا المسلمة أمة عظيمة ولود، تنجب الطاقات والقدرات والمبدعين والعظماء على مر التاريخ في كل وقت وحين، لكننا نحن أبناء الأمة مقصرون مع هؤلاء الرجال، هم لا يريدون منا أن نصفق لهم ونثني عليهم ونبجلهم جل وقتنا - وإن كانوا بحاجة إلى بعض الثناء والتشجيع - وإنما يريدون أن نعرفهم ونستفيد من إمكانياتهم وقدراتهم، وأن نستمد من علمهم وخبراتهم وتجاربهم.. لكننا حقاً مقصرون مع رجالات أمتنا الأبطال.. ولذلك ولد في هذه الأمة مفكر كبير، أستاذ ومنظر ومتعمق في تخصصه في علم الاجتماع، قدم بحوثاً ودراسات كثيرة، وحصل على أرقى الشهادات، عرفته الجامعات الفرنسية والغربية، قرأ الفلسفات الغربية قراءة عميقة واعية، ويرى أن الحضارة الإسلامية هي التي فتقت وأوسعت الطريق للحضارة الغربية لتصل إلى ما وصلت إليه الآن من الرقي، وذلك عندما أقنع ابن رشد علماء الكنيسة بأن الوحي لا يعارض العلم والتفكير والإبداع، وكذلك من مقولاته أننا في قطيعة مع الإسلام..

هذا المفكر رشدي فكار، عندما بحثنا عن كتبه في المكتبات المصرية لم نجدها، وهي بلده ومنشؤه، فكيف بالبلدان الأخرى؟ ووجدنا بعض كتبه في دار النشر التي طبعت له كتباً يطمرها الغبار مهترئة، لم تجدد وتعاد طباعتها، ويبدو أن أبناءنا ونشأنا سيكتبون عليها الموت والاندثار لانشغالهم بالتوافه ولهاثهم خلف اللمعان والبريق الإعلامي وانشغالهم بالقيل والقال والقصور الثقافية والعلمية.. فقرية المفكر رشدي فكار شيعت جناته وكادوا يدفنونه حياً لولا أن تداركته رعاية الله وجيء بالطبيب فأزال احتقان الدم الذي أغلق حلقه، وعادت الحياة إلى رشدي من جديد. رحم الله المفكر الإسلامي رشدي فكار رحمة واسعة، وهيأ له من يجمع أقواله ولقاءاته، ويعيد طباعة مؤلفاته، ويساهم في نشرها وإخراجها؛ كي تنتفع الأمة بعلمه وفكره.

أما الطبيب الداعية عبدالرحمن سميط الذي ودعنا قبل أيام بعد معاناة طويلة مع المرض فهو رجل بأمة، مصدر عز وفخر لهذه الأمة التي أنجبت مثل هذا الطبيب الدكتور الداعية، الذي اهتدى على يديه بفضل الله أمة كاملة (أحد عشر مليوناً)، يا له من عدد ورقم كبير ورصيد له قيمته في سوق المال، فما بالك بالأجر والثواب الذي سيرصد لهذا الداعية في الآخرة إن خلصت النية وصدق العمل، وإن شاء الله هو من أهل الخير والصلاح والصدق والإخلاص، نحسبه والله حسيبه، ولا نزكي على الله أحداً. هذا الرجل ترك حياة الرفاه، وودع الترف، وعاش في إفريقيا حياة التقشف والتعب رغم آلامه وأوجاعه وكثرة الأمراض والأوبئة في تلك المنطقة، إلا أنه يحمل همة عالية، ويعيش لهدف، ويخطط لمستقبل، ويسعى لنشر نور وطرد ظلام، وإحياء نفس تتخبط في الظلام والاضطراب.. والحمد لله، فُتح لهذا الرجل باب خير كبير، ووُفق فيه، وأنقذ بفضل الله أنفساً كثيرة، هداها الله للإسلام، وذاقت طعم الحياة ولذة النور ومذاق الإيمان.. فهذا الرجل مشروع وحده، وعلينا نحن التجار والمؤسسات والدول أن ندعم هذا المشروع وهذه البذرة بل البذور التي دسها الداعية سميط في تربة الخير والعمل فأخصبت وسنبلت وأنتجت ثماراً يانعة.. فمؤسساته ومشاريعه وبحوثه علينا أن ندعمها وأن نطورها، ومواقفه وخبراته وتجاربه علينا أن نرصدها وندونها وأن ننشرها؛ كي تثمر وتفيد. هكذا العمل.. وهكذا الأشجار.. وهكذا استثمار الوقت وتوجيه الطاقات والقدرات وتركيز الهدف والسعي الحثيث لترجمته وتحقيقه.. فرحمك الله، وأسكنك فسيح جناته.

كنت نموذجاً للجد والعمل والصبر.. كنت نبراساً للدعوة الصادقة والتجارة الرابحة.. كنت تجوب إفريقيا ومعك قبس من نور؛ لتطرد به الظلام.. رحمك الله وغفر لك، وأفسح لك في قبرك، وجعله روضة من رياض الجنة، وجعل نورك يسعى بين يديك ويمينك يوم القيامة جزاء ما قدمت من عمل وجزاء ما أخرجت هذه الملايين - بفضل الله - من طرق الغواية والضلالة إلى نور الطاعة والهداية.. فرحمك الله وغفر لك.

الإنجاز كبير، وأيامك مبهجة ومشرقة، وهدفك سامٍ، وحياتك مفعمة بالإنتاج والعطاء.. فأنت مشروع ضخم ومادة خصبة.. ومواكب الكلمات تحتشد وتزدحم على مرفأ قلمي، وجداول الحبر تنسكب على سطور ورقي، وأنا مضطر إلى أن أطوي أشرعتي، وأن أوقف مراكبي، وأمنعها من الإبحار في حياتك وسيرتك وإنجازك وعالمك.. فالطريق طويل، والأرض مخصبة، والمضمون كثيف، وهذا سينهك بحارتي، ويمزق أشرعتي، ويستهلك مراكب كلماتي، ويستنفد حبري، ويستهلك ورقي.. فمعذرة لك؛ أنا مضطر إلى أن أتوقف، وليس لي أن أبحر.. {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.

«إن العين لتدمع، والقلب ليحزن، ولا نقول إلا ما يرضي الرب، وإنا لفراقك لمحزونون».

خالد عبدالعزيز الحمادا

رجوع

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة