Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناTuesday 03/09/2013 Issue 14950 14950 الثلاثاء 27 شوال 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

المتعهد وصف لشركة أو شخصية اعتبارية أو حتى اعتباطية تقدم خدمات لجهة أخرى بحكم التخصص لعدم توفر الخبرة الكافية لدى الجهة طالبة الخدمة، ولأنه يفترض أن الخدمة التي يقدمها المتعهد تكون ذات طابع تخصصي دقيق وكلفة الحصول عليها عالية جداً بالنسبة لهذه الجهة وغير ذات جدوى اقتصادية.

والحصول على خدمة تعاقدية من متعهد عمل معمول به في القطاع الخاص في كثير من الدول ولا غيض في ذلك لأنه يسهل الأعمال ويوفر الجهد، و عادة ما يكون أصحاب الأموال في القطاع الخاص دون أموالهم فيحصلون على هذه الخدمات بأفضل وجه وأيسر جهد. غير أن طلب هذه الخدمة من بعض الجهات الحكومية، أو شبه الحكومية، أو في الشركات المساهمة أمر قد يكون مختلفاً كثيرا، حيث تكون الرقابة أقل والصلاحيات أوسع.

والحكومة سمحت للجهات الحكومية الدخول في شراكات مع القطاع الخاص بهدف تحسين أداء الأجهزة الحكومية، وتوفير الجهد والمال، وتوفير الوظائف لأبناء الوطن من الشباب، لكن هذا الإجراء كأسلوب في العمل، مثل غيره من الأمور، تعرض للاستغلال غير السوي من البعض وانحرف في أهدافه التي وضع لها بشكل كبير وخطير، بل إنه أصبح أحياناً يستغل بشكل يضر ضرراً مباشراً بمصلحة الوطن والمواطن، وتحول لأسلوب استغلال مثل التستر إن لم يكن أشد.

كنت في زيارة لمكتب إحدى الشركات الكبرى التي تسهم الحكومة بجزء كبير من رأسمالها، وقد لفت انتباهي سوء أداء بعض الموظفين، وتباطؤهم في العمل، ونرفزتهم مع المراجعين. ثم لمحني أحد المدراء وطلب مني الذهاب معه لمكتبه وتطرقنا للحديث عن موظفيه فقال لي بعض هؤلاء رواتبهم منخفضة جدًا، ولا يتجاوز ألفاً وثمانمئة ريال للبعض منهم، مع العلم أن هذه الشركة عرف عنها ضخامة رواتب موظفيها وعلى وجه الخصوص فئة المدراء. وكما هي العادة في كثير من شركاتنا يجد المدراء المنطق والحجة لدفاع عن تضخم ما يأخذونه من الشركات على شكل رواتب ومكافآت وبدلات وغيرها، ويستثنون موظفيهم من الحجج ذاتها، ويتناسون أن البشر سيان، وأن الجميع لهم التطلعات والحاجات ذاتها، ولهم الحق في العيش الكريم. مع العلم أن بعض بدلات ومكافآت المدراء تصرف حتى ولو كان أداء الشركة سيئ أو حتى مخسّر. والشركة التي زرتها عرف عنها سوء الأداء ودخولها مؤخراً في مشاريع ضخمة فاشلة، ورغم ذلك رواتب قلة من المدراء فيها متضخمة. أما فيما يتعلق بالموظفين من أصحاب الدخول المتدنية، اتضح أن رواتبهم يدفعها «متعهد» موارد بشرية للشركة يسجلها في قوائم الشركة كمبالغ مرتفعة حسب عقد موقع معها، ويصرفها لهم بعقد منفصل كرواتب متدنية. والحقيقة أني تعجبت من الأمر لأن الفرق بين الرواتب في العقدين كبير جداً.

فكيف يمكن أن يحدث أمر مثل هذا في بلد تحاول تحسين فرص شبابها وتحسين توزيع الدخل بشكل أكثر عدالة على مواطنيها؟ كيف يمكن تجاوز القوانين والأنظمة والتلاعب بها بطرق ملتوية كهذه؟ أحد الأساليب التي تمكن من ذلك هي أن تضع بينك وبين أنظمة الدولة «متعهداً»، متعهد من القطاع الخاص يملي شروطه كيفما شاء.

المتعهد يدخل في عقد مع الجهة لتشغيل مكاتبها وتزويدها بموظفين وفنيين، ويقدم لهم عقداً به قيمة رواتبهم وبدلاتهم، ثم يوقع هو عقداً آخر مختلفاً من الباطن يضع فيه رواتب وميزات للموظفين الذين يقدمها للجهة كما يراها هو، أو كما يستطيع تأمينها من السوق السوداء التي بها كثير من العاطلين والمساكين والمجبورين على القبول بأي عرض، حسب عقد مختلف. طبعاً هذا خارج التكاليف الأخرى الضخمة في العقد التي تشتمل مصاريف تأمين لهذه الكوادر. فهو يوقع عقداً على أن راتب الموظف مثلاً عشرة آلاف ويدفع له فعليا ثلاثة آلاف، ويحصل هو على سبعة آلاف شهريا فرق الراتب.

وقد ذكر لي شاب أنه كان يعمل في شركة أخرى بما يزيد عن العشرة آلاف ريال قليلاً بينما راتبه المقيد لدى المتعهد يفوق الثلاثين.

ويجدر بالجهات الرسمية أو مكاتب العمل الانتباه لهذا التلاعب ومنع ما يسمى بعقود الباطن في التوظيف تحت أي مسمى أو عقد، ومن قبل أي جهة وسيطة: متعهد، أو شركة موارد بشرية أو غيره. أو أنها في أضعف الإيمان تقنن وتنظم هذا الموضوع بتحديد نسبة الفرق المتاح بين الراتب الاسمي والراتب الفعلي في العقدين، لكنها حتى يومنا هذا لا عين رأت ولا أذن سمعت.

فهذا «الباطن»، أو ما يسمى بالتعاقد الخفي ممنوع في كثير من دول العالم. وهو يدخل في باب التدليس والخداع ويعتبر عملاً مجرّماً. غير أن بعض الشركات الأجنبية التي تعرف أنه ممنوع في بلدانها تمارسه لدينا. فالتعاقد الخفي الباطني يستغل في بعض الأوقات لبخس الدولة أو المؤسسات الحكومية عقودها، وخدماتها، حيث تستبدل العقود الأصلية بأخرى أقل من قيمتها بكثير، وتنفذ المشاريع بجزء بسيط من قيمتها المعلنة.

الأدهى والأمرّ في تعهدات وعقود التوظيف التي تحصل بموجبها شركات على نصيب الأسد من رواتب العاملين هو أن المتعهد قد يكون واجهة وهمية لإدارة الموارد البشرية في الجهة ذاتها، أو يمارسها مسؤولون في إدارات الموارد بصفة مباشرة. فتجد أن فرداً أو فردين يقبضون فروق رواتب ضخمة بشكل شهري لعشرات المستضعفين من الموظفين الذين يعكسون ذلك على أدائهم أما في تعاملهم مع المراجع أو من نوعية الخدمة التي يقدمونها.

ومن أمور الفساد المتعارف عليها دوليا استفادة المسؤول بشكل مباشر أو غير مباشر، مادي أو معنوي، من الصلاحيات التي تمنح له، أي أن يستغل سلطته لمصلحة تكون محل شك في مشروعيتها. ونستطيع أن نقيس على ذلك نمطاً آخر من أنماط «التعهد» وهو تخليص المسؤول معاملات من مكتبه بواسطة مكاتب خدمات خارجية ذات صلة به ويستفيد منها. ويشمل ذلك بعض من لهم مكاتب خدمات بأسمائهم أو أسماء من يعولون حيث تذلل المكاتب جميع العقبات حتى ولو كانت مخلفة لمتطلبات نظامية. وقد أصبح أمر شبه متعارف عليه بين العمالة الأجنبية على وجه الخصوص أن معقب المكتب الفلاني بالمبلغ المحدد يستطيع إنجاز أي معاملة من الجهة ذات العلاقة. فمثلاً لإصلاح أمر العمالة هناك سعر لنقل الكفالة النظامي وآخر لنقل الكفالة غير النظامي. ولاستقدام الأسرة هناك مبلغ محدد يدفع للمعقب ليستقدم أسرة المقيم من الخارج حسب الأنظمة وآخر حسب لإتمام المعاملة بشكل غير نظامي. ومندوبو مكاتب التعقيب يمرقون من المكتب المسؤول من طوابير الانتظار مروق السهم من الرمية، وعلى مرأى ومسمع جميع المواطنين المساكين الذي يملؤون صالات الانتظار ويتقاتلون على أرقام المراجعة فيها.

وهناك قول متعارف عليه بين الناس إنه إذا تعقدت الأمور فستجد حلا حتمياً لدى مكتب خدمات إذا أنت أرخيت الريال كما يقال.

نعترف بأننا نعاني من التستر، والجهات المعنية تحاول وضع الخطط لتنظيم سوق العمالة والحد من هروب العمالة المنزلية وغير ذلك من المشاكل المرتبطة بها ولكنها في الوقت ذاته لا تراقب عمل بعض ضعاف النفوس من مسؤوليها الذين يضعون أنفسهم في خدمات مكاتب خارجية أولاً والمواطن ثانياً.

فنحن لن نستطيع تنظيم سوق العمالة دونما رقابة صارمة على مكاتب التعقيب، وتقصي لمن تعود الملكية الحقيقة لهذه المكاتب التي تتعهد للناس بمساعدتهم على تجاوز الأنظمة مقابل المال. ولن نستطيع مواجهة البطالة ما دام هناك متعهدون يحترفون سرقة رواتب الشباب، أو تسهيل تجاوز الأنظمة. كما أن مشاريعنا لن تنفذ بالشكل المطلوب ما لم يتم التعاقد مباشرة مع المقاول المنفذ ومنع التعاقد الباطني الذي يقلص قيمة هذه المشاريع ومواصفاتها.

latifmohammed@hotmail.com
Twitter @drmalabdullatif- أستاذ في جامعة الملك سعود

المتعهد
د. محمد بن عبدالله آل عبد اللطيف

د. محمد بن عبدالله آل عبد اللطيف

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة