Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناMonday 26/08/2013 Issue 14942 14942 الأثنين 19 شوال 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

محليــات

في زمنٍ بعيد قرأت ما كان يكتبه الأستاذ سليمان الفليِّح رحمه الله في الصحافة الكويتية، عندما كانت تلك الصحافة في أوَجها وانفتاحها وتنوُّعها، دون مزاحمة من الصحافة الخليجية ومن غالب الصحافة العربية.

وكان ما يطرحه سليمان الفليِّح في زاويته «هذرولوجيا» من أفكار وموضوعات، يلتقي مع اهتمامات الجيل الجديد الذي مَلَّ الطروحات المتكرِّرة التي يتم اجترارها بأسلوب تقليدي عفا عليه الزمن.

كانت كتابات الفليِّح شهيَّة وجاذبة، ليس لأنها بالضرورة تقدِّم أفكاراً جديدة، ولكن لأنها أيضاً مكتوبة بنَفَس فنِّي وبأساليب الشعراء والمبدعين، وباللغة الجديدة التي اكتسحت الساحة، عرفنا بعد ذلك أنّ سليمان الفليِّح من «ديرتنا» وأنّ منطقة «الحماد» في امتدادات الشمال هي مسقط رأسه، وأنّ هذا النَّفَس الشّعبي الجميل الذي نجده في كتاباته يستمدُّ جذوره من تلك البيئة البدوية الصافية، التي تفتّحت عيناه عليها قبل أن يلسعه ألم اليتم بفقد والده وهو طفل صغير.

ثم عرفنا بعد ذلك، أنّ تلك اللغة الشعرية الجميلة التي يكتب بها سليمان الفليِّح زاويته الصحفيّة، هي امتداد لموهبته الشعرية التي زاوجت بين العامِّي والفصيح، وبين الحداثة والتقليد، وقرأنا دواوينه الشعرية العديدة التي عكست خلفيّته الاجتماعية والثقافية في مضمونها، وحتى في عناوينها مثل «الغناء في صحراء الألم» و»أحزان البدو الرُّحل» و»ذئاب الليالي» و»الرُّعاة على مشارف الفجر». وقد كان للفليِّح حضوره المميّز على الساحة الشعرية الخليجية والمحلية، بما في ذلك ساحة الشعر الشعبي.

كان للفليِّح معاناته الشخصية مثل كثيرين ممن ظلمتهم ظروف التاريخ والجغرافيا، في حقبة زمنية شهدت تحوُّلات سياسية غيَّرَتْ ورسمت خرائط وحدود وجوازات وبطاقات هوية وطنية ووثائق سفر جديدة، فهو ينحدر من أجيال متعاقبة من البدو الرُّحّل الذين كانوا يجوبون صحراء الجزيرة العربية شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، لكنهم وجدوا أنفسهم في تلك الحقبة المفصلية بلا أوراق ولا هوية رسمية ولا وثائق شخصية، فما كان البدو يأبهون بتلك الأوراق، لأنّ انتماءهم كان دائماً للأرض منذ القِدَم ومنذ ما قبل زمن الأوراق الرسمية!

لم تمنعه معاناته الشخصية في الكويت من الالتحاق بالخدمة العسكرية ومن الكتابة عن هموم الناس، ولكنه ظلّ من فئة الـ «بدون»! ثم عاد بعد ذلك إلى وطنه السعودية ـ وهي وطن الجميع ـ، وتم إقفال ملف الهوية والتابعية والأوراق الرسمية بكلِّ مراراتها وسرياليّتها وعبثيّتها.

وبعودة الفليِّح إلى منابعه، وبتجدُّد لقاءاته مع قرّائه عبر «الجزيرة» وغيرها، كانت فرصته الكبيرة للاقتراب أكثر وأكثر إلى شرائح اجتماعية وثقافية متنوّعة في هذا الوطن الذي أحبّه؛ إلى الناس الذين عشقوا حروفه لأنهم وجدوا أنفسهم في تلك الحروف.

رحم الله سليمان الفليِّح الكاتب والشاعر والأديب، الذي فقدناه قبل أيام وأسكنه فسيح جناته.

alhumaidak@gmail.com
ص.ب 105727 - رمز بريدي 11656 - الرياض **** alawajh@ تويتر

على وجه التحديد
سليمان الفليِّح.. بدوي من الحماد
د. عبدالواحد الحميد

د. عبدالواحد الحميد

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة