Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناMonday 02/09/2013 Issue 14949 14949 الأثنين 26 شوال 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

يمكن اعتبار الوجه الحاني الرقيق، والنصف الآخر لكوكبنا: المرأة سائرة خارج الدوائر المعتادة، أو بعبارة أحرى متقمصة لأدوار ومتصفة بسلوك لا يلقى في الأغلب القبول عندما تقرر السباحة في فضاءات غير محببة وإيجابية،

بل ويمكن الادعاء بأنها مخالفة لنواميس الفطرة الأنثوية. سنحاول من خلال الإطلالة المقتضبة المرور سريعاً على بعض من تلك المناحي التي تسجل فيه المرأة إخفاقاً جالباً للتصدع الأسري.

أول هذه الفضاءات التي تخفق المرأة في الإبحار فيها يكمن في عدم إبداء قدر من الاحترام والتقدير المستحق لنصفها الآخر أباً كان، أو أخاً، أو ابناً، وغيرهم آخرون. فهناك الكثير من النساء لا يبدين أي قدر من الاحترام للرجل من دون أدنى سبب يُذكر، أو بشكل أكثر دقة من دون سبب مقنع يمنح المرأة حق عدم إعطاء الرجل ما يستحقه من التقدير والاحترام. وربما أن بعض النسوة ينطلقن في ذلك من مبدأ المعاملة بالمثل، أو من باب رد الدَّين؛ فالرجل نفسه لم يبادر بصنع ذلك، ومن هنا فأنا - كما يقول لسان حال الكثير منهن - مجبرة على القيام بالصنيع نفسه. نحن هنا نتحدث عن حالة المرأة التي لا تمر بهذه الوضعية، وإنما نرمي إلى تلك التي نالت حقها من الاحترام والتقدير، لكنها آثرت أن تقابله بالنقيض من دون مبرر مقنع، وبدواعٍ لا ترتقي إلى أن تجعلها تغلق بإحكام باب الاحترام لوالدها، وأخيها، وزوجها، وولدها. والنتيجة الطبيعية في ظل ذلك أن المرأة لا تنال ولا تُمنح المحبة التي تنتظرها من نصفها الآخر؛ الأمر الذي يبعث على إهمالها، وتجاهل مشاعرها، وطموحها، ورغباتها.

وثانيها: عندما تحاول الخروج من جلباب الأنثى؛ لتتحول إلى رجل في جلباب امرأة، بمطالبتها بممارسة الأدوار التي يؤديها الرجل، ولو كان ذلك على حساب أسرتها، ومن غير حاجة ملحَّة تدعوها إلى ذلك؛ فهي تريد أن تكون مستقلة في كل شيء، مع أن الظروف المحيطة تمنحها كل ما تريد، لكنها تريد الخروج، والعمل، والمشاركة في كل الأنشطة الاجتماعية، ولو كان ذلك على حساب أسرتها، وتوفير جو أسري دافئ، يسهم في تنشئة صالحة، تمنح الوطن مواطنين ذوي سواعد فاعلة، تسهم في بناء لبنات تنميته الدائمة. كل ذلك ممكن، ولا خلاف عليه، بل من حقها، لكن الواقع يشهد بأن تلبية هذه الرغبة لذاتها فقط تأتي نتائجها على حساب رب الأسرة وأفرادها، الذين يتركون في معظم الأحوال للخادمات ترعي شؤونهم، وتلبي طلباتهم. ومن هنا تتباعد المسافات، وتُبني العقبات التي تحول دون محبة المرأة وتقدير دورها العظيم الذي كان من الممكن أن تقدمه لأعضاء أسرتها التي انشغلت عنهم، ولهثت دون كلل أو ملل خلف طموحها وأحلامها فقط، دون الأخذ في الحسبان الظروف المحيطة، والنظر من خلال نافذة تقديم الأهم على المهم.

وثالثها: إصرار الكثير من النساء على أن مهمتها الرئيسية تتمحور حول إحداث تغيير ونقلة نوعية في صفات الرجل وأخلاقياته، وهذا يستنزف حيزاً من طاقتها التي يمكن صرفها تجاه أمور أهم وأجدى في علاقتها مع نصفها الآخر، ويعمل في الوقت نفسه على فتح قنوات شقاق، وفُرْقة، وتنافر معه، وبخاصة أنها مهمة خاسرة على جميع الأصعدة، كما أنها ليست المهمة الرسمية التي يجب أن تكون محور اهتمام المرأة في علاقتها مع الرجل. المرأة، وبخاصة المتزوجات، ليس من أولوياتهن العمل على تغيير سلوك أزواجهن، وإنما محاولة التعايش مع الصفات الإيجابية التي يتحلي بها وإن لم ترُقْ لها، ومحاولة إقناع شريك حياتها بخطأ المنهج والسلوك الذي يتبعه، ومساعدته - إن دعت الحاجة - لمحاولة التغلب على ذلك المسلك غير الايجابي؛ لأن التغيير يجب أن يأتي بمبادرة ذاتية من الرجل نفسه، وليس بطلب من الزوجة؛ لذا فإصرار الزوجة على أن هذه هي مهمتها الرئيسة يمنح الرجل سبباً في اعتبارها تغرد خارج السرب.

ورابعها: اعتقاد المرأة الجازم بأن الرجال كلهم سواسية في الاتصاف بعدد من السلوكيات والأخلاق غير الحميدة، التي دوماً ترددها النسوة في جلساتهن متى ما التقى بعضهن ببعض؛ حيث يبدأ “الموال” المعتاد بوصم الرجال كافة بالصفات والأخلاق ذاتها؛ فهم أنانيون، وعديمو الضمير، وبلا رحمة، ودائماً يحبون أن يأخذوا، وليس لديهم روح المبادرة والعطاء، وليس لهم أمان.. والقائمة تطول على السارد. هذه الاعتقادات تتناقلها النساء ويتداولنها في كل حين ووقت، ويعملن من خلال منطلقاتها ورؤاها، وكأنهن بذلك يرين أن أشقاءهن الرجال خطيئة ارتكبتها أمهاتنا. وهن بهذا الاعتقاد يبنين حاجزاً منيعاً، يحول دون ولادة مشاعر للمحبة والمودة بين قطبَيْ الرحى في كوكبنا “الرجل والمرأة”.

وخامسها: المرأة التي تحب الاتصاف بالجمود الذي تترجمه بعدد من الصفات المترابطة بعضها ببعض؛ فالتجديد مفردة غريبة في حياتها، بل إنها تكرهها، وتنفر منها، متخذة في معظم الأحوال من الانشغال في أعباء المنزل والأبناء، والمطبخ، والعمل، وربما أمور أخرى، عذراً يمنعها من البحث عن مناخ التغيير في ذاتها، وفي نمط حياتها. والصفة ذاتها - أعني الجمود - تجعلها تنأى بنفسها عن البحث عن متنفس جديد، وفكرة تكسر من هاجس الروتين المعتاد الذي يلف حياتها وحياة من حولها، حتى أضحى يومها مثل أمسها، وغدها نفسه الذي لم تظهر شمسه بعد، كما أنها تقاوم التغيير، وتضع أمامه العقبات، وتتحاشى القيام بأية مبادرة.. كل ذلك لأن الجمود ساكن بقوة في ذاتها. ومن هنا، تمنح شقيقها الرجل فسحة في عدم خلق مشاعر جياشة تجاهها.

وخاتمه الصفات السلبية التي تختار الكثير من النساء الاتصاف بها؛ ما يحول بينها وبين إبداء قدر من الإجلال والاحترام الذي تستحقه: الاتصاف بصفات ثلاث مشينة بحق المرأة، المتمثلة في المرأة “المجادلة، النكدية والمعاندة”؛ فهناك صنف من النساء ذوات هوس ورغبة غير اعتيادية في مجادلة ومناقشة الرجل في كل كبيرة وصغيرة لغرض معارضة رأيه، بالرغم من صواب وسداد رأيه الظاهر للعيان؛ وذلك لرغبتها الجامحة في إثبات سعة أفقها، ومعرفتها، وقبل ذلك وبعده حبها في المناكفة والمجادلة الاستفزازية. كما أن هناك أيضاً المرأة النكدية، التي لا همّ لها ولا شاغل لها إلاّ الجري وراء مناط الغم والهمّ في كل وقت وحين، مختلقة ومحمِّلة التصرفات والأقوال أكثر مما تحتمل. كما أن هناك المرأة التي يجري في دمها شريان العناد والتشبث برأيها في كل حال ومال، لا تتراجع عما تراه من وجهة نظرها الخاصة صائباً، ولا تحاول أن تجعل من الحق حكمتها، أنَّى وجدته أخذت به، وكأني بها قائله “ما لكم إلاّ ما أرى؛ فهو دون سواه عين الحكمة والصواب”!

إن سعي الكثير من النساء الحثيث لتكريس الاتصاف بهذه الصفات يقود في نهاية المطاف إلى منح أشقائهن الرجال مبرراً لانحسار شعورهم بالمودة والمحبة والعطف والحنان تجاههن؛ الأمر الذي يفضي بمجرد اضمحلال هامش المحبة والمودة هذا بينهم إلى إحداث اضطراب واهتزاز أسري، يصل صداه إلى المجتمع برمته؛ حيث تلفظ تلك البيوت المضطربة نماذج مشوهة، تهدم ولا تبني.

alseghayer@yahoo.com
@alseghayer

امرأة تسير خارج النص
د. خالد محمد الصغِّير

د. خالد محمد الصغِّير

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة